مع اشتداد الأزمة الاقتصاديّة والمعيشيّة في لبنان، توجّه المواطنون إلى الطرقات منذ الأمس تعبيراً عن غضبهم وامتعاضهم من الأوضاع التي آلت إليها البلاد وسط غياب السّلطة، ممّا دفع بالمحتجين إلى قطع طرقات عدّة منذ الصبح الباكر في مختلف المناطق.
وترى الدوائر السياسية والإعلامية في بيروت، أن الأمن الاجتماعي، فوق فوهة بركان، مع توقعات «جنوح الوضع في لبنان إلى الفوضى عاجلاً أم آجلاً».
دعوة الى اعلان العصيان المدني الشامل
قال رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان (FENASOL)، كاسترو عبد الله ، في تصريح له اليوم الإثنين «لن نسكت بعد اليوم أمام الحاجات الضرورية لحياة المواطن والعمال وذوي الدخل المحدود وسائر الفئات الشعبية».. وأضاف : «يا عمال لبنان وكادحيه وابناء شعبنا العزيز هبوا وانتفضوا واعلنوا العصيان المدني الشامل الى شل تحركاتهم ولضرب الكارتيلات في اوكارهم وغرفهم السود. ويا أبناء انتفاضة 17 تشرين/ اكتوبر المجيدة، لقد آن الاوان لاسقاط هذه السلطة في الشارع».
الحراك الشعبي خرج عن المألوف في الشارع
ويشير مراقبون في بيروت، إلى أن مؤشرات الانفجار الشعبي قد بدأت بالفعل، وبحسب تقرير صحيفة اللواء اللبنانية، فإن «النزال» قد احتدم على نحو خطير في الساعات الماضية بين الارتفاع الغامض، والهستيري، لسعر صرف الدولار، بحيث التهم الأخضر واليابس، وصار حديث الصغار والكبار على مشارف الـ20 ألف ليرة لكل دولار، والحراك الشعبي خرج عن المألوف، في الشارع، وتوجه إلى المؤسسات، تكسيراً وتحطيماً، مما أدى إلى اشتباكات مع القوى الأمنية، لا سيما في طرابلس، حيث اصيب عسكريون من الجيش اللبناني، لوقف الإشكالات، التي كادت ان تتحوّل أهلية، ودامية، وسط تأزم سياسي، وهو الأول من نوعه خلال السنوات الـ14 الماضية، وضمن انقسام أهلي، طائفي، بين المعنيين بالمبادرات أو تشكيل الحكومة.
غلاء فاحش
وخلال أقل من عام قفزت أسعار السلع الغذائية في لبنان إلى أكثر من 400%، وأصبحت الكثير من الأكلات الشعبية التي كانت بمتناول الجميع طبقا فاخرا لا يصل إليه سوى الأغنياء.
لكن الأسوأ من ذلك كله هو أن بعض الفقراء الذين أصبحوا تحت خط الفقر خلال أسوأ أزمة اقتصادية ومالية تعصف بلبنان منذ نيله الاستقلال عام 1943، باتوا يخرجون للتسول أو للبحث في صناديق القمامة لإطعام أطفالهم، بحسب بعض الشهادات.
البحث عن الطعام
وقالت إلينا سيقلي من قرية ”المية ومية“ شمال مدينة صيدا الجنوبية: ”هل تصدق ذلك..؟ رأيت بعينيّ رجلا وزوجته يبحثان في حاوية القمامة أمام منزلي… وعندما سألتهما عما يبحثان، صدماني عندما قالا: بعض الطعام“.
وأضافت المرأة البالغة من العمر نحو 70 عاما: ”هذه المرة الأولى التي أرى فيها مواطنين يبحثون عن طعام في حاوية قمامة… وسمعت من بعض الأصدقاء أن أناسا آخرين يقومون بنفس الشيء في مناطق أخرى…. يا للهول… هذه الأمور لم تحصل سوى خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية“.
وتعتبر اللحمة من أسوأ ضحايا الغلاء، إذ قفز سعر كيلو لحم البقر من نحو 15 ألف ليرة إلى 80 ألف ليرة، أي بأكثر من 5 أضعاف، فيما تضاعف سعر لحم الضأن من حوالي 20 ألف ليرة إلى 125 ألف ليرة، ما يعني أن عددا كبيرا من اللبنانيين لم يعد باستطاعتهم تناول اللحم؛ نظرا لأن متوسط أجور العمال لا يتجاوز 600 ألف ليرة.
