خبر عاجل

الثورة المصرية تتحول إلى طقس احتفالي مع بقاء مبارك

تاريخ النشر: 06 فبراير 2011 - 11:32 GMT
حاول المصريين تحقيق الانجاز في فترة زمنية اقل من تلك التي استغرقها تحقيقه في تونس
حاول المصريين تحقيق الانجاز في فترة زمنية اقل من تلك التي استغرقها تحقيقه في تونس

البوابة-خاص

شيئا فشيئا تنطفئ حرارة الثورة المصرية لتتحول إلى طقس احتفالي مسرحه ميدان التحرير، يحضره المعتصمون وفقا لمواعيد محددة، في محاولة منهم لحفظ "ماء الوجه" والتذكير بوجودهم بعد أن عجزوا عن تحقيق مطلبهم الوحيد الذي خرجوا من اجله في 25 يناير وهو "إسقاط الرئيس".

المتتبع للثورة المصرية يلحظ بدايتها المتحمسة والمتفائلة بسرعة الاستجابة لمطالبها، فالثورة وضع سيناريوهات انتقال السلطة قبل أن يخرج الرئيس المصري في خطابة الأول الذي توقع المطالبون برحيله بأنه سيكون "خطاب الوداع"، لاسيما وان الخطاب سبقه خبرا على لسان رئيس مجلس الشعب عن وجود بيان هام للشعب، ما جعل الغالبية تعتقد أن رئيس مجلس ألامه هو من سيذيع البيان.

خبر البيان الهام جعل الانتظار سيد الموقف، وأصبح التفكير ينصب على من سيستلم السلطة، لكن المفاجئة أن خرج الرئيس المصري حسني مبارك بكامل تماسكه وعنده المعروف ليعلن بقائه في السلطة مع إجراء بعض الإصلاحات السياسية، تمثلت في حل الحكومة وتعين عمر سليمان نائبا له، وتعهده بعد الترشح لدورة انتخابية جديدة وعدم توريث السلطة.

خطاب قدم فيه الرئيس المصري الحد الأعلى للتنازلات التي ما زال متوقفا عندها، والتي لم تتناسب والحد الأدنى لمطالبات التي عجز عن الوصول إليها المعتصمون.

فشل التفاوض المعلن وتحول إلى صراع إرادة بين الرئيس والمتظاهرين ادخل المتفاوضين مرحلة "العند"، عند من قبل المتظاهرين على تحقيق مطلبهم من خلال تأجيج الثورة، وعند الرئيس على البقاء والذي نقل عنه قوله " أنا عندي دكتورة في العند".

مرحلة العض على الأصابع هي ما دخلته الثورة المصرية، متظاهرون حشدوا الملايين في أيام الجمع التي تطورت ألقابها مع تطور مطالبهم فكانت "جمعة الغضب" و"جمعة الرحيل" الذي لم يتحقق، ونظام اغرق البلد في فوضى منظمة من خلال سحب قوات الأمن، وإطلاق يد "البلطجية" للقيام بالمهمة "القذرة" بالاشتباك مع معارضي الرئيس تحت مسمى مؤيديه.

النظام وضع الشعب المصري بين خيار الأمن الذي سيفضى إلى إصلاح مرحلي بعد نهاية الفترة الرئاسية، وفوضى التغير المفاجئ الذي سيسلم البلاد إلى البلطجية والإخوان المسلمين، كما وضع النظام الشعب في ظروف اقتصادية صعبة نظرا لان الثورة المصرية انطلقت مع نهاية شهر وبداية شهر جديد ما حال وصرف رواتب الموظفين بعد توقف العمل في مؤسسات الدولة والبنوك.

كما عمد النظام إلى تشتيت حالة الغضب التي اختصرت في البداية بشخص الرئيس، لتشمل آخرين قدمهم النظام على مراحل قربا لتهدئة الشارع بداية بـ احمد عز الذي أقيل من منصب أمين للتنظيم في الحزب الوطني وقيل انه استقال، ومنعه مع مجموعة من الوزراء من السفر والحجز على أموالهم، ونهاية بإقالة صفوت الشريف الأمين العام للحزب الوطني ، وجمال مبارك الأمين العام المساعد وأمين السياسات في الحزب.

وان نظر البعض إلى ما قام به النظام تنازلات إضافية فانه لا يتعدى كونه بادرة حسن نية للتأكيد على جديدة التنازلات التي قدمها مبارك في خطابه الأول، وأعادها في خطابة الثاني والذي خير فيه الناس بين الفوضى والأمن.

