المهندس المثنى بشير عربيات
ليست طلة القدس مجرد موقع سياحي أو مطعم مميز، بل تجربة متكاملة تُجسّد العلاقة العميقة بين الجغرافيا والهوية، وبين الذوق الرفيع والانتماء الأصيل. إنها وجهة تُخاطب الحواس والعقل معًا، وتُقدَّم كنموذج راقٍ للسياحة الواعية التي تحترم المكان وتستثمر في الإنسان.
تقع طلة القدس في موقع جغرافي استثنائي، يطل على غور الأردن بامتداده الأخّاذ، حيث تنفتح العين على مشهد طبيعي فريد، وتتسلل نسمات البحر الأبيض المتوسط لتمنح المكان روحًا من الصفاء والاتساع. هذا الموقع لا يكتفي بإبهار الزائر بصريًا، بل يمنحه إحساسًا عميقًا بالسكينة والسمو، وكأن المكان صُمم ليكون مساحة للتأمل والهدوء بقدر ما هو مساحة للضيافة.
وعلى مستوى التجربة الذوقية، يبرز مطعم طلة القدس كأحد أبرز عناصر التميز. فهو لا يقدّم الطعام بوصفه وجبة فحسب، بل كقيمة متكاملة تقوم على الجودة، والنكهة الأصيلة، والاعتناء بأدق التفاصيل. تعتمد المكونات على منتجات بلدية منزلية يتم شراؤها مباشرة من سيدات المنازل، في مبادرة واعية تسهم في تمكين المرأة اقتصاديًا، وترفع في الوقت ذاته من جودة الأطعمة المقدمة، لتصل إلى مائدة الزائر بطعم صادق يحمل روح البيت وذاكرة الأرض.
كما تحتضن طلة القدس المبادرات الشبابية، وتفتح أبوابها للأفكار الخلّاقة التي تسعى إلى الترويج للسياحة الوطنية بأسلوب عصري راقٍ، يستند إلى الموروث الشعبي دون أن يُفرغه من قيمته أو يُقدّمه بصورة تقليدية جامدة. هنا، يتحول التراث إلى تجربة حيّة، تُعرض بذوق عالٍ، وتُقدَّم بلغة تحترم الماضي وتخاطب الحاضر بثقة.
إن طلة القدس تمثل نموذجًا متقدمًا للمكان السياحي المسؤول؛ مكان يجمع بين جمال الطبيعة، ورقيّ الخدمة، وعمق الرسالة. هي عنوان للذوق، ومنصة للتمكين، وجسر يصل بين التراث والسياحة الحديثة، لتؤكد أن الاستثمار الحقيقي هو ذاك الذي يُبنى على الإنسان والمكان معًا، ويصنع تجربة لا تُنسى
وفي النهاية؛ يعكس هذا الإبداع في طلة القدس رؤية "المهندس المثنى بشير عربيات"؛ الذي مزج بين شغفه بالسلط، وخصوصًا شارع الستين، وفهمه العميق لهوية المدينة وتاريخها وثقافتها، ليقدّم تجربة تتجاوز حدود الزيارة السياحية، فتتحوّل إلى رحلة حسية ومعرفية غنية تمزج بين جمال الطبيعة ودفء روح الناس، وتؤكد أن الشغف والمعرفة معًا يصنعان تجربة لا تُنسى وتظل خالدة في ذاكرة كل سائح ومقيم في السلط.