النزاعات بين عشائر الأردن تهدد استقرار البلاد

تاريخ النشر: 17 يناير 2011 - 10:18 GMT
تعزيزات امنية في مدينة معان بعد مشاجرة عشائرية/أرشيف
تعزيزات امنية في مدينة معان بعد مشاجرة عشائرية/أرشيف

اندلعت أعمال عنف في بلدة أردنية العام الماضي بعد مقتل شاب في تبادل لاطلاق النار مع الشرطة واشتبك أفراد عشيرته الخريسات وعشائر السلط مع الشرطة فألقوا الحجارة وحطموا ماكينات الصرف الآلي وأحرقوا سيارات الشرطة.

وانتهى الشغب الذي استمر يومين في بلدة السلط عندما وقع زعماء عشيرة الخريسات اتفاقا مع السلطات على "عطوة" أي هدنة في مفهوم العشائر لتهدئة الغضب بين الأطراف المتناحرة في حادث من المفترض أن يتعامل معه نظام العدالة المدني.

وبعد أكثر قليلا من شهر دفع نزاع بين عشيرتين متنافستين على الوظائف الآلاف من مثيري الشغب إلى إضرام النار في مبنى محكمة وتحطيم ممتلكات في مدينة معان الصحراوية وهي معقل جنوبي للعشائر تتحدى منذ فترة طويلة السلطة المركزية.

سببت موجة من الاشتباكات التي انخرطت فيها العشائر القوية بالأردن والعودة للقانون العشائري كبديل لنظام العدالة التابع للدولة زعزعة الاستقرار في الأردن حيث كانت الولاءات العشائرية تدعم منذ عشرات السنين بشكل مستتر الملكية وقوات الأمن في البلاد. يقول بعض الأردنيين إن الحكومة تقبلت طواعية العودة في أنحاء البلاد إلى القانون العرفي الذي يتيح أن تحل العدالة العشائرية محل القوانين المدنية عندما تندلع توترات في المناطق العشائرية.

 وقال سفيان عبيدات وهو محام بارز تلقى تعليمه في جامعة هارفارد الأميركية "من الواضح عندما تتدخل الدولة هكذا تتصرف وكأنها جزء من المنازعات العشائرية بدلا من السعي لإيجاد وسائل بديلة لمحاسبة شرطي أخطأ. ان هذا يقوض القضاء ويحط من شأنه".

وأصبحت الآن شخصيات حكومية بارزة مثل رؤساء وزراء سابقين وضباط كبار بالشرطة ومسؤولين بالبلاط الملكي يؤيدون التسويات العشائرية التي تصدر في بعض الأحيان أحكاما على طرد بعض الأسر أو ما يطلق عليه مصطلح "الجلوة" العشائرية لتجنب انتقام من ابناء العشائر.

وفي الأشهر القليلة الماضية شملت التوترات العشائرية إجلاء جماعي لأسر من خلال الجلوة في مدينة الكرك بجنوب البلاد ومشادات في عدد من الجماعات ونزاعات عشائرية محدودة النطاق في أنحاء البلاد حيث تفرض قوات مكافحة الشغب حظر التجول على أحياء بأكملها. ورغم ان اندلاع العنف العشائري ليس جديدا فإنه أصبح أكثر تكرارا وتجاوز كثيرا الاحتجاجات المؤيدة للعراق أو المناهضة لاسرائيل والتي كانت تسفر عن اشتباكات مع السلطات في الماضي.

ويقول ساسة وزعماء في المجتمع المدني إن النزعة العشائرية أحد أعراض ضعف سيادة القانون والذي يعود إلى ما قبل الفترة التي أصبح فيها الأردن خاضعا للحماية البريطانية قبل نحو قرن.

وقال نضال العضايلة وهو باحث في شؤون الصراعات العشائرية ويعمل في جامعة مؤتة "فى الأردن فإن الانتماء للعشيرة يجيء قبل الانتماء للدولة أو المجتمع الذى تعيش فيه".

وشهد حرم هذه الجامعة شأنها شأن جامعات أردنية أخرى عنفا ذا دوافع عشائرية.

