كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن إعادة إعمار سوريا، رغم أن الظروف ليست مهيأة للبدء بإعادة الإعمار، لا سياسياً ولا ميدانياً، خصوصاً مع غياب أي أفق لحل سياسي متفق عليه بين أطراف الصراع في الحرب السورية، بينما لا تزال عمليات الدمار والقتل والتهجير مستمرة.
وكانت أطراف المعارضة عقدت باكراً منذ 2011، برعاية خليجية أوروبية، مؤتمرات إعادة هيكلة الاقتصاد السوري وتم إطلاق صندوق لدعم إعادة الإعمار، يديره بنك إعادة التعمير التابع للحكومة الألمانية، وبمشاركة دول "أصدقاء سوريا" وفق تقرير لموقع الامارات 24
وتظهر محصلة قرابة سبع سنوات من الحرب التي تعصف بسوريا منذ 2011، أن المُتضرر الأول هو المواطن السوري مع مئات الألوف من القتلى، ونزوح أكثر من نصف الشعب السوري، وأكثر من 13 مليون سوري في حالة عوز غذائي، وهي حصيلة كارثية على المواطن السوري الذي يُحاول أن يتخطى هذه الكارثة بالنزوح داخل سوريا أو إلى بلدان مجاورة أو بعيدة.
وتضرر الاقتصاد السوري أيضاً بشكل كبير، حيث إن الناتج المحلي الإجمالي السوري انهار منذ 2011 مع انكماش 25% في 2012 إلى 2013. وفي 2014، سجل الاقتصاد السوري ركوداً مع بدء تغيّر المعادلات العسكرية على الأرض ليُعاود في 2015 انكماشه بنسبة 10%. وفي 2016، سيطر الركود على الاقتصاد، وكذلك سيكون الحال في 2017، بحسب التوقعات.
تكلفة إعادة الإعمار
وفي نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي، كشف المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أن تكلفة "إعادة إعمار سوريا"، ستبلغ 250 مليار دولار على أقل تقدير.
وتتفاوت التقديرات بين الخبراء الاقتصاديين والمسؤولين السوريين الرسميين بشأن فاتورة إعادة إعمار سوريا، لكن غالبية التقديرات تشير إلى أرقام مرتفعة بسبب الضرر الكبير الذي لحق بالبنى التحتية.
وكان مركز دمشق للأبحاث والدراسات "مداد"، وضع دراسة بشأن إعادة إعمار سوريا نشرها في أكتوبر(تشرين الأول) 2017، قال فيها إن "تكلفة إعادة الإعمار تبلغ بحسب تقديرات الحكومة السورية 195 مليار دولار".
وقدر المركز في ورقة سياسات بعنوان "تمويل إعادة الإعمار.. الاحتياجات والمصادر المحتملة"، جمع مبلغ يتراوح ما بين 74 و113 مليار دولار، وهو ما يغطي نحو 38 -58% من تكلفة إعادة الإعمار، استناداً للتقديرات الحكومية البالغة 195 مليار دولار.
وفي حال الاعتماد على التقديرات غير الحكومية التي تصل إلى 250 مليار دولار وسطياً، تنخفض هذه النسبة لتصبح بين 30 و45% من تكلفة إعادة الإعمار.
أما ما يخص مصادر التمويل، فقالت الدراسة إن "إعادة الإعمار يمكن أن تمول عبر موارد داخلية كالإيرادات الحكومية، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، ومصادر تمويل خارجية كالقروض والمنح والمساعدات.
الدول المشاركة
وتشير التوقعات اليوم، إلى أن الأطراف الأوروبية والخليجية هي من سيقوم بتمويل ملف إعادة الإعمار، إضافةً إلى البنك وصندوق النقد الدوليين، ودور كبير متوقع للشركات الصينية. لكن كل هؤلاء يرفضون البدء الآن، حيث لا تسويات واضحة التفاصيل تدلّل على نهاية الحرب في سوريا، وبالتالي تحقق الظروف الملائمة لدخول الشركات الأجنبية، رغم سعي النظام وداعميه، روسيا وإيران، إلى الإيهام بغير ذلك.
وأثار احتمال عقد صفقات إعادة إعمار مربحة شهية الحكومات والشركات الساعية إلى تحقيق الأرباح من دمار سوريا. أما المستفيد الأكبر من التهافت على إعادة إعمار سوريا، فهما أقرب حليفين لسوريا أي روسيا وإيران، دون نسيان الصين أيضاً، بحسب خبراء.
ورغم أن الحرب في سوريا لم تنته بعد، فإن الحديث عن ملف إعادة إعمار البلاد أصبح موضوعاً رئيسياً لدى لحكومة السورية.
وبالتوازي مع خط نظام الأسد وروسيا في الترويج السياسي لفكرة إعادة الإعمار، تواصلت خطوات إجرائية لتسويق الفكرة عبر إقامة ندوات ومؤتمرات لمناقشة الفكرة والبحث في احتمالاتها ومجالات الإعمار ومتطلباته، شاركت فيها دول ومؤسسات وشخصيات مقربة من نظام الأسد، برز منها لبنان وإيران، والتي كانت بين جهات شاركت رسمياً أو عبر شركات في معارض نظمتها دمشق خصصت لإعادة الإعمار، وفي دورة 2017 لمعرض دمشق الدولي الذي كانت دوراته قد توقفت منذ 2011.
حرب جديدة
وتحدثت تقارير دولية عن "حرب جديدة" قد تندلع في سوريا، بسبب مشاريع وخطط الإعمار التي أطلقها النظام السوري.
وقال محللون سياسيون إن "النظام السوري يعيد إنتاج نفس الأسباب التي دفعت السوريين للانتفاضة عام 2011، وتضمنت غياب الديمقراطية وغياب العدالة الاجتماعية، ونتجت عن مشاكل اجتماعية واقتصادية".
وأكد المحللون، أن "خطط إعادة بناء دمشق وحمص وحلب على يد مؤيدي النظام، هي تكريس للطائفية، وزرع لبذور حرب أهلية أخرى".
ووفقاً للحكومة السورية، الأشغال جارية بالفعل، حيث بث الإعلام التابع للحكومة صورا للمشاريع التي تزعم الحكومة بالرغبة في بنائها في حي بساتين الرازي، وتضمنت حدائق وعمارات شاهقة ومركزا للتسوق تحت الأرض.
ترويج "لانتصار النظام"
وكان حي بساتين الرازي قد أغلق بمرسوم رئاسي عام 2012، حيث هاجمته جرافات النظام السوري، لأن أشجاره كانت تأوي عناصر من المعارضة السورية، حسب الحكومة السورية.
وأجبر سكان الحي الدمشقي وقتها على النزوح داخل سوريا، أو الفرار إلى خارجها.
ويبقى الحديث عن إعادة الإعمار بعيداً عن الواقع، في ظل الظروف الراهنة، وهو كما يرى الكاتب والصحافي فايز سارة، "كلام سياسي يصب في أهداف، تؤكد أن القضية السورية وصلت إلى نهاياتها، وأن نظام الأسد انتصر وحقق أهدافه في إعادة السيطرة على البلاد، وأنه هزم قوى "التطرف والإرهاب".