رأس ورؤوس متعددة

رغم أن أهمية الثورة المصرية تتمثل في حركتها العفوية التي جاءت نتيجة للدعوات الشبابية عبر مواقع التواصل الاجتماعي دون دور للأحزاب والقوى الوطنية، فان استمرارها على هذه الحال مثل نقطة ضعف خاصة بعد التحاق الأحزاب بها ومحاولة بعض القوى استغلالها لتنفيذ أجندات خاصة.

الضعف يتبدى في غياب الرأس المعبر عن الثورة مع تنامي رؤوس كثيرة تتكلم باسمها،  يحاول كلا منها الأخذ بزمام الأمور دون إنكار للدور الشاب الذي أضحى هلاميا مع مواصله الحديث عنه بصيغة الغائب.

غائبا في التفاوض والخطاب السياسي حاضرا في ميدان التحرير.

وأمام الرؤوس المتعددة حافظ النظام المصري على رأس واحدة ممثلة في الرئيس مبارك رغم الحديث الذي تناقلته وسائل الإعلام عن تهميشه من صناعة القرار وإيكال مهامه بشكل غير معلن إلى نائبة عمر سليمان الذي حمل على عاتقه مهمة الحوار مع المعارضة.  

المفاوض المصري كما النظام لم يخفي تأيده لحركة 25 يناير، ليتساوى بذلك مع المعارضة في الخطاب المعلن، ومع انطلاق الحوار الذي وافقت عليه جميع القوى المصرية بدا النظام يسجل نقاط لصالحه على حساب الخلافات التي ظهرت في صفوف الثورة حول الحوار وشرعيته وأهدافه النهائية.

الاستنساخ الخاطئ للياسمين التونسي

أطلق اسم الياسمين على الثورة التونسية التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي إعلاميا من قبل صحفي فرنسي، الاسم الذي يرفضه التونسيون ويصرون على تسميتها بثورة الرجال، وفي استلهام الثورة المصرية ضد حسني مبارك للثورة التونسية ضد زين العابدين فان عملية الاستنساخ المصري لما قام به التونسيون شابه بعض الخلل.

المصرين سارعوا إلى إطلاق اسم اللوتس على ثورتهم وشوهد المعتصمون يلوحون بأزهار اللوتس في ميدان التحرير للدلالة على سلمية الثورة وحضاريتها.

وهنا تثور جملة من الأسئلة:

هل استطاع اللوتس مواجهة هراوات الأمن المركزي؟

هل صد اللوتس الرصاص والقنابل المسيلة للدموع ؟

هل أوقف اللوتس هجمات البلطجية؟

لقد حاول المصريين تحقيق الانجاز في فترة زمنية اقل من تلك التي استغرقها تحقيقه في تونس، وكانت صرخة احد المتظاهرين قبل الخطاب الأول للرئيس المصري - بعد ما يقرب من أربعة أيام على الثورة – "تونس روحته بشهر ومصر روحته بأربعة أيام"، إشارة واضحة إلى ذلك.

غير أن الثورة المصرية لم تدرك آو امتنعت عن إدراك الظروف الموضوعية للثورة التونسية التي جاءت انفجارا مفاجئا لشعب مورست عليه الضغوط لعشرات السنوات، فانطلق بعنف متفاجأ من بنفسه ومفاجأ النظام.

في حين أن الشعب المصري على مدار سنوات الماضية خرج مرارا للشارع وثار مرات عدة، ضد الفقر والجوع والبطالة، لهذا كان عليه في ثورة إسقاط النظام أن يقدم شكلا مختلفا في الشارع عما قدمه سابقا.   

مبارك باقي وكذلك المعارضة

مع تراجع خطاب الثورة التي بدأت بالغضب وتطورت إلى الرحيل لتنتهي بالصمود في ميدان التحرير، ومع عودة المؤسسات المصرية للعمل بعد توقف تجاوز الأسبوع، ومع بقاء النظام برأس واحدة وتعدد رؤوس المعارضة بات جليا أن النظام المصري أدارة الأزمة بنجاح.

ليواصل الرئيس العنيد بقائه في السلطة إلى حين انتهاء فترته الرئاسية طبقا للخطاب الرسمي، ويواصل المعتصمون في ميدان التحرير صمودهم الذي سيحول إلى طقس احتفالي يذهب إليه معارضو الرئيس بعد العودة من إعمالهم، لتبادل الحديث والسهر قبل العودة إلى بيوتهم.

وفي المشهد غير البعيد صورة لخيم المعارضة اللبنانية التي نصبت في ساحة رياض الصلح والشهداء للمطالبة برحيل حكومة السنيورة في العام 2006، والذي تحول إلى جهة سياحية في لبنان ودليلا على الحرية السياسية، قبل أن ينفض بعد ما يقرب العام وتبقى حكومة السنيورة.

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن