تتصاعد يوما بعد يوم حملات التحريض والاقتحامات للمسجد الأقصى المبارك، من قبل الجماعات اليهودية المتطرفة، التي تحاول فرض واقع جديد، تعمل من خلاله على تهويد المسجد، عبر أداء الطقوس الدينية والصوات التلمودية في ساحاته، مع الدعوات المستمرة لهدم المسجد وبناء الهيكل المزعوم مكانه.
وشهدت الفترات الماضية ارتفاعا كبيرا في أعداد المستوطنين المقتحمين للمسجد الأقصى، في ظل دعوات لتوسعة باب المغاربة وزيادة ساعات الإقتحام، والعمل على تغيير الوضع الديني والتاريخي للمسجد.
ومن أبرز حملات التحريض اليهودية مؤخرا ضد "الأقصى"، قادها المتطرف "يهودا عتصيون" الذي تفاخر بقوله: "لقد شرعنا بمحاولة تفجير الأقصى، وهو مسجد محكوم عليه بالدمار ولست نادمًا على محاولتي".
وتعمل الجماعات اليهودية المتطرفة، التي تتبنى فكرة إعادة بناء الهيكل المزعوم فوق أنقاض المسجد الأقصى، استغلال مواسم الأعياد والمناسبات الدينية الخاصة بهم، للقيام باقتحامات جماعية مكثفة للمسجد، ومحاولة فرض تقسيمه زمانيا ومكانيا.
متطرفون يهود
والمتطرف "عتصيون" كان عضوًا في "التنظيم اليهودي السري" الذي حاول تفجير قبة الصخرة عام 1984، لكن شرطة الاحتلال اعتقلت أعضائه وهم في مراحل متقدمة من التخطيط، ووجدت بحوزتهم خرائط مفصلة لقبة الصخرة كانوا يخططون لنسفها باستخدام 16 عبوة مجموع زنتها 160 كغم.
وحينها، اعتبر أن استهداف المسجد الأقصى أمر ذو أولوية لدى "الحركة السرية"، وبتعبير أعضائها فإن "الهدف الحقيقي لإقامة الحركة هو إزالة المساجد من على جبل الهيكل وتطهيره لأجل بناء الهيكل الثالث".
وحكمت محكمة الاحتلال عليه عام 1984 بالسجن 7 سنوات، و3 سنوات تحت وقف التنفيذ، وبعد أن منعته سلطات الاحتلال لما يقارب 30 عامًا، عادت وسمحت له باقتحام المسجد الأقصى.
وأما المتطرف "رفائيل موريس" رئيس عصابة "العودة إلى جبل الهيكل"، فقال: "سنهدم قبة الصخرة والمسجد الأقصى بالكامل لإقامة الهيكل.. سوف نتدبر الأمر.. هذه المباني خطأ وفي المكان الخطأ".
وكان رئيس "ائتلاف منظمات الهيكل" المتطرف "يعقوب هيمن" وضع صورة له على حسابه بـ"فيسبوك"؛ وهو بجانب مسجد قبة الصخرة، وكتب: "أبحث عن مهندس متخصص في هدم المنشآت والمباني، وتقديم اقتراح لإزالة ونقل قبة الصخرة إلى الخارج، نرجو أن نحظى قريبًا بافتتاح المعبد”.
هدف استراتيجي
ولم يتوقف التحريض العنصري ضد الأقصى وقبة الصخرة، بل يتفاخر المتطرفون بالتخطيط لنسف المسجد المبارك، في وقت لا تجرؤ سلطات الاحتلال على اعتقالهم أو محاكمتهم أو حتى إبعادهم عن المسجد.
وتشكل قضية هدم الأقصى وبناء "الهيكل" المزعوم مكانه، هدفًا استراتيجيًا للجماعات المتطرفة والمستوطنين، الذين يسعون لتحقيق هذا الهدف، باعتباره أهم الأماكن المقدسة للمسلمين والعرب، ويشكل الهوية الحقيقية لهم.
ويقول عضو هيئة أمناء الأقصى فخري أبو دياب لوكالة "صفا" إن كل ما يجري من أعمال حفر وأنفاق وسحب للصخور والأتربة من أسفل وفي محيط المسجد الأقصى، وطمس لمعالمه العربية والإسلامية وتوسعة باب المغاربة وتغيير جسر تلة المغاربة، يدلل على أن هذه الجماعات تُهيئ الأجواء لهدم المسجد وإقامة "الهيكل".
ويضيف أن هذه الخطوة تُدلل على العقلية الايدلوجية ومدى العنصرية التي تتغذى بها تلك الجماعات المتطرفة، ويتلقاها عناصرها في المدارس والجامعات والمعاهد الدينية، بما يؤكد دائمًا أن الأقصى مُهدد بشكل حقيقي وخطير.
ويشير إلى ما حصل سابقًا من محاولات لإحراق المسجد المبارك واقتحامه وهدم قبة الصخرة، وإقامة "المذبح" و"تقديم القرابين" في باحاته.
وبحسب أبو دياب، فإن "هذه تهديدات حقيقية وجدية لا تتعدي فقط أشخاص، بل تدعمها مؤسسات احتلالية رسمية، وكل المؤشرات تشير إلى عزم منظمات الهيكل على هدم الأقصى".
مستويات خطيرة
وشهدت السنوات الأخيرة زيادة في أعداد المستوطنين واليهود الذين يُنادون بفكرة إزالة المسجد الأقصى وبناء "الهيكل" مكانه، ويُكثفون من مطالباتهم لأجل تحقيق ذلك.
ويشير إلى أن هؤلاء كانوا لا يجرؤون في السابق على التصريح والتحريض علنًا على هدم الأقصى، لكن اليوم أصبح الأمر واضحًا، في ظل تراخي الأمة العربية والإسلامية، وهرولة بعض الدول نحو التطبيع مع "إسرائيل".
ولا يُعاقب الاحتلال هؤلاء المتطرفين على حملات التحريض والمناداة بهدم الأقصى، في وقت يُحاكم الفلسطينيين على التحريض عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ويتابع أبو دياب "أعتقد أنهم يُحضرون لذلك، يجب على الأمة التحرك العاجل لإنقاذ المسجد الأقصى، ووقف مخططات الاحتلال ومستوطنيه بحقه قبل فوات الأوان، لأن الوضع وصل لمستويات خطيرة".
ويوضح أن هناك مخاوف مقدسية حقيقية من تحقيق مثل هذه الأطماع بشأن الأقصى، لأن "هناك تعبئة كبيرة لدى الشارع الإسرائيلي على همه وأنها مكانًا مقدسًا لليهود، ويجب إبعاد المسلمين عنه".
ولمواجهة أطماع الاحتلال ومستوطنيه، يحب تكثيف الرباط وإعمار المسجد الأقصى بشكل دائم، بالإضافة إلى تنفيذ وتفعيل الوصاية الأردنية الهاشمية على المسجد، وأن تكون هناك ردة فعل في العالم العربي والإسلامي ترتقي لمستوى المخاطر والتحديات التي تواجهه.