تتخوف الحكومة المصرية من الإقدام على خطوة رفع الدعم عن الوقود، أحد مطلبين يطالب صندوق النقد الدولي بتطبيقهما للموافقة على منح مصر حزمة قروض بقيمة 12 مليار دولار.
وباتت السلطات النقدية المصرية، قاب قوسين من حسم المطلب الأول الخاص بسعر الصرف، سواء بخفض جديد في قيمة العملة أمام الدولار أو تعويمه جزئياً، بعدما استبق سعرُ الدولار في السوق الموازية، القرارَ الرسمي بقفزات غير مسبوقة اقتربت من 16 جنيهاً، وسط توقعات بأن يتخذ البنك المركزي قراره بالخفض أو التعويم قبل نهاية الشهر الحالي.
بيد أن اقتصاديين يحذرون من خطورة الاستجابة للمطلب الثاني الخاص برفع الدعم عن الوقود، بالتزامن مع خفض قيمة الجنيه، مما قد يؤدي إلى حالة من الاستياء الشعبي من قبل الشرائح الاجتماعية الفقيرة ومحدودي الدخل التي تعاني من ارتفاعات أسعار السلع ورفع الرسوم على الخدمات الحكومية.
مطالب وإصلاحات
وقالت مصادر في وزارة المالية لـ«الاتحاد» إن الوفد المصري الذي شارك في اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن قبل أسبوع، حاول خلال لقاءاته مع مسؤولي صندوق النقد، إقناع المسؤولين في الصندوق بتأجيل خطوة رفع الدعم عن الوقود إلى مرحلة تالية لتوقيع الاتفاق، محذراً من غضبة شعبية في حال أقدمت الحكومة على ارتفاع أسعار البنزين والسولار، خصوصاً أن تطبيق ضريبة القيمة المضافة مؤخراً أسهم في ارتفاع كبير في أسعار السلع في الأسواق.
وطالبت كريستين لاجارد، مديرة صندوق النقد الدولي، في تصريحات لها على هامش اجتماعات الخريف في واشنطن، الحكومة المصرية باتخاذ المزيد من الإجراءات المتعلقة بسعر الصرف والدعم الحكومي لضمان حصولها على القرض، مضيفة: «هناك العديد من الإجراءات ينبغي اتخاذها، قبل أن يجتمع مجلس إدارة الصندوق، وتتعلق هذه الإجراءات بسعر الصرف والدعم».
وتستهدف الإصلاحات الاقتصادية التي تبنتها الحكومة وحازت موافقة صندوق النقد، وضع حد للعجز المتفاقم في الموازنة العامة والذي تقدر قيمته في موازنة العام المالي الحالي 2016-2017 بنحو 319 مليار جنيه. ووفقاً للبرنامج الحكومي، فإن خفض الدعم تدريجياً عن الوقود والمنتجات البترولية إلى جانب إجراءات اقتصادية أخرى، سيسهم في خفض عجز الموازنة ليصل إلى أقل من 10% من الناتج المحلي الإجمالي من 12% حالياً.
وبلغت قيمة الدعم الذي تتحمله الموازنة العامة للمواد البترولية في موازنة العام المالي 2012-2013 نحو 120 مليار جنيه، انخفضت في العام المالي 2014-2015 إلى 100,3 مليار جنيه، ثم إلى 55 مليار جنيه في موازنة العام الحالي 2015-2016، ومن المستهدف أن تنخفض إلى 35 مليار جنيه في العام المالي 2016-2017، نتيجة لانخفاض أسعار البترول.
وقبل الدخول رسمياً في مفاوضات صندوق النقد الدولي، وضعت حكومة شريف إسماعيل ضمن برنامجها حتى العام 2018، خطة لرفع الدعم تدريجياً عن المنتجات البترولية والكهرباء، وكما ورد في رؤية مصر 2030، فإن الحكومة تستهدف تحريك أسعار البنزين والسولار سنوياً بنحو 20%، وفي مقابل هذه الخطوة تسعى الحكومة إلى ضمان وصول دعم المنتجات البترولية إلى مستحقيها من خلال تطبيق منظومة الكروت الذكية في توزيع الوقود بناءً على قاعدة بيانات كاملة حول الاستهلاك والتوزيع.
صعوبات الاقتراب
الخبير الاقتصادي الدكتور حسن محمود، أستاذ التمويل في جامعة القاهرة، يقول إن الحكومة تدرك تماماً صعوبات الاقتراب من خفض الدعم على الوقود على الأقل خلال العام الحالي، بعدما أسهمت ارتفاعات أسعار الخدمات الحكومية كافة إلى جانب أسعار السلع في تدهور الأحوال المعيشية للطبقة الوسطى.