كما قفز سعر المنقوشة بالجبن، وهي طبق رئيسي كان بمتناول الجميع قبل الأزمة، من نحو 2000 ليرة إلى 10 آلاف ليرة، وارتفع سعر الفروج المشوي من 10 آلاف ليرة إلى 70 ألف ليرة، ووصل سعر البن إلى 100 ألف ليرة مقابل 15 ألف ليرة قبل شهرين.
وبلغ متوسط الارتفاع في أسعار بقية المواد الغذائية حوالي 4 أضعاف، في الوقت الذي لم ترتفع فيه أجور العمال وبقية الموظفين في القطاعين العام والخاص منذ عدة سنوات.
From women leading the protests, to women organising protests, to women being the voice of reason when men wanted to fight, to Lebanese women candidates who won many seats at today’s elections at the Order of engineers and architects in Beirut.
— Luna Safwan - لونا صفوان (@LunaSafwan) June 27, 2021
Couldn’t be happier. Respect. ?? pic.twitter.com/U8e5u4EW3y
ثورة جياع
وفي تصريحات صحفية، مساء الأحد، حذر رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني بحصلي، من حدوث كارثة قد تؤدي إلى أول ثورة جياع في تاريخ لبنان الحديث.
وقال بحصلي: ”أسعار المواد الغذائية تضاعفت خلال أشهر قليلة، ونحن نعيش كارثة كبيرة، خاصة بعد وقف الدعم والارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، والزيادة في أسعار المحروقات التي يتوقع أن تواصل ارتفاعها، ما سيؤدي بالتالي إلى ارتفاع جديد في أسعار المواد الغذائية“.
وأشار بحصلي إلى أن ”الأسعار ستبقى مرتبطة بسعر صرف الدولار، الذي يشكل معيار تقلبات الأسعار“، موضحا أن ”بيع السلع على السعر القديم خلال تقلبات سعر صرف الدولار سيؤدي إلى تقلص الاستيراد وبالتالي انقطاع البضاعة“.
تصاعد الجريمة
وتزامن الغلاء مع تحذيرات من تصاعد الجريمة بسبب الجوع، إذ أشار موقع ”لبنان 24“ إلى أن الهاجس الأمني بات أبرز ما يؤرق اللبنانيين ”الغارقين أصلا في مشكلاتهم المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية“.
وقال الموقع: ”بعدما ظل الوضع مستقرا إلى حد كبير في الأشهر الماضية، تسارعت التطورات والمستجدات في الأيام الماضية التي توحي باتجاه البلد إلى الفوضى مع تفاقم عمليات السطو والسلب، ما جعل كثيرا من المواطنين يعتمدون تدابير جديدة، كالامتناع عن الخروج ليلا إلا في حالات طارئة، والامتناع عن زيارة مناطق بعيدة ونائية، وتجنب التوقف عند الصرافات الآلية في المصارف ليلا، وتفادي وضع الحلي والساعات الثمينة“.
I always thought our sports department was fire…but today brought a whole new meaning to that. Sorry I couldn’t get Lebanon winning the state title today, we had some “technical difficulties” pic.twitter.com/86kNAxN37E
— Jesse Krull (@JesseKrullWJHL) June 26, 2021
بدوره، نبه وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي إلى تدهور الوضع الأمني، قائلا: ”اليوم هناك خوف من الأسوأ ومن تدهور الأمن المجتمعي أكثر لأن هناك الكثير من الناس الجائعة وهم يستطيعون أن يتحملوا كل شيء إلا جوع أولادهم“.
وأضاف الوزير: ”لذلك ما دام الوضع على ما هو عليه؛ فستزداد الفوضى، لكنها لن تتحول إلى فوضى تامة.. ونحن سنعمل بكل ما أوتينا من قوة للمحافظة على القوانين والنظم المعتمدة، وسنحمي المواطنين والممتلكات العامة والخاصة“.
وفي تقرير أصدرته أخيرا، لفتت ”الشركة الدولية للمعلومات“ في بيروت، إلى أن عمليات القتل والسرقة زادت، منذ مطلع العام الجاري، فارتفعت جرائم القتل بنسبة 45.5%، فيما قفز عدد جرائم السرقة بنسبة 144%.