حتى الملك عبد الله الثاني الذي تلقى تعليما غربيا والذي سعى لتحويل المملكة إلى بلد حديث تديره المؤسسات يذعن للضغوط العشائرية من خلال السماح لأعضاء كبار في حكومته بالظهور كممثلين لعشائرهم في عدد من وظائف الدولة.

وقال عبيدات "الحكم بهذه الطريقة يرسل رسائل الى الناس لاتخاذ صفاتهم العشائرية. في أي دولة حديثة فإن تقلد المناصب يجب الا يراعي النسب".

ومضى عبيدات يقول "اليوم نرى احتكاما أكبر للعشيرة فى حل المشاكل الحياتية للناس".

 وتنعكس بعض من أسوأ أشكال التعبير عن الخصومة العشائرية في الجامعات الحكومية بالبلاد حيث يحول طلبة ينحدرون من عشائر بارزة ويتمتعون بميزة الالتحاق المجاني بالجامعات طبقا لحصة معينة الحرم الجامعي إلى مناطق حرب كل لعشيرته.

 وفي جامعة اليرموك قررت هيئة التدريس حظر "الشماغ" الذي يضعه الكثير من الأردنيين رمزا للولاء للعشائر باعتبار أنه يذكي النزعة العشائرية.

وأسفرت مشادة في الشهر الماضي بين عشيرتين رئيسيتين حول انتخابات الطلبة بجامعة الأردن أكبر الجامعات بالبلاد إذ تضم 400 ألف طالب عن دمار وأثارت مطالب بإنهاء سياسة الاسترضاء المتبعة على نطاق واسع في الصراعات العشائرية.

وقال محمد المومني وهو أستاذ للعلوم السياسية بجامعة اليرموك " عمداء شؤون الطلبة ورؤساء الجامعات الذين يعتقدون ان دورهم يتمثل بالوسيط العشائري ويجلبون عددا متساويا من أبناء العائلات المتناحرة ويجلسونهم مقابل بعضهم بعضا لكي يتقاضوا ويتفاهموا هؤلاء هم من أجج مشاكل العنف الجامعي".

ويقول محللون إن النخبة الحاكمة في الأردن لجأت إلى العشائرية لمواجهة مد الإسلاميين وظهور معارضة ليبرالية ذات مصداقية في مواجهة حكم مطلق.

وفي الانتخابات البرلمانية التي أجريت في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي أجريت الانتخابات في ظل قانون انتخابي كان يعطي صوتا مسموعا للعشائر على حساب الناخبين من ذوي النزعات السياسة بدرجة أكبر في المراكز الحضرية.

 كما أنها زادت من تفاقم الخصومة بين العشائر.

وترجع بعض احتجاجات الشوارع بعد الانتخابات إلى الغضب من تدخل الدولة الواضح في مساندة مرشح بعينه من عشيرة ما على حساب المرشحين الآخرين.

كما أن تزايد النزاعات العشائرية يتحول إلى استياء شعبي في الوقت الذي تمر فيه المملكة بأسوأ تراجع اقتصادي منذ عشرات السنين مما أضعف قدرة الدولة على توفير وظائف في القطاع العام الذي كان يستوعب منذ زمن طويل الفقراء من أبناء العشائر في المناطق الفقيرة الريفية والبدوية.

كما أن الغضب يزداد حدة بسبب ما يراه المواطنون من فساد في الحكومات المتعاقبة والذي أدى إلى زيادة عدم التكافؤ في مجتمع العشائر وسبب تآكلا في الولاء التقليدي للعشائر.

ويتذكر الشيخ طلال صيتان الماضي وهو زعيم في عشيرة العيسى من البادية الشمالية كيف أنه في الماضي كان الحاكم يرسل رجل شرطة واحدا إلى جده الذي كان زعيما عشائريا في البادية الشمالية لتسليم هارب مطلوب القبض عليه إلى الدولة.

ومضى الشيخ الماضي يقول "الآن كتيبة درك لا تكفي لتسليم مطلوب واحد. إن الدولة اليوم فى مواجهة العشائر بعد ان تهمشت القيادات العشائرية الأصيلة التى تعمل على الاستقرار وزعزعت المنظومة العشائرية فتراجعت هيبة الدولة لتهدد فوضي شريعة الغاب التى يمكن لا سمح الله أن تخلق اي شي".

* سليمان الخالدي-رويترز

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن