على الرغم من تحركات الرئيس دونالد ترامب القوية للوفاء بتعهده بدحر داعش والقاعدة، لفت تقرير في مجلة فورين بوليسي الأمريكية إلى أن تدمير مثل هذه التنظيمات الإرهابية بصورة مستدامة لا يحتاج فقط إلى القوة العسكرية، وإنما يستلزم أيضاً إستراتيجية واضحة لإنهاء الحرب وتحقيق سلام دائم، وهو ما يتطلب الاستعداد لعقد صفقات صعبة مع الخصوم والحلفاء على حد سواء.
التفاوض مع إيران من شأنه أن يؤثر على علاقة الولايات المتحدة مع شركائها الإقليميين، ولذلك يتعين على إدارة ترامب معالجة هذا الأمر من خلال مضاعفة التعاون مع هؤلاء وتعزيز قدراتهم العسكرية لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة حسب ما ترجم موقع 24 الاماراتي
ويؤكد التقرير، الذي أعده كولن كاهل وإيلان غولدنبرغ ونيكولاس هيراس، أن معالجة الدوافع الكامنة وراء التطرف لإعادة توجيه المقاتلين للقضاء فعلاً على التهديد الإرهابي ستكون من الأمور المستحيلة في ظل استمرار الحرب الطاحنة التي جعلت سوريا مجزأة ومفككة بعمق.
ومع ذلك، لا تزال الفرصة متاحة لإدارة ترامب للعمل مع روسيا والدول الإقليمية لتخفيف حدة الصراع والتوصل إلى تسوية سياسية دائمة، وهو ما يتطلب تنسيقاً وثيقاً مع الحلفاء الإقليميين ولكن الأهم من ذلك، يستلزم من إدارة ترامب أن تفعل ثلاثة أشياء لم تكن تفعلها حتى الآن وهي: الحزم مع موسكو، وتقديم المساعدات الخارجية لسوريا وإشراك إيران في عملية التفاوض على سوريا.
سوريا الممزقة .. ست مناطق جغرافية
ويشير التقرير إلى أن الحرب الأهلية قسمت البلاد إلى ست مناطق جغرافية تهيمن على كل منها مجموعة مختلفة من الجماعات المحلية المدعومة من قوى خارجية، إذ يسيطر نظام الرئيس السوري بشار الأسد (المدعوم من إيران وميليشيات حزب الله وروسيا والميليشيات الشيعية من أفغانستان والعراق وباكستان) على دولة صغيرة تقع في المنطقة الساحلية والغربية الوسطى من البلاد، وتعد محافظة ادلب، في شمال غرب البلاد، موطناً لمعظم قوات المعارضة المسلحة، بما في ذلك الكتلة القوية المتطرفة التي يقودها تنظيم القاعدة.
وفي شمال وشرق حلب، قامت القوات التركية وقوات المعارضة المدعومة من تركيا وأمريكا، بإقامة منطقة عازلة بمساحة 500 ميل مربع من أجل تحقيق هدفين وهما إبعاد داعش عن الحدود التركية وكذلك منع الأكراد السوريين من ربط الأراضي التي يسيطرون عليها وتشكيل دولة مستقلة. وفي مناطق أخرى من شمال البلاد، دعمت واشنطن الأكراد (الذين تعتبرهم تركيا مصدر تهديد) لتطهير منطقة شاسعة من شمال سوريا وشرقها من داعش.
وفي أجزاء أخرى من شرق سوريا يوجد ما تبقى من خلافة داعش المزعومة بما في ذلك المعاقل الرئيسية في الرقة ودير الزور (وحيث يحافظ نظام الأسد أيضاً على بؤرة)، وأخيراً في أقصى جنوب البلاد، يسيطر ائتلاف من قوى معارضة، الجبهة الجنوبية، المعتدلة (بدعم من الأردن) على الأراضي على طول الحدود الأردنية.
مفاوضات الاستانة
ويشير التقرير إلى أن تلك التقسيمات الفعلية على الأرض هي التي منحت كلاً من إيران وروسيا وتركيا النفوذ لعقد مفاوضات الأستانة التي بدأت في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي للتوسط من أجل هدنة هشة لوقف إطلاق النار في غرب سوريا. وإذا تحركت إدارة ترامب بشكل حاسم، فإنه يمكنها البناء على مفاوضات الاستانة والاستفادة من نفوذ سيطرة الولايات المتحدة على مناطق في شمال وشرق سوريا، من أجل حل النزاع؛ بحيث يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار في جميع أنحاء سوريا، وتكون القوة الأجنبية الداعمة في كل منطقة مسؤولة عن تنفيذ وقف إطلاق النار وضمان وصول المساعدات الإنسانية، ويتطلب ذلك ديبلوماسية بارعة لمعالجة التوترات السياسية وأبرزها المخاوف التركية من التوسع الكردي في شمال سوريا.
انتقال السلطة للمعارضة
وينتقد التقرير الولايات المتحدة وحلفاءها لعدم حشد الضغوط العسكرية الكافية على نظام الأسد وروسيا وإيران وإجبارهم على الموافقة على انتقال السلطة من نظام الأسد والسماح لجماعات المعارضة بالسيطرة على الأمن والحكم المحلي. ويحض التقرير الولايات المتحدة على الضغط على موسكو لدفع الأسد إلى تجميد الصراع وقبول حل سياسي لا مركزي، وخصوصاً أن الولايات المتحدة تمتلك نفوذاً مهماً يتمثل في التعاون المحتمل مع روسيا لمكافحة الإرهاب. وعلى الرغم من تأكيدات ترامب لفوائد التعاون مع روسيا لدحر الإرهاب الإسلامي الراديكالي، فإن الولايات المتحدة في حقيقة الأمر لا تحتاج إلى روسيا لتدمير داعش أو استهداف القاعدة في سوريا، بل على العكس من ذلك، موسكو هي التي تتطلع إلى التحالف مع الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب؛ لإضفاء الشرعية على التدخل الروسي في سوريا.
تعاون مشروط مع روسيا
ويشدد التقرير على أن تعاون الولايات المتحدة مع روسيا يجب أن يكون مشروطاً لتجنب تفاقم العنف، لاسيما أن المعارضة لن توافق على وقف إطلاق النار بشكل دائم إذا استمر نظام الأسد (مدعوماً من روسيا وإيران) في قصف واستهداف مناطق المعارضة بشكل متعمد بدعوى مكافحة الإرهاب، ولذلك فإن أي تعاون غير مشروط بين إدارة ترامب وروسيا لمكافحة الإرهاب سيقود إلى تكرار الفظائع الإنسانية التي شهدتها حلب في مناطق المعارضة الأخرى فضلاً عن دفع المزيد من قوات المعارضة للانضمام إلى الجماعات المتطرفة.
إعادة إعمار سوريا
وعلى الرغم من موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المعارض لتورط الولايات المتحدة في "بناء الأمم" والتخفيضات العميقة لميزانيات المساعدات الأجنبية والإنسانية التي اقترحها على وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، فإن التزام الولايات المتحدة بالعمل مع المجتمع الدولي لتعبئة الموارد المالية اللازمة لإعادة الإعمار في سوريا يُعد ضرورة إستراتيجية، بحسب التقرير، ولا ينبغي على الإطلاق اعتباره من "الأعمال الخيرية"؛ إذ أنه السبيل الوحيد لمنع المتطرفين من الظهور مجدداً تحت أنقاض المناطق المحررة. وعلاوة على ذلك، فإن انخراط الولايات المتحدة بقوة في هذا الأمر، يمنحها نفوذاً هائلاً في التفاوض مع روسيا ونظام الأسد وأطراف الصراع الأخرى للتوصل إلى اتفاق سلام دائم في سوريا.
ويضيف التقرير، أن حل الحرب السورية لن يتم بمعزل عن التفاوض المباشر مع إيران التي قامت على مدى ست سنوات من الحرب ببناء شبكات نفوذ كبرى في جميع أنحاء البلاد الواقعة تحت سيطرة نظام الأسد، ومن غير المتوقع أن ينتهي نفوذها في وقت قريب. ومن ثم فإن انتهاج إدارة ترامب سياسة المواجهة مع طهران في سوريا أو إبرام أي صفقة مع روسيا والدول الإقليمية الأخرى تنطوي على انسحاب إيران الكامل من سوريا، لن يسفر عن شيء سوى الفشل، بحسب التقرير، وبدلاً من ذلك، يجب التفاوض مع إيران مباشرة للتوصل إلى حل عملي.
ويختتم التقرير بأن التفاوض مع إيران من شأنه أن يؤثر على علاقة الولايات المتحدة مع شركائها الإقليميين، ولذلك يتعين على إدارة ترامب معالجة هذا الأمر من خلال مضاعفة التعاون مع هؤلاء وتعزيز قدراتهم العسكرية لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، وانتهاج سياسة حازمة مع طهران لعرقلة دعم المسلحين الحوثيين في اليمن.