فجرت الأعمال التخريبية التى قام بها تنظيم «داعش» الإرهابي فى العراق، صراعا فقهيا حول شرعية هدم التماثيل، بعد أن زعم التنظيم أنه استند إلى أحاديث نبوية وآثار وروايات ، تؤكد إباحة ما فعله.
ويدعي التنظيم الارهابي ، في تدميره الآثار التاريخية أنها كانت تعبد من دون الله، لكنه يقوم ببيعها من أجل الحصول على أموال يغذي فيها عملياته الإرهابية؟ فيبيعها أحيانا ويدمرها أحيانا أخرى.
ألم يبق الفتح الإسلامي لمصر على الآثار الموجودة بوضعها الحالي؟ ألا تندرج الآثار تحت الركاز، أم أنها عمل إنساني تاريخي وليست ملكا لفرد بل ملك للبشرية، وإرث حضارى لا يجوز التجارة به؟
وفي هذا السياق أكد مفتي مصر وعلماء الأزهر أن الآراء المتطرفة التي تدعي أن الإبقاء على هذه الآثار مُحَرَّم لأنها من ذرائع الشرك ويؤدِّي إلى أن يعتقد العوام بَرَكَة تلك الأماكن، لا صحة لها و أنها دعوى واهية؛ لأن الشرع لم يَمنع من مُطْلَق تعظيم غير الله، وإنما يَمنع منه ما كان على وجه عبادة المُعَظَّم كما كان يفعل أهل الجاهلية مع معبوداتهم الباطلة.
وقالوا إن الآراء الشاذة التى يعتمد عليها التنظيم الإرهابى واهية ومضللة ولا تستند إلى أسانيد شرعية مؤكدين أن الحفاظ على الحضارة الإنسانية أمر ضروري.
ويقول المفتي المصري الدكتور شوقي علام، إن ما قام به تنظيم «منشقي القاعدة» الإرهابي «داعش» من تدمير للآثار والتماثيل التاريخية الآشورية بمتحف الموصل في العراق بدعوى أنها أصنام يجب تدميرها، إنما هى آراء شاذة واهية ومضللة ولا تستند إلى أسانيد شرعية، خاصة أن هذه الآثار فى جميع البلدان التى فتحها المسلمون، كانت موجودة ولم يأمر الصحابة الكرام بهدمها أو حتى سمحوا بالاقتراب منها، وكانوا أقرب عهدًا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منا، بل كان منهم صحابة جاءوا إلى مصر إبان الفتح الإسلامي ووجدوا الأهرامات وأبو الهول وغيرها ولم يصدروا فتوى أو رأيًا شرعيًا يمس هذه الآثار التى تعد قيمة تاريخية عظيمة. وعند دخول الإسلام حافظ على تراث الحضارات والآثار فى مصر وبلاد الرافدين ومختلف الحضارات التى سبقت الإسلام وأبقوا على آثارها حتى وصلت إلينا كما تركوها وأن دعوات التدمير تشير إلى جهل أصحابها.
وأضاف: إن الآثار تعتبر من القيم والأشياء التاريخية التى لها أثر في حياة المجتمع والأمة، لأنها تعبر عن تاريخها وماضيها وقيمها، كما أن فيها عبرة بالأقوام السابقة، وبالتالي فإن من تسول له نفسه ويتجرأ ويدعو للمساس بأثر تاريخي بحجة أن الإسلام يحرم وجود مثل هذه الأشياء فى بلاده فإن ذلك يعكس توجهات متطرفة تنم عن جهل بالدين الإسلامي الحنيف.
وأكد المفتي أن الحفاظ على الكنوز الرائعة من الحصاد المادي للحضارة الإنسانية، التى يعود بعضها إلى العصر الإسلامي وبعضها إلى حضارات الأمم السابقة، أمر ضروري، والحفاظ على هذا التراث ومشاهدته أمر مشروع ولا يحرمه الدين، بل شجع عليه وأمر به لما فيه من العبرة من تاريخ الأمم.
وقال إنه يوجد العديد من الآيات والأحاديث النبوية التى تنهي عن هدم تراث الأسلاف مستشهدة بالآية الكريمة (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بعاد (6) إِرَمَ ذَاتِ العماد (7) الَّتِى لَمْ يُخلق مِثْلُهَا فِى البلاد (8) وثمود الَّذينَ جَابُوا الصَّخْرَ بالواد)، وهى الآية التى تؤكد ضرورة لفت الأنظار فيما تفوق فيه هؤلاء القوم، وكذلك حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وآله الذى نهى فيه عن هدم آطام المدينة والمقصود بها الحصون.
وأضاف علام، إن الآراء المتطرفة التى تدعي أن الإبقاء على هذه الآثار مُحَرَّم لأنها من ذرائع الشرك ويؤدِّى إلى أن يعتقد العوام بَرَكَة تلك الأماكن، لا صحة لها و أنها دعوى واهية، لأن الشرع لم يَمنع من مُطْلَق تعظيم غير الله، وإنما يَمنع منه ما كان على وجه عبادة المُعَظَّم كما كان يفعل أهل الجاهلية مع معبوداتهم الباطلة فيعتقدون أنها آلهة، وأنها تضر وتنفع مِن دون الله، وأما ما سوى ذلك مِمَّا يدل على الاحترام فهو جائزٌ.
وتابع: أما قولهم إن ذلك من ذرائع الشرك، لأنه يؤدى إلى أن يعتقد العوام بَرَكَة تلك الأماكن كما يدعى المتطرفون، فهو مبنى على خَلَلٍ فى مفهوم الشرك، موضحا أن الشرك هو تعظيمٌ مع الله أو تعظيمٌ مِن دون الله، ولذلك كان سجودُ الملائكة لآدم -عليه السلام- إيمانًا وتوحيدًا، وكان سجودُ المشركين للأوثان كفرًا وشركًا مع كون المسجود له فى الحالتين مخلوقًا، لكن لَمَّا كان سجودُ الملائكة لآدم، عليه السلام، تعظيمًا لِمَا عَظَّمه الله كما أمر الله كان وسيلةً مشروعةً يَستحق فاعلُها الثواب، ولَمَّا كان سجود المشركين للأصنام تعظيمًا كتعظيم الله كان شركًا مذمومًا. وطالب المفتى جميع الدول والمنظمات المعنية باتخاذ جميع التدابير اللازمة لوقف أى اعتداء أو تدمير يطول التراث الثقافي أيا كان انتماؤه أو موقعه، والالتزام والمحافظة على التراث الثقافي طبقًا للمبادئ والسياسات المقررة بالمواثيق والمعاهدات الدولية والإسلامية.
وفى السياق ذاته أكد أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الدكتور عبد الفتاح إدريس، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شدد على النكير على من يصنعون التماثيل, وأنهم يعذبون يوم القيامة, ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم, وبين أن ملائكة الرحمة لا تدخل بيتا فيه تماثيل.
وأضاف: أن هذا الوعيد تأوله فريق من العلماء فيما كان مكتمل الخلقة من التماثيل, أما ما لم يكن مكتمل الخلقة, بأن نقص منه عضو لا يحيا دونه, فلا يرد فى حقه الوعيد, لأنه لا يتأتى فيما نحت حياة دون هذا العضو الناقص, ولا يطالب بإحيائه يوم القيامة, وهو بهذا لا يضاهى خلق الله تعالى, الوارد فيه الوعيد الشديد, وفريق من الفقهاء تأول هذا الوعيد فى حق ما ينحت ويعبد من دون الله تعالى, ولذا حمل هدم رسول الله صلى الله عليه وآله سلم التماثيل التي كانت حول الكعبة يوم الفتح, خشية أن يعبدها من لم يتمكن الإيمان من قلوبهم, سدا للذريعة إلى عبادة الأوثان.
وأوضح أن في الفتوحات الإسلامية للدول فى زمن الخلفاء لبلاد وجدت بها هذه التماثيل, ومنها التى صنعتها الأمم السابقة فى العراق ومصر والشام وفارس وغيرها, ولم يقدم أحد من الفاتحين على هدم شيء منها, والتاريخ والواقع خير شاهد على ذلك, لأن المسلمين الفاتحين لديهم من الرقي والفهم واستعمال العقل, أكثر من الدواب الذين هدموا التماثيل بالعراق, وهذا يعد أبلغ دليل على أن هؤلاء لا يتبعون السلف, ولا ينهجون نهج أهل الإسلام, ولا يتصور أن يكونوا أكثر فقها وورعا وتقوى واتباعا للكتاب والسنة وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وآله سلم من الصحابة الفاتحين, الذين تركوا كل ما خلفه المصريون القدماء, والفرس, والكنعانيون, والآراميون, والبابليون.
وأعتبر إدريس، ان من يتبع هؤلاء الهمج الذين صدق فى حقهم قول الله تعالى: «وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل», والإسلام بريء من فعالهم ونهجهم. ( الاهرام)