لهذا يتحالف "المداخلة" مع حفتر في ليبيا و"يتغولون" بميليشيا

تاريخ النشر: 18 يناير 2018 - 03:26 GMT
ربيع المدخلي و حفتر
ربيع المدخلي و حفتر

من هم المداخلة؟ هم الذين دعموا معمر القذافي حتى النهاية وقاتلوا لمنع تنظيم الدولة إنشاء قاعدة لهم في ليبيا إلا ان الخبراء يحذون من تأثيرهم على المجتمع الليبي وهدفهم النهائي إنشاء دولة ثيوقراطية (دينية). ويرى تيلور لاك، مراسل “كريستيان ساينس مونيتور” في تقرير له من العاصمة الأردنية عمان أن تنظيم الدولة ظل في مركز الإهتمام الإعلامي إلا أن جماعة أصولية تقوم بنناء حضور لها وتوسيعه بهدوء في كل أنحاء ليبيا.

 

من هم؟

 والمداخلة هم جماعة سلفية سعودية متشددة استفادت من مرحلة ما بعد الثورة في ليبيا التي انتشرت فيها الفوضى ويقومون بفرض تفسيرهم الإسلامي المتشدد على المجتمع بالإكراه ومن خلال الدوريات في الشوارع واستخدام سيطرتهم على المساجد لتغيير رؤية المجتمع الليبي. ولتحقيق أهدافهم تحالف المداخلة مع كل حكومة أو زعيم نصب نفسه آمرا وناهيا على ليبيا خلال السنوات الثلاث الماضية وقاموا بملاحقة نقادهم من الليبراليين والإسلاميين. ومع معارضة الجماعة هذه لتنظيم الدولة الذي حاول إنشاء قواعد له في ليبيا وطرد الآن من سوريا والعراق إلا أن غياب الحكومة المركزية والخدمات تعني تدمير المداخلة للمجتمع المدني كما حذر مراقبون للشأن الليبي.

 

وسينجحون لو لم تنجح الجهود التي ترعاها الأمم المتحدة بإحلال السلام في البلاد التي مزقتها الحرب الأهلية منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011. ويتبع المداخلة أفكار وتعاليم الشيخ السعودي، ربيع بن هادي المدخلي البالغ من العمر 84  عاما والمقيم حاليا بالمدينة المنورة. وتم إنشاء الحركة التي تتبعد عن السياسة كرد فعل على نجاح حركة الإخوان المسلمين التي حظيت بشعبية في مصر والسعودية ودول الخليج في العقد الأخير من القرن الماضي. وعملت حكومات عربية على استخدام الحركات السلفية التي تدعو لطاعة ولي الأمر كأداة لمواجهة الجماعات الإسلامية المعارضة. وكان الدعم المطلق الذي يقدمه المداخلة للديكتاتوريين وابتعادهم عن السياسة وعدائهم الشديد لحركة الإخوان المسلمين سبب في تسامح نظام معمر القذافي معهم عندما ظهروا  في ليبيا بداية القرن الحالي. ولهذا السبب كان المداخلة آخر الجماعات التي تخلت عنه رغم ما ارتكبه من عنف ومظالم ضد المواطنين الليبيين. وظلوا مع ذلك يدعو لاتباع ولي الأمر وطاعته حتى نهاية الثورة.

 

وبعدما أصبحت غير مرتبطة بالنظام أو أية حكومة قام المداخلة بإنشاء قوتهم العسكرية الخاصة وجماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واصطفوا مع أمراء حرب يتنافسون على حكم المجتمع الليبي. ويشير لاك إلى العنصر الهام في ايديولوجية الجماعة السلفية هذه وهي الطاعة للحاكم. فعلى خلاف حركات سلفية أخرى وجماعات الإخوان المسلمين والتي تطالب بأسلمة نظام الحكم أو تطبيق الشريعة يطالب المداخلة بالطاعة للحكام حتى لو كانوا من العلمانيين.

 ويعتبر المدخلي الذي صاغ أفكار المجموعة أن سلطة الحكام على رعاياهم “دينية” وإن كانوا علمانيين. ولو لم تكن  لديهم سلطة لما اوصلهم الله إلى الحكم في المقام الأول. ومن هنا فإنهم يدافعون  بشراسة عن النظام أو الحاكم الذي يخدمونه ويستخدمون النصوص الدينية لانتقاد  معارضيهم أو وصمهم بالهرطقة والكفر. أما المبدأ الثاني للمدخلية وهو الإبتعاد عن السياسة ومعارضتهم الشرسة للديمقراطية حيث يقولون إن السياسة تخلق الإنقسام بين المسلمين وتحث على الولاء للأحزاب لا الله، بشكل يفتح الباب أمام الجماعات غير الإسلامية  للزحف نحو المجتمع. وعلى الجبهة الإجتماعية فلا فرق بين المداخلة  والموقف الوهابي الرئيسي التي تطبق في السعودية مع أن ولي العهد السعودي الحالي يحاول تحييد القوة الوهابية وقطع الدعم عنها ونشر العقيدة الوهابية في أنحاء العالم الإسلامي. ويؤمن المداخلة أن للمرأة دور محدود خارج البيت وتحتاج  دائما إلى محرم من أجل السفر. وينظرون للموسيقى والتفلزيون والادبيات غير الإسلامية  باعتبارها وسائل تقود للإثم. أما الإختلاط  مع غير المسلمين فهو تهديد للمجتمع ويقود للضلال.

