في الثالث من شباط/ فبراير حلت الذكرى الـ 45 لرحيل كوكب الشرق وسيدة الغناء العربي فاطمة بنت الشيخ المؤذن إبراهيم السيد البلتاجي التي عرفت باسم ام كلثوم، وما تزال اغانيها تصدح في كافة ارجاء الارض وتتناقلها الاجيال حتى ذلك الجيل الذي لم يعيش ايامها ولم يواكب عصرها.
نشأت أم كلثوم وترعرعت في أوساط أحياء نائية، والدها كان يعمل مؤذن في قرية طماي الزهارية، ووالدها يسمى إبراهيم البلتاجي، وقد كانت أم كلثوم في صغرها تهتم بحفظ القصائد، والموشحات، هي وأخيها خالد، وبعد أن وصلت أم كلثوم إلى سن العاشرة بدأت بالغناء أمام عامة الناس في الاحتفالات والمهرجانات في بيت شيخ البلد.
الى جانب مسيرتها الفنية المبهرة والفريدة، كانت حياة ام كلثوم الشخصية تعج بالاسرار، ولم تستطع كمية المسلسلات التي جسدت حياتها من الكشف عن جوانب ولو بسيطة منها، لربما بسبب عدم الرغبة في اظهار بعض التفاصيل غير السوية التي قد تتسبب في تشويه صورة الفنانة العظيمة، او خوفا من القضاء وابناء واحفاء كوكب الشرق.
ازواج وعشاق
رغم انها غلفت حياتها الشخصية بسياج عال، فقد ارتبطت أم كلثوم بعلاقات حب متعددة من عدد من الرجال الذين استطاعوا الاقتراب من ذلك السياج
فقكان الرجل الأول في حياتها الشيخ عبد الرحيم، وهو أحد أصدقاء والدها، الذي تزوج منها بشكل صوري، حتى تتمكن من السفر للعراق لإحياء 4 حفلات هناك؛ واستمرت هذه الزيجة ثلاثة أسابيع وهي الفترة التي قضتها "أم كلثوم" خارج البلاد.
الرجل الثاني، وهو الشاعر "أحمد رامي"، الذي وقع في غرام "كوكب الشرق" من أول لقاء، واتخذ على عاتقه مهمة كتابة ما يشعر به في أشعار تجسدها بصوتها، لكنها لم تستجب لحبه، فاضطر للزواج من إحدى قريباتها على أن يظل قلبه عاشقًا لأم كلثوم.
كوكب الشرق بررت رفضها للزواج من رامي لعدم رغبتها في اطفاء شعلة الشعر لديه"لو تزوجته ستنطفئ نيران الشعر في أعماقه".
الرجل الثالث، وكان الموسيقار "محمد القصبجي"، الذي جسّد عشقه لها في ألحانه، وفي موافقته على الجلوس خلفها على كرسي خشبي وفي يده العود، فقد ارتضى أن يعيش صامتًا في حبه لا يرغب سوى في البقاء بجانبها، فهو لم يتحمل فراقها على الرغم من رفضها عددا من ألحانه.
الرجل الرابع، كان شريف صبري باشا، شقيق الملكة نازلي، الذي وقع أسير حبها، والذي حاول الزواج منها لكن عائلته رفضت هذه الزيجة فتقدم بشكل سري لكنها رفضته
الرجل الخامس، وهو أول رجل يخفق قلب "سومة" له وهو طبيب الأسنان والملحن "أحمد صبري النجريدي" الذي أيقظ مشاعر الأنوثة بداخلها ودفعها لارتداء الفساتين والتخلص من العقال الذي كان يشبهها بالرجال، وعندما تأكد من مشاعرها نحوه، طلب الزواج منها، لكن والدها رفض طلبه، وهنا شعر "النجريدي" بالإهانة فانسحب من حياتها.
الرجل السادس، وهو الملحن "محمود الشريف"، الذي نشأت بينهما قصة حب كبيرة في منتصف الأربعينيات، وانتهت بالزواج لكنه لم يستمر سوى أسابيع قليلة؛ حيث طلبت "سومة" الطلاق منه بعدما فوجئت بأنه لا يزال محتفظًا بزوجته الأولى.
الرجل السابع، هو الكاتب الصحفي "مصطفى أمين"، الذي ظن البعض أن علاقتها به توقفت عند حد الصداقة القوية، إلى أن أكدت الدكتور "رتيبة الحفني" زواجهما بعقد عرفي، لمدة 11 عاما، فبعد القبض على مصطفى أمين فى قضية التخابر الشهيرة فى ستينيات القرن الماضي، وذلك بعد تفتيش مكتبه فى صحيفة أخبار اليوم، والعثور على عقد الزواج، إلى جانب خطابات غرامية من «أم كلثوم»، ضمن أوراق مصطفى أمين التى صودرت من المكتب.
الرجل الثامن، وهو الدكتور حسن الحفناوي، الذي كان يصغرها بنحو 17 عامًا، والذي تزوجت منه بشكل مفاجئ ربما لرغبتها في الاحتفاظ به كطبيب خاص طول الوقت، واستمر زواجها منه حتى وفاتها.
الخلاف مع العندليب
سحرت ام كلثوم في شخصيتها والكاريزما التي تتمتع بها الأمراء والملوك بعدما سحرت بصوتها الجميع ليصنفها الكثيرون علي أنها الهرم الرابع.
أم كلثوم التي احتلت مكانة مميزة لدي كافة النجوم والنجمات من زملاءها لم يجرؤ أحد علي الانتقاص من قيمتها أو إغاظتها إلا في موقف واحد ربما أغضبها للغاية، بعدما تسبب فيه قامة كبيرة أيضاً هو المطرب عبد الحليم حافظ عام 1964 أمام أعين مجلس قيادة الثورة وذلك ضمن احتفالات عيد الثورة مثلما يظهر خلال الفيديو الذي يعرض كلمة عبد الحليم حافظ التي أثارت غضب أم كلثوم مما تسبب فيما بعد في منع العندليب من الغناء بتلك المناسبة طوال سنوات عقاباً علي جرأته في محاولة الانتقاص من قيمة أم كلثوم.
جدير بالذكر أن النجم الراحل عبد الحليم حافظ رحل عن عالمنا بعد عامين فقط من رحيل أم كلثوم وتحديداً في الثلاثين من مارس عام 1977، وذلك بعدما حفر اسمه هو الآخر بأحرف من ذهب.
طرائف الملحنين
وفق وسائل اعلام مصرية فان قيثارة الشرق كانت على تماس مع اي حركة في اللحن او الكلمة وهذا هو اساس نجاحها وفيما يلي أربع قصص نادرة نقلتها روتانا، حدثت بين أم كلثوم وكبار الموسيقيين، الذين لحنّوا كثيراً من الأغاني التي تطربنا بها السيدة أم كلثوم.
بيلغ حمدي.. "سيبها يا بني"
ذكر الملحن الراحل "بليغ حمدي" في مقابلة تلفزيونية أجريت معه، بأنه طلب من الست أم كلثوم أن يقوم بتقصير اقتتاحية أغنية "ألف ليلة وليلة"، مبرراً لها ذلك بطول المقدمة، ما يسبب تعباً لأم كلثوم أثناء غنائها، ولكن الست رفضت ذلك وقالت له "سيبها يا بني".
ثم لاحقاً، وخلال تواجد أم كلثوم في المسرح تجهيزاً لغناء "ألف ليلة وليلة"، طلبت من بليغ الحضور فوراً إلى المسرح، اضطر "حمدي" أن يذهب رغم عدم رغبته بذلك، فوجدها "عصبية جداً"، ولم تكن ترتدي بعد فستانها الخاص بالحفل، ووجهت الست كلامها إلى "بليغ" وهي في حالة متوترة: "إنت إزاي كنت عاوز تشيل المقدمة دي، ده انا رجليا بيخبطوا ببعض وأنا قاعدة عالكرسي، ومنظر البشر الرهيب يلي قاعد برة، وعقبال ما يخلص اللحن وأغني المطلع، ومنديلي يدفي إيدي المتلجة، وأحاول أتجاوز كل الجمهور الحاضر ده، وألاقي حدّ في الصالة اصطاده وأغنيله، كل ده محتاج المقدمة الطويلة دي، بأي حق كنت عاوز تشيلهاّ".
سيد مكاوي.. "حتاخد فخراً"
في مقابلة مع ابنة الملحن الراحل "سيد مكاوي"، ذكرت بأن أم كلثوم هاتفت "مكاوي" وهو في العشرينات من عمره، وطلبت منه أن يقوم بتلحين أغنية "أنساك"، ثم سألها مكاوي: "حاخد أدي إيه في اللحن ده؟" لترد عليه الست: "ألا يكفيكً فخراً إنك بتلحن لأم كلثوم" فكانت إجابة "مكاوي": "لا يكفيني فخراً، لإن البقّال اللي بشتري من عنده، ما بياخدش فخر!". فغضبت الست وأغلقت الهاتف.
ليكون أول لقاء بين الاثنين في أغنية يا مسهرني.
القطيعة مع الشيخ زكريا أحمد
13 عامًا من القطيعة والمحاكم بين الست أم كلثوم وشيخ الملحنيين "زكريا أحمد"، والسبب، اكتشاف الشيخ أن أم كلثوم تتقاضى مبالغ ضخمة عن كل أغنية لها تتم إذاعتها في الإذاعة المصرية، لذا طالب وقتها أم كلثوم بنسبة محددة له لم تكن تتجاوز 5 % مما تتقاضاه، لكن الطلب لم يوافق عليه.
وفي يوم 25 يناير 1960، في قاعة المحكمة بكى الشيخ "أحمد" وهو يقول: "لا الفلوس بتدوم ولا الشتيمة بتلزق"، لتبكي معه كوكب الشرق وينتهي الخلاف داخل المحكمة، إلا أن أهم ما أثمر عنه انتهاء الخلاف هو تقديم زكريا أحمد أحد أشهر ألحانه وأغانيه لـ أم كلثوم، "هو صحيح الهوى غلاب" عام 1960.
الموجي.. "للصبر حدود يا محمد"
بعد أن تأخر المحلن الراحل "محمد الموجي" في تلحين أغنية "للصبر حدود" متجاوزاً المدة المحددة للعقد الذي بينه وبين أم كلثوم، فوجئ "الموجي" بدعوى قضائية مرفوعة عليه من أم كلثوم، وعندما توجه إلى المحكمة، تأكد بأنه تجاوز مدة العقد، وكلمّه القاضي قائلاً: "لقد أخليت بالتزامك في العقد"، فرد "الموجي": "أيوا أنا فعلا تأخرت واتفضل أحكم عليا بالتحلين" فرد القاضي: "احكم عليك بتلحين الأغنية" ثم وجهت الست عبارة إلى "الموجي" خلال الجلسة: "للصبر حدود يا محمد".
وفاة أم كلثوم
كانت أم كلثوم تجهز نفسها من أجل غناء (أوقاتي بتحلو معاك.... وحياتي بتكمل برضاك) ولكن لم تتمكن أم كلثوم من تأديتها وذلك بسبب المرض المفاجئ الذي حل بها، أثناء تلك الفترة، فقد أصيبت بمرض التهاب الكلى، الذي تمكن منها بشكل كامل، وقامت أم كلثوم بالسفر إلى لندن من أجل الحصول على العلاج، وكانت أيضاً تعد نفسها من أجل تأدية أغنية لنصر أكتوبر من تأليف صالح جدوت، وقام رياض السنباطي بتلحينها، ولكن لم تتمكن أم كلثوم من غنائها، لأنها توفيت قبل تأدية الأغنية.
بدأت الصحف تكتب عن مرض أم كلثوم، والذي ترك أثراً في نفوس جميع المصريين، كما أنّ الناس والمعجبين بدأوا بالتوافد إلى المستشفى من أجل التبرع لأم كلثوم بالدم، من أجل إكمال العلاج، ولكن انتهى صراعها مع المرض، خرج المذيعون ليعلنوا للناس خبر وفاة أم كلثوم، والذي كان خبراً صادماً ومفاجئاً للعديد من المعجبين، كما أنّ رحيلها ترك فجوة كبير في عالم الفن والطرب الأصيل، وكانت جنازة أم كلثوم أمراً هائلاً جداً، فلم يتبقى أحد في بيته إلا وخرج في الجنازة، وحملت جنازة أم كلثوم تصنيفاً من بين أكبر ثماني جنازات في العالم.
المصدر: وسائل اعلام مصرية وخليجية