*بقلم / وسام نصرالله
بداية معرفتي به كانت من خلال الديوان الشعري لأعماله الكاملة، ذلك الديوان الذي قرأته عندما كنت طالبا جامعيا في فلسطين، لأكتشف شخصية فكرية ثقافية محملة بالحب والوجع الإنساني وقضايانا القومية والوطنية.
المفكر والشاعر والقائد السياسي الفلسطيني ناجي علوش ترجل عن صهوة جواده، وتركنا في قلب المعركة بين الدفاع عن الثوابت الوطنية والتمسك بها والقبض على جمر المقاومة بمواجهة العدو الصهيوني والإمبريالية العالمية، وبين التخلي عن كل ذلك التاريخ والهرولة نحو ثروات البترودولار وثوراتها المزيفة.
واذكر عندما كنت أقرأ ديوان الشاعر علوش ذات ليلة صيفية في فلسطين، صادف أن رأى الديوان معي أحد أقاربي المتدينين، ودار حوار بيني وبينه حول هوية الشاعر وجذوره المسيحية وآرائه اليسارية، فما كان مني إلا أن قلت لذلك الشيخ هذا شاعر فلسطيني ومناضل يسعى لحرية الأوطان ومعاداة الصهيونية وأدواتها، وماعدا ذلك من تفاصيل ليست إلا ثانوية، وأسقطها من حساباتي.
وبعد دخولي عالم الصحافة والإعلام كان أن أجريت لقاءا مطولا مع القامة الفكرية والنضالية علوش على الرغم من وضعه الصحي الصعب وقتها –قبل مايقارب الثماني سنوات-، حيث كان مصابا بالشلل وبالكاد يتحرك ويجيب على أسئلتنا، وكم كان الحوار شيقا وغنيا بالأدب والفكر السياسي.
وأكثر ماكان يثير الإعجاب بنفسي من الراحل علوش أنه كان يجمع بين كونه شاعرا وأديبا والعمل السياسي، فلم تطغ على حياته تفاصيل السياسة وتسرقه من رومانسية الأديب الثائر الحالم بعودة وطنه وتحرره من قيود الإستعمار والإحتلال، فكان مثالا للأديب السياسي الذي لم يفرط يوما بثوابته النضالية والقومية واليسارية دفاعا عن العدالة والحرية.
ولد ناجي علوش في مدينة بير زيت الفلسطينية، وركز على دراسة الفكر العربي المعاصر، وكتب كتابه الأول'الثوري العربي المعاصر' عام 1960، كما أنه أحد قياديي حركة فتح وهو عضو سابق في المجلس الثوري للحركة، وكان أحد من تمسكوا بالثوابت الفلسطينية بالإضافة لقيادته التيار اليساري الجذري في فتح.
ويحسب للراحل علوش أنه كان من القادة الراديكاليين الرافضين للتسوية والصفقات السياسية مع العدو الصهيوني وتحديدا إتفاقية أوسلو، التي هاجمها بشراسة واعتبرها تفريطا بالثوابت الفلسطينية.
وكان الموت قد غيب علوش في ساعة مبكرة من صباح الأحد في العاصمة عمان، عن 77 عاما بعد صراع طويل مع المرض، وكان قد أصيب بشللٍ نصفي منذ أكثر من أربعة عشر عاماً وبقي يصارع حتى النفس الأخير، وفي الصيف الماضي تم تشخيصه بمرض السرطان.
وصدر للراحل علوش العديد من المجموعات الشعرية حيث طبعت في مجلد واحد تحت عنوان "المجموعة الشعرية الكاملة" في العام 1979، وللراحل أيضا مؤلفات فكرية منها: "الثورة والجماهير" 1962، "المقاومة العربية في فلسطين" 1967، "الماركسية والمسألة اليهودية" 1969، "مناقشات حول الثورة الفلسطينية" 1970، "الحركة القومية العربية" 1975، "حول الحرب الأهلية في لبنان" 1976، "المشروع القومي من الدفاع إلى الهجوم" 1991.
ناجي علوش كان يتميز بربطه بين فكرة الوحدة القومية العربية والماركسية الجديدة غير الحركة الشيوعية التقليدية، كما أنه من نجوم الثقافة والفكر العربيين في الستينيات والسبعينيات، كمنظر سياسي ومفكر ومثقف وناقد أدبي وشاعر.
الراحل لم يسقط بوحل السياسة وتقلباتها ولم يكن إنحيازه إلا للثوابت التي عاش ومات مناضلا لأجلها، الثورة والحرية والعدالة، وبقي موقفه ثابتا صلبا لرؤيته في حقيقة الثورات العربية وتحديدا ماحدث في ليبيا ومايحدث في سوريا، ورفضه لكل اشكال التدخل الأجنبي والخارجي بالشأن العربي والإستقواء بالناتو.
برحيلك علوش سنفتقد الكثير من آرائك السياسية الثاقبة في زمن الظلاميين وعملاء الناتو، ولكن ستبقى روحك ملهمة للثوار الحقيقيين ومحلقة فوق جبال فلسطين وقاسيون الشام.
*إعلامي وكاتب