مظاهرات مصر: تصنع أحزابا وتنقذ أخرى من الغرق

تاريخ النشر: 06 فبراير 2011 - 08:18 GMT
الاحزاب بدأت تعيد النظر في تقديراتها
الاحزاب بدأت تعيد النظر في تقديراتها

سوف تظل أحداث 25 يناير الماضى وماتلاه من تطورات وأحداث ، علامة فارقة فى الحياة السياسية المصرية ، على مستويات مختلفة. ربما يكون أكثرها حيوية إعادة الاعتبار للقوى الحزبية والسياسية ، التى عانت طوال السنوات الماضية عجزا لافتا. بعضه يعود إلى تقاعس وكسل داخل هياكلها التنظيمية. والبعض الآخر يرجع إلى الدور السلبى الذى تسببت فيه تصرفات الحكومة حيال عدد كبير من النخب والأحزاب، حيث بدا المشهد وكأن هناك تخريباً متعمداً لها. حتى وصلنا فى النهاية إلى مايشبه الانسداد. وعلى الرغم من وجود أكثر من عشرين حزباً سياسياً فى مصر ، إلا أن الحياة الحزبية كانت مليئة بالعقبات والمطبات التى حالت دون حدوث تطور سياسى طبيعى ، يوحى بشئ من العافية السياسية.

سواء استوعبت الأحزاب الحقيقية أو الورقية دروس المظاهرات المصرية أم لا ، فإن هناك تحولاً فعلياً حدث فى مصر ، سوف تكون له تداعيات مختلفة. لذلك بدأت أحزاب كثيرة تعيد النظر فى تقديراتها السياسية ،رغبة فى إعادة ترتيب أوراقها، وأملاً فى أن تكون رقماً مهماً فى الخريطة الحزبية ، التى لاتزال معالمها وملامحها غير واضحة المعالم بصورة نهائية.

الواضح ان الحزب الوطنى استوعب الدرس مبكراً وأجرى تعديلات كبيرة داخل هياكله التنظيمية ، لأنه يدرك أن المنافسة سوف تكون حامية الوطيس، فى ظل ثلاثة عوامل. الأول تصاعد حجم الإخفاقات التى واجهها الحزب خلال الأيام الماضية ، جراء الفشل الذريع فى قراءة الأحداث والتطورات المتلاحقة ، وصعوبة التعامل مع إفرازاتها.لذلك أقدم على خطوة "جبارة" فى المواجهة والمحاسبة الداخلية. وقام بأكبر عملية تغييرات فى بنيته السياسية منذ تأسيسه قبل أكثر من ثلاثين عاماً.

والعامل الثانى ، نشاط الأحزاب التقليدية (الوفد والتجمع والناصرى) للتعامل مع نتائج المظاهرات ومحاولة التكيف مع الواقع الجديد ، لإثبات أنها أحزاب حقيقية ، لها وجود فى الشارع ، وبإمكانها الدخول فى أى منافسة حزبية ، لاسيما أن شروط المنافسة السياسية سوف تدخل عليها تغيرات ، تعطى الفرصة للجميع للسباق الشفاف والنزيه.

والعامل الثالث ، ظهور قوى سياسية جديدة على الساحة المصرية. فمن المؤكد أن الشباب الذى قاد المظاهرات سوف يكون له وجودا سياسيا ، سواء من خلال الإنضمام لأحزاب راهنة أو تشكيل أحزاب جديدة تتواءم مع مطالبهم وتلبى طموحاتهم. وفى الحالتين من المتوقع أن تزداد المنافسة الإنتخابية شراسة ، وسيكون الصعود السياسى على أسس وقواعد نزيهة هو الفيصل بين القوى المختلفة.

لقد تحركت المظاهرات الكثير من المياه الراكدة فى الحياة الحزبية ، التى ظلت لفترة طويلة غير قادرة على الجريان فى النهر السياسى ، الذى كان يمسك بضفتيه الحزب الوطنى ، بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال تصرفات وأساليب متنوعة.بعضها يقوم على توزيع الحصص والمقاعد على الأحزاب ، والآخر يتم عبر تفتيت القوى المنافسة وإضعافها من الداخل ، فيتم استقطاب هذا أو استبعاد ذاك. وهذه اللعبة ساهمت بدور كبير فى عدم التطور السياسى. وأدت إلى قيام كثيرين بالبحث عن قنوات موازية ،افتراضية وحقيقية ، أفضت حصيلتها إلى انفجار بركان سياسى ، لايدرى أشطر المحللين إلى أين ستتجه حممه وفى أى اتجاه سوف تتحرك شرارتته؟.

الظاهر أيضا أن جماعة " الإخوان المسلمين" سيكون لها نصيب فى المشاركة السياسية خلال الفترة المقبلة. فقد كسرت المظاهرات قيود كثيرة وفتحت بابا جديدا للتعامل مع بعض القوى المحظورة ومحاولة اشراكها فى الحوار الوطنى كجزء من النسيج السياسى فى مصر. وهو ما يعنى أن الإخوان لم يعد أمامه المزيد من الوقت أو الترف السياسى للاستمرار فى الابتعاد والاكتفاء بالمشاركة وفقا لأطر غير حزبية. عموما أدت المظاهرات إلى طرح صيغة جديدة أو أكثر لتتحول الجماعة إلى فصيل سياسي يعمل ضمن منظومة حزبية محددة، بدلا من المشاركة بأدوات دينية تبعدها عن المحاسبة السياسية والقانونية. كما أن التطورات الأخيرة سوف تجعل الإخوان رقما فى الساحة المصرية وفى أى انتخابات برلمانية، بما يفرض على منافسيها اتخاذ إجراءات وقائية تضمن لهم مكانة سياسية متقدمة. فأى انتخابات فى الوقت الراهن سوف تجنى منها الجماعة جملة من الثمار السياسية، لأن التصويت قد يأخذ شكلا احاجاجيا يصب فى صالحها، على حساب الحزب الوطنى. من هنا يمكن القول أن مظاهرات الشباب قد تصنع أحزابا وتنقذ أخرى من الغرق السياسى.

الواقع أن التغييرات الكبيرة التى أدخلها الحزب الوطنى تبدو مفتوحة على اتجاهين.الأول ، إعادة الاعتبار للحزب مرة أخرى ، بعد الهزة التى أصابته بسبب المظاهرات الأخيرة ، والتى أدت إلى اتهام عدد من قياداته بالتآمر على المتظاهرين فى ميدان التحرير. وفى هذه الحالة يتمكن من الحفاظ على مكاسبه التى حققها طوال السنوات الماضية.والآخر، اخفاق الإصلاحات الجديدة فى تلبية طموحات أعضاء الحزب المخلصين والدخول فى دوامة من تصفية الحسابات الداخلية. وبالتالى التفتت والتشظى إلى كيانات صغيرة، قد يأكل بعضها بعضا.

المصدر- بوابة الاهرام

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن