القصور لهم والأكفان لنا: عبارة لا تثير الكثيرين في الساحل السوري

تاريخ النشر: 14 أكتوبر 2012 - 09:17 GMT
صورة عن الانترنت لمن يوصفون بالشبيحة
صورة عن الانترنت لمن يوصفون بالشبيحة

سوريا-البوابة

عبارة "القصور لهم، والأكفان لنا"، التي يرددها بعض أهل الساحل السوري من الطائفة العلوية، خاصة من فقد منهم أحدا من عائلته في أحداث الثورة السورية، أو من لم يمسه اثر النعمة التي بدت على الكثيرين خلال حكم حافظ وبشار الأسد. لا تزال غير مسموعة جيدا، وتعرض عنها غالبية الطائفة المرعوبة من الآتي.

لا يعرف أحدا على وجه التحديد عدد القتلى الذين يصلون يوميا إلى قرى ومدن الساحل السوري التي تقطنها غالبية الطائفة العلوية التي بالكاد تشكل 2% من عدد سكان سوريا، لكنها تعتبر نفسها، ويعتبرها النظام خط الدفاع الأول عنها.

وقد راهن البعض على ان زيادة أعداد القتلى من الطائفة العلوية ستدفع بأبناء هذه الطائفة إلى التمرد على النظام الذي زجها بحربه ضد الثورة السورية. فابناء الطائفة هم الرافد الاساسي للجيش والشبحية الذين يواجهون الثوار.

يقول احد النشطاء المعارضين لنظام بشار الأسد على صفحته عبر الفيسبوك:" هناك تذمر لدى العديد من أبناء الطائفة العلوية نتيجة لاستمرار الثورة، وتواصل وصول جثث قتلى أبنائهم، مع عدم وجود افق لنهاية الثورة. كما بدأت تبرز للسطح جمل من نوع "نحن نقاتل عن بشار، وغدا هو يسافر إلى ملجأ، ويتركنا"، أو عبارات على شاكلة "نحن نقاتل في سبيل من؟، ولماذا يقتل أبناؤنا؟، وإلى متى؟".

 ويعتقد على نطاق واسع في سوريا أن انفضاض الطائفة العلوية عن النظام وتمردها عليها هو الامر الذي سوف يحسم الثورة ويحقق لها النصر، لكن هذا الرهان يبدو بعيدا عن التحقق.

 وقد استبشر أصحاب وجهة النظر هذه خيرا عندما وقعت أحداث القرداحة، المعقل الحصين لبشار الأسد، وعندما ظهر عدة نشطاء علويين وقاموا بتوزيع بيانا أعلنوا فيه رفضهم زج الطائفة بمعركة النظام.

فالتذمر هذا الذي يراهن البعض على تحويله تمردا لم يثمر بعد، ويبدو انه لن يثمر على المدى القريب.

فالطائفة العلوية التي استفاد اغلب أبنائها من نظام حافظ وبشار الأسد، وشهدت مدنهم وقراهم تطورا ملموسا لا تخشى على هذه المكتسبات وحسب بل تخشى من عمليات انتقام واسعة النطاق ضدها في حال انتصار الثورة.

ويغذي هذه المخاوف الوجه الذي أعطته وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية للثوار السوريين بوصفهم ثورا اسلاميين من أهل السنة المتشددين.

سميرة،35 عاما، من احدى قرى جبلة، موظفة باحد البنوك، متزوجة من ضابط برتبة نقيب يخدم في احدى قرى درعا التي تشهد معارك حامية الوطيس بين الثوار والجيش النظامي من حين الى اخر.

سميرة بالكاد تشاهد زوجها فهو منذ اندلاع الثورة في حالة استنفار كاملة، وحتى عندما تهدأ الأوضاع، أو يحصل على إجازة، فهو يفضل أن يبقى في وحدته العسكرية على تحمل مخاطر السفر بين درعا وجبلة حيث خطر تعرضه للقتل أو الخطف أكثر احتمالا من وصوله سالما.

