دراسة مشتركة لوايل كورنيل والسدرة حول الطب الشخصي للقطريين

توصّل باحثون من وايل كورنيل للطب - قطر، جنباً إلى جنب مع نظراء لهم من مركز سدرة للطب ووايل كورنيل للطب - نيويورك، إلى اكتشافات جديدة مهمة بشأن الاختلافات الجينية التي تؤثر في عملية الأيض (الاستقلاب) عند الإنسان، وهو ما من شأنه أن يسهم في نهاية المطاف في تشخيص الأمراض وعلاجها بمزيد من الدقة والفعالية.
ففي إطار دراسة مطوّلة، قام الباحثون بتحليل المادة الجينية وعملية الاستقلاب عند ألف من المواطنين القطريين بُغية تحديد الصلات القائمة بين الاختلافات الجينية وعملية الأيض. وسبق أن أُجريت بحوث مماثلة على سكان أوروبيين، لكن هذه هي المرة الأولى التي تُجرى مثل هذه الدراسة الموسّعة على عينة من السكان العرب.
وتسلّط الدراسة المنشورة في الدورية العلمية البارزة Nature Communications على دور الفروقات الجينية بين الأفراد وقدرتهم على استقلاب جزيئات معينة من الأطعمة. وربما يفسّر بعض هذه الفروقات الجينية، التفاوت بين فرد وآخر في خطر الإصابة باضطرابات أيضية معينة، مثل داء السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية.
وأنشأت الدراسة موارد بيانات مُحكمة ستسهم في تشخيص الأمراض الوراثية بين المواطنين القطريين وسائر السكان العرب، مثلما يمكن للأطباء الاستعانة بها لتحديد أهداف الطب الشخصي بالدقة المتوخاة وبما يتناسب مع السمات الجينية والأيضية لكل فرد.
وللدراسة المنشورة بعنوان "التحليل الكامل لتسلسل الإكسوم يحدّد المواقع المسؤولة عن السمات الكمية الأيضية المتفاوتة، الشائعة والنادرة، بين سكان دولة في الشرق الأوسط" مؤلفان رئيسيان هما الدكتورة نهى يسري أستاذ مساعد في بحوث الطب الجيني في وايل كورنيل للطب - قطر، والدكتور خالد فخرو مدير علم الوراثة البشرية في مركز سدرة للطب وأستاذ مساعد في بحوث الطب الجيني في وايل كورنيل للطب - قطر.
وقالت الدكتورة يسري: "هذه الدراسة المسمّاة دراسة الروابط الاستقلابية على نطاق الجينوم سبق أن أُجريت بين سكان قوقازيين، غير أنها لم تُجر من قبل على سكان شرق أوسطيين. لذا ارتأينا إجراء دراسة مماثلة للقطريين لفهم دور وتأثير الاختلافات أو الفروقات الجينية في مستويات المستقلبات في حالة الصحة وحالة المرض. وسهّلت تقنية مطوّرة تُعرف باسم التحليل الكامل لتسلسل الإكسوم دراسة تأثير المتغيرات الوظيفية، لا سيما ما يتعلق بتنظيم المسارات الاستقلابية".
وأضافت قائلة: "هذه الدراسة هي الأولى التي تُجرى على سكان شرق أوسطيين، وستعود بالفائدة على المنطقة برمتها. وقد تتيح لنا نتائج هذه الدراسة يوماً ما التنبؤ باحتمال إصابة فرد معين بمرض ما، وقد تقود نحو طب شخصي أكثر دقة وفعالية. وتمهّد الدراسة أيضاً لجهود بحثية مشتركة بالتعاون مع نخبة من أهمّ المؤسسات الطبية والبحثية في قطر لإدماج بيانات بيولوجية أخرى مثل التخلقات الجينومية وغيرها بالمتغيرات الجينية، وهو ما يعزز الخيارات العلاجية لسكان بلدان المنطقة كافة".
استعان الباحثون بتقنية تُعرف باسم "تحليل التسلسل الكامل للإكسوم"، والإكسوم هو ذلك الجزء من الجينوم الذي يضمّ كافة الجينات المشفّرة للبروتين. ثم استخدم الباحثون تقنية فائقة الدقة لتحديد السمات الأيضية بُغية رسم خريطة مسحية للعمليات الأيضية عند كل فرد. وتم تحليل ما مجموعه 1.303 مستقلبة أو متأيضة. ومن ثم تمت مقارنة مجموعتين من البيانات باستخدام حواسيب فائقة الأداء لرصد الصلة أو الرابطة بين الاضطرابات الأيضية والفروقات الجينية ضمن مواقع محددة على الكروموسوم. وفي المجمل، اكتشفت الدراسة 21 موقعاً جينياً شائعاً و12 موقعاً نادراً، وشكلت المواقع المكتشفة 45%، من المفترض أن تكون مقتصرة على القطريين.