 

قوة عسكرية و شرطة أخلاق

أما عن الدور الذي يلعبوه في السياسة الليبية، يقول لاك إن المداخلة الذي ابتعدوا عن صناديق الإقتراع والسياسة في مرحلة ما بعد الثورة قاموا بهدوء بإنشاء قوة عسكرية وشرطة أخلاق وتحالفوا مع القوى اللاعبة على الأرض بحيث أصبحوا من اللاعبين المهمين على الساحة الليبية. ففي الغرب شكل المداخلة قوة شرطة لحراسة شوارع طرابلس وملاحقة الجريمة والممارسات غير الإسلامية وإحباط  أية خلايا تابعة لتنظيم الدولة. وأصبحت القوة التابعة لهم ناجحة بدرجة باتت الحكومة المدعومة من الامم المتحدة تعتمد عليها كقوة أمن رئيسية لوزارة الداخلية في العاصمة. أما في وسط ليبيا فقد شكل المداخلة قوة مسلحة من ألاف المقاتلين لعبت دورا مهما في طرد تنظيم الدولة من مدينة سرت والمعاقل الأخرى على الساحل. ولا تزال القوى التابعة لهم في القرى والبلدات تحرس الشوارع بعد خروج الجهاديين منها. وأهم نجاح للمداخلة هو في شرق ليبيا حيث قام فرع من الحركة بالتحالف مع خليفة حفتر الذي تدعمه مصر وروسيا. ومنح هذا الجماعة الحرية التامة للسيطرة على المساجد والوقفيات والمؤسسات الدينية مقابل مساعدته عسكريا والدعوة للبيعة له من خلال المنابر.

ويتبع المداخلة في كل ليبيا نفس الإستراتيجية والتي تقوم على إسكات ومهاجمة ونزع الشرعية عن المنافسين لهم، بمن فيهم الليبراليون والديمقراطيون وجماعة الإخوان المسلمين ومنافسيهم من السلفيين والجماعات الجهادية الأخرى. وقد نجحوا في تعزيز أي لاعب يتحالفون معه ووضعوا منافسيهم في موقع الدفاع عن النفس. ويرى المراقبون أن المداخلة استطاعوا جذب المجتمعات التي يعملون فيها من خلال الخدمات التي يقدمونها لهم في غياب الدعم من الحكومة المركزية.

ويقول فردريك ويهري من وقفية كارنيغي أن المداخلة  يدفعون بخطاب يقول : ” نحن سلفيون، لسنا فاسدون ونقوم بملاحقة المخدرات وتنظيف المجتمع من الخمور ونقدم الأمن”، وهذا خطاب جذاب للمجتمعات المحلية. وقام المداخلة في تشرين الثاني (نوفمبر) بوقف معرض للكتب الكرتونية في طرابلس واتهموا الجهة القائمة على تنظيمه بانها استغلت ضعف الدين والإنجذاب للثقافة الأجنبية . وقبل ذلك اعتقلت الشرطة التابعة لهم ثلاثة في مدينة بنغازي كانوا يحضرون ليوم الأرض حيث اتهموا بتشجيع الأفكار “الماسونية”.

وأصدر حاكم عسكري أمرا بمنع المرأة السفر بدون محرم إلى شرق ليبيا بناء على فتوى من المداخلة، رغم إلغاء الأمر بسبب المعارضة الشعبية. وقام أتباع الحركة بحرق الكتب ويديرون عددا من الإذاعات في مختلف أنحاء ليبيا. وسمح للمداخلة بدخول السجون والإشراف عليها في شرقي وغربي ليبيا. ويقول لاك أن الأثر الدائم للمداخلة على ليبيا سيكون إسكات الأصوات المعارضة، واستهداف الناشطين في مؤسسات المجتمع المدني الذي اضطر العديد منهم للهرب، وتعرض آخرون للقتل حسب “هيومان رايتس ووتش”.

 ويقول الناشطون الليبيون في مجال حقوق الإنسان أنهم يخافون انتقاد المداخلة الذي “يشجبونك من على المنبر والراديو ويعتقلونك في نفس اليوم”. وبدون قوة مضادة للسلفيين يرى المراقبون للشأن الليبي أنه من الصعب التخلض من سيطرة الأصوليين على المجتمع عندما ينتهي القتال.  ويرى بن فيشمان، المسؤول السابق في البيت الأبيض أيام باراك أوباما ” الكثير من الأصوات الليبرالية في تراجع إن لم تكن اختفت كليا” و”كلما  طال الوقت لتشكيل حكومة وحدة فاعل كلما تعمقت هذه الجذورفي حياة وقيم المجتمع الليبي بشكل يصعب التخلص منها لاحقا”.