وأضاف أن الحكومة أرجأت العام الحالي تحريك أسعار البنزين والسولار، كما هو منصوص عليه في برنامجها الحكومي بنسبة 20% سنوياً، خوفاً من غضبة شعبية لا يستبعد وقوعها في حال جرى بالفعل رفع الدعم عن البنزين والسولار، ولهذا السبب، فإن الحكومة مصرة على رفض أي مطالب من صندوق النقد بشأن هذه القضية بالتحديد.
وأفاد أن الحكومة سارعت فور ورود معلومات عن توقف شركة «أرامكو» السعودية عن توفير إمداداتها لمصر من المواد البترولية لشهر أكتوبر، إلى توفير البدائل عن طريق الاستيراد، بهدف القضاء على أي اختناقات قد تواجه البلاد، في ظل وجود أزمة في الحصول على أسطوانات الغاز.
وكانت وزارة البترول المصرية وقعت مع شركة «أرامكو» السعودية، على هامش الزيارة الأخيرة للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز للقاهرة قبل ثلاثة أشهر، اتفاقاً يقضي بقيام «أرامكو» بإمداد مصر بنحو 700 ألف طن من المواد البترولية شهرياً لمدة خمس سنوات بتكلفة تقدر بنحو 23 مليار دولار بسعر فائدة 2%.
وقال محمود إن الاكتشافات البترولية التي ظهرت مؤخراً في الشواطئ المصرية وأبرزها «حقل ظهر» أكبر حقل للغاز الطبيعي في المنطقة، سيسهم في الحد كثيراً من استيراد مصر من المنتجات البترولية بدءاً من العام 2018-2019.
وتستورد وزارة البترول المصرية نحو 1.3 مليار قدم مكعبة من الغاز المسال ترتفع إلى ملياري قدم في الربع الأخير من العام 2016، وذلك لمواكبة الطلب المتزايد على الطاقة وتشغيل المصانع بكامل طاقتها، في ظل عدم قدرة الإنتاج المحلي على تلبية الطلب المتزايد على المنتجات النفطية، إذ يبلغ متوسط إنتاج مصر الشهرى من الغاز الطبيعي، نحو 133.4 مليار قدم بمتوسط يومي 4 مليارات قدم مكعب من الغاز تتراجع تدريجياً بسبب التناقص الطبيعي في الحقول، وفقاً لتقديرات الشركة القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس».
محدودو الدخل يتحملون أعباء الإصلاح الاقتصادي
أكدت الدكتورة أماني الأخرس، أستاذة الاقتصاد في كلية التجارة الخارجية في جامعة حلوان، صعوبة اتخاذ صانع السياسة في مصر قرار رفع الدعم عن الوقود في الوقت الحالي، بعدما تسببت الإجراءات الحكومية الأخيرة الخاصة برفع أسعار الكهرباء والماء وكافة الرسوم على الخدمات الحكومية في زيادة الأعباء على محدودي الدخل.
وأضافت: «تكلفة الإصلاح الاقتصادي يتحملها محدودو الدخل والطبقات الفقيرة، ومن شأن أية أعباء جديدة ناتجة عن رفع أسعار البنزين والسولار أن يزيد من صعوبات الحياة في مصر، لذلك يجب على المفاوض المصري، ألا يستجيب لمطلب صندوق النقد في هذا الاتجاه».
وأوضحت أن تحريك أسعار البنزين والسولار من شأنه أن يقود إلى تحريك أسعار كافة السلع التي تعتمد على الشحن والنقل، وهو ما تتحسب له الحكومة، ولهذا السبب أرجأت رفع أسعار الوقود هذا العام ، مشيرة إلى أن آخر تحريك في أسعار الوقود في مصر تم في يوليو 2014، عندما رفعت الحكومة الأسعار بنسبة وصلت إلى 78%.
وأفادت أن تطبيق منظومة الكروت الذكية لتوزيع المنتجات البترولية على غرار السلع التموينية من شأنه أن يساعد الحكومة على ضمان وصول الدعم لمستحقيه، لكن ذلك يتطلب بناء قاعدة بيانات كاملة عن الشرائح الاجتماعية التي تستحق الدعم، إذ يحصل مالكو السيارات حالياً على البنزين المدعوم من دون تفرقة بين محدودي الدخل وأصحاب الدخول العليا.
اقرأ أيضاً:
مصر ستقدم طلب الحصول على 12 مليار دولار لإدارة صندوق النقد الشهر المقبل
مصر تتفق مع صندوق النقد على برنامج بقيمة 12 مليار دولار لمدة 3 سنوات
مصر ستستقبل الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد خلال ثلاثة أسابيع