ندوة التراث الشعبي العربي.. حول المثل الشعبي العربي

تاريخ النشر: 22 مارس 2005 - 12:50 GMT

تطرح الأمثال الشعبية أهميتها بوصفها أبرز عناصر الثقافة الشعبية، فهي مرآة لطبيعة الناس ومعتقداتهم، تتغلغل في معظم جوانب حياتهم الإنسانية، عاكسة تجاربهم ومواقفهم الحياتية المختلفة، بل وتتجاوز ذلك أحياناً لتقدم لهم نموذجاً يُقتدى به في المواقف المختلفة، على نحو تساهم من خلاله في تشكيل أنمـاط اتجاهاتهم وقيمهم في المجتمع. الأمر الذي جعلها محوراً أساسياً لاهتمام كبير من قبل العلماء والباحثين والأنثروبولوجيين المعنيين بدراسة الثقافة الشعبية، وأهّلها لتحظى بمحور رئيس من محاور ندوة التراث الشعبي العربي: وحدة الأصل والهدف التي أقامها المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية في وزارة التعليم العالي في مبنى وزارة التعليم العالي ـ قاعة الباسل للمؤتمرات في الفترة الواقعة بين 14 ـ 16/3/2005، بمشاركة باحثين وأدباء من مصر والسودان وليبيا والجزائر وتونس والمغرب والسعودية والإمارات وسلطنة عمان والعراق والأردن ولبنان وسورية حسب صحيفة تشرين ، فتناول الدكتور نوفل نوفل من سورية في مداخلته (الأمثال الشعبية ودورها في تغيير القيم في المجتمع) دور الأمثال الشعبية في تغيير القيم في مجتمعنا العربي، وتطرق إلى دور كل من الأسرة والمؤسسات الاجتماعية المختلفة في عملية تغيير القيم أيضاً. فبين بداية مفهوم الأمثال الشعبية ونشأتها، فهي ليست وليدة ساعتها، ولكل مثل منها حكاية يشكل أنموذجاً يحتذى به إن كان بالسير اقتداء، أو بالابتعاد تحاشياً وتجنباً. وهي مفهوم قديم موغل في القدم، استنطبت نتيجة تجارب وخبرات عميقة لأجيال ماضية، فتناقلها الناس، فعملت على توحيد الوجدان والطباع والعادات والمثل العليا، ولذلك_ يقول الدكتور نوفل_ تعد الأمثال الشعبية حكمة الشعوب وينبوعها الذي لا ينضب عندما نسعى جادين في استخلاص الأمثال ذات الحكم والنصائح الايجابية التي تقوم بدور بناء وفعال في دفع عجلة المجتمع إلى الأمام باتجاه التطور والبناء، لذلك تعد الأمثال الشعبية وثيقة تاريخية، واجتماعية).

أما فيما يتعلق بنشوء الأمثال فأكد الدكتور نوفل أنه يمكننا القول إنها كانت عبر مصدرين اثنين: ‏

الأول: الإنسان العادي الذي كان كلامه يعكس تفكيره الواقعي، كقوله: (لسانك حصانك إن صنته صانك). ‏

الثاني: الإنسان المفكر، الفيلسوف الذي حاول تعليل الظواهر وشرحها وتفسيرها، وهو ما نجده في الكتب السماوية وكتب الآداب .. ‏

وعليه يمكن إجمال مصادر الأمثال فيما يلي: ‏

1 ـ الكثرة الساحقة من الأمثال العامية تقرير حقائق أو سر حقائق مثل (عيش كتير تشوف وتسمع كتير ). ‏

2 ـ كثير من هذه الأمثال مبني حول قصة واقعية أو حادثة معروفة في التاريخ كالمثل (اليوم خمر وغداً أمر). وهذا مثل لامرئ القيس. ‏

3 ـ هناك أمثال كثيرة كما قيل بنيت على خرافة أو أسطورة أو حكاية من حكايا العامة. كقولهم: (تمخض الجبل فولد فأراً). ‏

ثم صنف الدكتور نوفل الأمثال وفقاً للغة التي وصلت إلينا بها (فصحى أو عامية) ووفقاً للغرض الذي قيلت من أجله (علمي، ديني، سياسي، اجتماعي، اقتصادي...) ‏

وانتقل دكتور نوفل للحديث عن دور الأمثال الشعبية بعملية تعزيز وغرز القيم المجتمعية، وعلى من يقع في المرتبة الأولى عاتق تغيير هذا، مؤكداً أن مضامين هذه الأمثال تشكل قيما وأخلاقيات وضوابط اجتماعية تدفع بأفراد المجتمع لاتباعها لأن فيها الحكمة والنجاة والربح، وهي أحد وأعظم الأساليب التربوية المتبعة في التعليم والتعلم على حد سواء. ‏

وفي السياق التربوي ذاته للأمثال تحدث الدكتور رشراش عبد الخالق من الجامعة اللبنانية في مداخلته المعنونة بـ(جدلية الأمثال وتربية الأجيال) مستعرضاً منهج البحث الذي اعتمده في تقصي هذه الأمثال وتبيان دورها الهام في تشكيل رؤية تربوية تأخذ مكانها في منهج حياتي يتبعه الناس. ‏

الأديب محمد سلام جميعان من رابطة الكتاب الأردنيين تناول في مداخلته (صورة المرأة في المثل الشعبي _ نظرة سسيولوجية)، ‏

مستعرضا العلاقات التي ترسم بمجموعها صورة المرأة في الوجدان الشعبي والتي تتخذ فيه تفسيراً متناقضاً لها، فيعلو بإمكاناتها حيناً ويسف بأحلامها إلى صورة الشوائب والمكبوتات حيناً آخر، ويرى الأستاذ جميعان أن هذه الصورة لم تكن وليدة نظام فكري وسلوكي فحسب، ولم تكن الرؤية الحضارية للمستقبل هي العامل المباشر في صنعها، بل هي صورة نسجها أكثر من طرف، ساهم فيها علماء الأجناس، والعرافون وعلماء اللاهوت وساهمت المرأة نفسها فيها. واللافت أن صورة المرأة هذه لا يؤمن بها عامّة الناس فحسب ، بل يركن إليها كثير من العارفين والمثقفين حين تقتضي الضرورة أن ينفصلوا عن وعيهم. وهي صورة بقيت مهيمنة رغم أن التشريعات والقوانين ، والواقع الجديد الذي صارت إليه المرأة قد اتسمت جميعها بالتطور والوعي. ‏

ولفت الأستاذ جميعان إلى أن الأمثال الشعبية العربية التي توجهت بخطابها نحو المرأة ، تلتقي في المعنى والمبنى، فشـروط المجتمع العربي وبناه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والجمالية ، قد قاربت بين أدوات التعبير الشعبية، وبخاصة المثل ، لما تعتمد عليه بنية هذا المثل من مفردات يوميّة. ‏

 لقد وضع المثل الشعبي المرأة ضمن دائرة الاستلاب ـ كما يقول الأستاذ جميعان_ استلاب الشرط الاجتماعي ، الذي بدوره سلبها خصائص سلوكية وقيادية . ولأن لعنة المثل الشعبي أقوى من الضعف الأنثوي فإن صورتها في عدم الكفاءة من هذا الوجه سيظل يحول بينها وبين ملكات أخرى. ففيما يتعلق بعقل المرأة فإن استبدادية المجتمعات القهرية تنزع إلى تجريدها من العقلانية بوصف المرأة تابعاً،وأن لها نصيباً موفوراً من التقليدية والتبعية بحكم غريزتها (عتبها على أهلها من قلة عقلها ) و ( المرأة مخلوقة من ضلع أعوج ) وربما من خلال هذا الفهم لجأنا إلى تعزية أنفسنا بإنصافها جمالياً. ولا تختلف هذه الصورة في الأدبيات الشعبية العربيّة ، وتتقارب إلى حدّ بعيد مع ما هو مكنون في الثقافة والأدب العالمي، وهي صورة تأسست على نمط يقوم على السيطرة والتهميش. ‏

‏صورة المرأة في المثل الشعبي أيضاً كانت محور مداخلة الدكتورة سامية علي حسنين من جامعة المنصورة بمصر، رأت فيها أن المرأة كانت محل اهتمام واضح من جانب واضعي الأمثال الشعبية،وإن كانت تتضمن في معظمها إساءة مباشرة وغير مباشرة للمرأة وتكرس لها نظرة دونية متخلفة. وردت الدكتورة سامية ذلك إلى تعدد وتنوع أدوار المرأة ومواقعها الحياتية، فهي الزوجة والأم والابنة والحماة، ولكل أوضاعه، وانعكاساته على نظرة المجتمع له وموقفه منه. وخلصت الدكتورة سامية للسؤال هل عكست صورة المرأة فى المثل الشعبي واقعها الفعلي المعيش أم خالفته؟ وهل كانت منصفه لها أم متجنية عليها؟ ‏

وحول تشابه الأمثال رغم سمة الخصوصية التي تتسم بها بينت الدكتورة سامية في مداخلتها أن هذه الخصوصية لا تحول دون اتسامها بالعمومية. بمعنى أنه كما تختلف الأمثال وتتباين للتعبير عن طابعها المحلي الخاص، نجدها أيضاً تتماثل وتتشابه.ومردود هذا التشابه في جانب كبير منه إلى حقيقة هامة مضمونها أن الأمثال، في كل مكان، هي في جوهرها إنسانية الطابع، إذ تبلور الخبرة البشرية العامة، بحكم أن طبيعة فكر الإنسان هي طبيعة واحدة، كما ينبغي عدم إغفال دور الانتشار الثقافي في هذا الصدد. ‏

وعن حضور الأمثال الشعبية في النتاج الإبداعي العربي تناولت الدكتورة أسماء صابر جاسم من جامعة تكريت في العراق هذا الحضور في الشعر العراقي الحديث في مداخلتها المعنونة بـ(الأمثال الشعبية الموروثة في الشعر العراقي الحديث) استعرضت خلالها طرق ونماذج استلهام المثل الشعبي في بناء القصيدة الحديثة، والأغراض التي استخدمت من أجلها، متناولة في هذا السياق تجارب شعرية لرواد الشعر العراقي الحديث فعرضت لقصائد لكل من الشعراء بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري. ‏

كانت الندوة بالعموم خطوة مميزة اكتسبت خصوصيتها بوصف موضوعها واحداً من حراس الهوية العربية التي نجد أنفسنا اليوم الأحوج لصيانتها في مواجهة عولمة تنشد السيطرة لا التعايش، وإن افتقدنا فيها الحضور الجماهيري على نحو كبير ملحوظ، وهي نقطة لابد من التوقف ملياً عندها. ‏