يعكس إصرار أنقرة الرسمي، الذي أوردته صحيفة (توديز زمان) التركية في 30 إبريل الماضي، على وجوب دعوة منظمة التعاون الإسلامي لحضور قمة الناتو في شيكاغو 20 الشهر الجاري، مقابل الدعوة القائمة للاتحاد الأوروبي، قضية ظاهرها إرهاصات مشكلة قديمة مع أوروبا، وباطنها يضع بعض النقاط على الحروف، إزاء بلورة كتلة إسلامية سياسية باتت تفرض نفسها على الساحة الدولية، وبخاصة في الجدلية الأفغانية التي تتصدر جدول أعمال القمة.
فلم تعد (التعاون الإسلامي) مجموعة دولية تحظى بالمجاملة في قضايا ثقافية عابرة، بل تحولت في سنواتها القليلة الماضية إلى أداة سياسية فاعلة وقادرة على جسر الهوة التي غذتها عودة النزعة الدينية الناشئة في كثير من دول علمانية مسلمة، وما أسبغته من حتمية أضافت البعد الديني (الثالث)، جنبا إلى جنب، مع البعدين الوطني والإقليمي، في كثير من القضايا.
فـ (التعاون الإسلامي)، التي أعادت ترتيب بيتها الداخلي منذ عام 2005، باتت رقما لا يمكن القفز فوقه من دون خوض معادلة حسابية صعبة، والمخاض الذي مارسته منذ 2008 وحتى اللحظة، وفق خطوات متأنية ومدروسة، أماط اللثام عن الحلقة المفقودة التي تقارب بين المجتمع الدولي، ودول مثل أفغانستان والصومال من جهة، والوجه السياسي الآخر لاحتقانات تلك الدول من جهة ثانية، والتي تستعصي معضلاتها الداخلية على الحل، في كل مرة يتم فيها تجاوز مجالها الحيوي الإسلامي.
وفي المقابل، يمكن أن تتطور القضية الفلسطينية في أية لحظة من الآن إلى مسألة إسلامية بحتة، إذا ما أقدمت إسرائيل على خطوة جامحة ضد المسجد الأقصى، والمقدسات الإسلامية في القدس، بالإضافة إلى أن استحواذ التيارات الإسلامية على الحصص الأكبر في برلماني مصر وتونس، والقوة الكامنة لها في ليبيا، دفعت باتجاه لزوم إعادة قراءة رؤى الشارع العربي، وطموحاته التي تحولت من الوحدة القومية، إلى البواعث الدينية المطلوبة للنهوض، كما أن انضواء جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة تحت مظلة المنظمة، أيقظت سبات منطقة آسيا الوسطى على وقع مغاير تماما للفكرة الثقافية التقليدية التي عاشتها تلك الدول طوال فترة حكم استبعد العوامل الدينية من حساباته.
في المقابل، يشكل الإطاران العربي والإسلامي محور الكتلة الدولية الثالثة التي لطالما عرفت باسم (عدم الانحياز)؛ الحركة التي جرى تأسيسها في عام 1961 أي قبل تأسيس منظمة التعاون الإسلامي، أو (المؤتمر الإسلامي)، كما كانت تعرف في ذلك الوقت، بنحو ثماني سنوات، إلا أن انهيار المعسكر الشرقي، قابضا معه بقايا الإيديولوجية اليسارية، واستدارة العالم في فكرة رأسمالية واحدة تقريبا، قلل من فعالية هذه الحركة التي تتخذ من الحياد سياسة مناظرة لها.
لكن يبدو أنه لم يتبق لـ (عدم الانحياز)، سوى التناغم مع فكرة (التعاون جنوب – جنوب) التي تفسح المجال لخلق كتلة اقتصادية كبيرة ومتحدة، في مقابل التيار الرأسمالي الجارف القادم من دول الشمال، أي أن الحركة، أبقت على ديناميكيتها في الانحياز لمنفعة دول العالم الثالث، وحماية مصالحه التي تشرذمت بعد انهيار معسكر وارسو، وهو ما تجلى في تشظي يوغسلافيا السابقة، وانكفائها السريع في أحضان المعسكر الغربي بحكم الالتصاق الجغرافي.
بيد أن مراقبين يؤكدون أن (عدم الانحياز) التي سوف يلتئم اجتماعها الوزاري في شرم الشيخ 9 ـ 10 مايو الحالي، لا تزال المجموعة الأقدر ضمنا على فرض كلمتها في حركة الإصلاحات الداخلية في الأمم المتحدة، فضلا عن كونها تضم دول أمريكا الجنوبية التي يستشيط معظمها بشعور معادي للسياسات الغربية المهيمنة، وتشكل قوة أساسية في رصيد الحركة، وهو امتياز تفتقر إليه (التعاون الإسلامي – 57 عضوا) التي يصل عدد أعضائها تقريبا إلى نصف عدد أعضاء (عدم الانحياز – 120 عضوا).
ومع ذلك فإن جغرافيا التعاون الإسلامي، حيث تتكاثف الأزمات السياسية، والتداخلات الاقتصادية، جعل من موقعها نطاقا استراتيجيا صعب المراس، يربط بين قارات العالم القديم (آسيا وإفريقيا وأوروبا)؛ فضلا عن أن الثروة النفطية التي تصب في وسط العالم الإسلامي، أوجدت تجاذبات دولية نافذة، وصراعات، وحروبا ثنائية وإقليمية حصرت الحراك السياسي في دائرة مغلقة، ومتداخلة تتعاظم فيها فرص انخراط (التعاون الإسلامي)، يوما بعد يوم، على حساب النظرة التقليدية نحو الآخر، والتي فرضتها ثنائية القطبية في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.