وهذه الدراسة هي الأحدث ضمن سلسلة من المشاريع البحثية التي تنصبّ على جينوم المواطنين القطريين وتقودها وايل كورنيل للطب - قطر ووايل كورنيل للطب - نيويورك. وكانت دراسة سابقة قد حقّقت السبق في تدوين كمية ضخمة من البيانات الجينية لعينة واسعة من المواطنين القطريين ومن ثم إرساء "جينومية مرجعية" تمثل مورداً أساسياً لفهم طبيعة الأمراض بين سكان معينين وأساساً للطب الشخصي.
وفي هذا السياق، قال الدكتور فخرو: "خلاصة هذه الدراسة أن علم الوراثة ربما لا يعطينا بمفرده صورة كاملة عن صحة الإنسان ومرضه، لذا فإن لتحليل الجوانب الأيضية أهمية بالغة في سدّ الثغرات القائمة. ووضعنا من خلال هذه الدراسة خريطة أولية لما يمكن وصفه بـ"اللمحة الأيضية الصحية العامة للمواطنين القطريين"، ويمكن أن تمثّل هذه الدراسة منطلقاً لدراسات مستقبلية لأغراض المقارنة بـ"الحالة المرضيّة" لهم".
وأضاف الدكتور فخرو قائلاً: "واستحداث هذه اللمحة العامة لألف من المواطنين القطريين ما هو إلا متابعة لجهودنا البحثية السابقة لدراسة الجينومات القطرية وإجراء تحليل موسّع لسكان قطر. وهدفنا أن نسهم بهذه الاكتشافات في إثراء بحوث الطب الحيوي في قطر، ونأمل أن تشكّل معاً أساساً متيناً يستند إليه الطب الدقيق في قطر، حيث يتسق ذلك مع فلسفة مركز سدرة للطب الرامية إلى تقديم الرعاية الصحية الشخصية للنساء والأطفال واليافعين في قطر".
ومن أبرز المساهمين الآخرين في الدراسة، الدكتور كارستن زوري أستاذ الفسيولوجيا والفيزياء الحيوية ومدير مختبر المعلوماتية الحيوية في وايل كورنيل للطب - قطر وأحد الباحثين المعروفين في مجال علم الأيض، والدكتور رونالد كريستال أستاذ ورئيس قسم الطب الجيني في وايل كورنيل للطب - نيويورك وأحد خبراء الطب الجيني المعروفين في العالم. وقال الدكتور زوري: "نحن سعداء بتوحيد علمين مهمين هما علم الجينوم وعلم الأيض في دراسة واحدة. فدراسة الرابطة بين الجينات والأيض تجعلنا نفهم طبيعة الأمراض بطريقة أشمل بكثير".
أما الدكتور كريستال فقال: "ثمة دراسات سابقة مماثلة لهذه الدراسة غير أنها اقتصرت على سكان قوقازيين. وفي حين أن المواطنين القطريين لديهم في الأساس الجينات ذاتها، غير أن التغيرات الجينية المسبّبة للأمراض تختلف عن تلك المعروفة عند المواطنين القوقازيين. وعليهِ، فإن هذه الدراسة لن تسهم في تحقيق تقدّم ملموس في الطب الشخصي بمنطقة الشرق الأوسط فحسب، بل ستعمّق فهمنا لتأثير التنوعات الجينية في الأمراض الوراثية".
أُجريت هذه الدراسة بدعم من برنامج بحوث الطب الحيوي في وايل كورنيل للطب - قطر بتمويل من مؤسسة قطر، كما حظيت الدراسة بدعم من الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي من خلال المنحتين 09-740-3-192 و 09-741-3-793، وكذلك جزيئاً من خلال المنحة 7-272-1-041.
خلفية عامة
وايل كورنيل للطب - قطر
تأسست وايل كورنيل للطب - قطر من خلال شراكة قائمة بين جامعة كورنيل ومؤسسة قطر، وتقدم برنامجاً تعليمياً متكاملاً مدته ست سنوات يحصل من بعدها الطالب على شهادة دكتور من جامعة كورنيل. يتمّ التدريس من قبل هيئة تدريسية تابعة لجامعة كورنيل ومن بينهم أطباء معتمدين من قبل كورنيل في كل من مؤسسة حمد الطبية، مستشفى سبيتار لجراحة العظام والطب الرياضي، مؤسسة الرعاية الصحية، مركز الأم والجنين وسدرة للطب. تسعى وايل كورنيل للطب - قطر إلى بناء الأسس المتينة والمستدامة في بحوث الطب الحيوي وذلك من خلال البحوث التي تقوم بها على صعيد العلوم الأساسية والبحوث الإكلينيكية. كذلك تسعى إلى تأمين أرفع مستوى من التعليم الطبي لطلابها، بهدف تحسين وتعزيز مستوى الرعاية الصحية للأجيال المقبلة وتقديم أرقى خدمات الرعاية الصحية للمواطنين للقطريين وللمقيمين في قطر على حدّ سواء.