تقول:" لقد وهب زوجي حياته من اجل الوطن، ولو قتل فسوف أقيم لها عرسا كشهيد، فهو ليس أفضل ممن سبقوه. وان أتقضى الأمر ان اترك منزلي وأطفالي والتحق بإحدى الوحدات أو باي عمل يطلبه الجيش مني فلن أتردد".

الطائفة العلوية التي عانت من التهميش والفقر طويلا، وعانت من "المجازر" ابان الحكم العثماني، كما تقول بعض كتبهم. ذاقت حلاوة السلطة مع وصول حافظ الاسد الى الحكم واستناده للطائفة خاصة بعد احداث ثمانينيات القرن الماضي بين السلطة والإخوان المسلمون.

وقد ادى استناد النظام السوري ابان حكم الاسد الاب والابن الى تزيف وعي الطائفة، كما يقول احد المفكرين السوريين بجعلها تتماهى والنظام.

وقد عمد النظام سابقا الى ملاحقة واعتقال واحتواء كل أبناء الطائفة المعارضين الذين كانوا يشكلون عماد الاحزاب اليسارية والعلمانية و"المتطرفة: منها تحديدا، ولم ينجو من هذه السياسة سوى عدة أفراد وان كان بينهم عدد من المعروفين مثل الروائية سمر يزك والمخرج أسامة محمد وكاتب السيناريو فؤاد حميرة وآخرين.

ريم،44 عاما، كانت عضو في الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي، وقد اعتقلت عدة مرات بسبب انتمائها لهذا الحزب "السري" وخاصة بعد موقفه من احداث حماة التي رفض فيها موقف النظام. تقف الان لتدافع عن النظام الذي اعتقلها وعذبها.

تقول ريم:" ما يجري في بلدنا ليس ثورة، انها مؤامرة سلفية مدعومة من الاميركان وقطر والسعودية وتركيا وكل الدول الرجعية في المنطقة.".

واذا كانت ريم تتفق مع "مطالب الثوار الحقيقيين"، كما تصفهم، وهم اهل معارضة الداخل، فانها ترفض بشدة ما تصفه بمعارضة الخارج والمعارضة المسلحة. وتطالب "الرئيس بشار والجيش العربي السوري بسحق هذه العصابات دون هوادة".

عيسى،56 عاما، كان احد أعضاء حزب العمل الشيوعي "السري"،اعتقل 16 عاما في السجون السورية، لا يزال معارضا للنظام بشدة. لكنه يبدو منبوذا وشبه وحيد في القرية.

يقول:" الوقت لا يزال باكرا لتستيقظ الطائفة من هذه الحرب التي تخاض بدماء انبهائها وباسمها، ولا تزال غالبيتها تساند النظام بشدة اما بسبب مصالح و بسبب المخاوف. ومن الصعب واحيانا من شبع المستحيل علي او على اي اخر ان يبدي وجهات نظر معارضة للسائد في الطائفة فقد يترع ضاما للاتهام بالخيانة او حتى الموت وبعضهم يحرض ضدي قائلا بيننا عرعور (نسبة الى رجل الدين عدنان العرعور) في الضيعة".

والحال ان مخاوف الطائفة العلوية مما قد يحدث من عمليات انتقام بعد انتصار الثورة، هذا العامل الذي يعتقد الكثيرين انه سبب عدم تمردهم على النظام دفع بالمجلس الوطني الى ادصار بيان يخاطب فيه الطائفة محاولا طمأنتها:

وجاء في البيان: "نطمئن اهلنا العلويين وجميع السوريين من كل الاتجاهات والتيارات والاطياف ومن جميع المكونات القومية والدينية والطائفية ان المسؤولية القانونية ستطال المرتكبين انفسهم فقط"

لكن بيان الطمأنة هذا وقع على اذان صماء، فلا يزال تمرد الطائفة المنشود بعيدا، ولا يعدو مجرد كونه املا صعب التحقق رغم كل الحوادث التي وقعت ورغم وجود اصوات علوية معارضة للنظام ورغم اكفان الموتى التي تصل الى قرى ومدن الساحل السوري يوميا.

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن