يتجدد الجدل كل عام حول الاحتفال بذكرى المولد النبوي بين قائل بانه بدعة لا تجوز ومن يؤكد خلاف ذلك ويعتبر الآراء التي تحرم الاحتفال مخالفة لإجماع الأمة.
ولا يتوقف الخلاف بين علماء الفقه على مقاربة الاحتفال بذكرى المولد النبوي فحسب، لا بل ان تاريخ ولادة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، هو الاخر محطّ اختلاف بينهم.
وفيما تميل معظم المراجع للرأي القائل أنّ النبي ولد ولد في شهر ربيع الأول بحسب التقويم الهجري، إلا أنّ السُنة يحتفلون بالذكرى في 12 ربيع الأوّل، بينما يحتفل الشيعة بها في 17 منه. لذلك يعدّ شهر ربيع الأول بأكمله، شهراً للاحتفال.
وتشير السيرة إلى تفاصيل متنوعة حول ولادة النبي صلى الله عليه وسلم، الثابت منها أنّه ولد يوم اثنين، لأنّه حين سئل عن سبب صيامه هذا اليوم من كل اسبوع، قال إنّه يوم مولده.
كما تميل المراجع إلى القول بميلاده في عام الفيل، أي بين عامي 570 و571 للميلاد، وهو العام الذي سمّي نسبة إلى هجوم حاكم اليمن أبرهة الحبشي على مكّة، ومحاولته تدمير الكعبة، في حملة استخدمت فيها الفيلة، بحسب الرواية السائدة.
بدايات الاحتفال بذكرى المولد النبوي
تنسب بداية الاحتفال بذكرى ميلاد النبي إلى الخليفة الفاطمي المعز لدين الله بعد دخوله إلى مصر في عام 969 للميلاد.

وترى مرجعيات تاريخية أنّ إطلاق احتفالات منظّمة بمولد الرسول وعدد من أهل بيته، كان وسيلة ذلك الخليفة للتقرّب من المصريين، عبر مناسبات عامة يطغى عليها السرور.
ومع تغيّر الحكم، وتعاقب الخلافات الإسلامية، كان الاحتفال بالمولد يخفت ثمّ يعود، تبعاً لأولويات السلطة. هكذا منعه الأيوبيون، ثمّ سمح به المماليك، وهكذا دواليك، حتى تحوّل إلى تقليد صوفي في عهد محمد علي باشا.
وتعدّ الطرق الصوفية أكثر المذاهب اهتماماً بإحياء المولد النبوي، وموالد الأولياء الصالحين عموماً. هذه الاحتفالات من التقاليد الراسخة في مصر حيث المدّ العريض للتيارات الصوفية، مع تنوّع أساليب التعبير بين إنشاد وحلقات ذكر، ومواكب.
ويذكر الإمام أبو شامة المقدسي وهو فقيه شافعي، أن أول من احتفل بالمولد النبوي بشكل منظم هو معين الدين الإربلي المعروف بالملاء شيخ الموصل في عصره، ( ت: 570هـ) وقيل: إنه كان يحتفل بها سنويا بحضور الشعراء والأمراء في زاويته.
حلوى وحلقات واناشيد
ويذكر الإمام جلال السيوطي وهو شافعي ايضا، أن أول من احتفل بالمولد النبوي هو ابن بكتكين حاكم أربيل شمالي العراق. لكن الأشهر هو عناية الدولة العبيدية الشهيرة بالفاطمية بالمولد، حيث كانت تحمل صواني الحلوى إلى الجامع الأزهر، ثم إلى قصر الخلافة حيث تلقى الخطب ويدعى للخليفة.

كما كانت الدولة الأيوبية تحتفل بالمولد النبوي وينفق فيها أموال طائلة على الفقراء وغيرهم، ويجتمع الصوفية والفقهاء والوعاظ والشعراء، فتنحر الإبل والبقر والغنم وتطبخ ويأكل الناس.
واتخذ الاحتفال في الخلافة العثمانية شكلا آخر، حيث كان يحتفل بالمولد كل عام في مسجد معين، ولما كان عهد السلطان عبد الحميد الثاني اقتصره على الجامع الحميدي، ويخرج العلماء والناس في ليلة الثاني عشر من ربيع فيدخلون المسجد، مع السلطان، فيقرؤون القرآن ثم يقرؤون قصة مولد النبي ثم كتاب دلائل الخيرات في الصلاة على النبي.
وبعدها ينتظم بعض المشايخ في حلقات الذكر فينشد المنشدون وترتفع الأصوات بالصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، ثم في صبيحة يوم 12 من ربيع الأول يجيء كبار الدولة لتهنئة السلطان.
وفي المغرب الأقصى اتخذ الاحتفال شكلا قريبا من احتفال الخلافة العثمانية، حيث يجمع المؤذنون ويخرج السلطان فجر يوم المولد فيصلي بالناس ثم يجلس على أريكته ويدخل الناس حسب طبقاتهم، ثم يتقدم أحد الوعاظ لسرد جملة من فضائل النبي ومعجزاته، ثم يقوم الشعراء والمداح، فإن انتهوا، بسطت موائد الطعام للناس.
فتاوى متعارضة
في العصر الحالي، تصدر الفقيه السعودي الراحل الشيخ عبد العزيز بن باز القائلين بعدم جواز الاحتفال بالمولد باعتبار ذلك بدعة.

وبحسب ما يقوله بن باز في هذه المسألة، فان "الاحتفال بالموالد إنما حدث في القرون المتأخرة بعد القرون المفضلة بعد القرن الأول والثاني والثالث، وهو من البدع التي أحدثها بعض الناس استحسانًا وظنًا منه أنها طيبة".
ويضيف ان "الصحيح والحق الذي عليه المحققون من أهل العلم أنها بدعة، الاحتفالات بالموالد كلها بدعة، .. لأن الرسول ﷺ لم يفعله ولا أصحابه ولا خلفاؤه الراشدون ولا القرون المفضلة، كلها لم تفعل هذا الشيء، والخير في اتباعهم لا فيما أحدثه الناس بعدهم".
ويتابع بن باز قائلا انه "ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: إياكم ومحدثات الأمور، وقال عليه الصلاة والسلام: وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة، وقال عليه الصلاة والسلام: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد يعني: مردود".
وعلى صعيدها، اكدت المؤسسات الدينية في مصر المتمثلة في دار الإفتاء أو الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، مشروعية الاحتفال بالمولد، وأن الفتاوى التي تحرم ذلك مخالفة لإجماع الأمة.
دار الإفتاء قالت من جانبها إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، جائز شرعًا، وليس بدعة أو حرام كما يدعي البعض، مستدلة بصوم النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، وبقوله: إِنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي وُلِدْتُ فِيهِ، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيه، مشيرة إلى أن الحديث يؤكد أن الاحتفال جائز، وأن ما يدعون أنه بدعه ليس لديهم أية أدلة.
فيما، قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن الاحتفال يُعد تعظيمًا للنبي صلى الله عليه وسلم، مؤكدًا أن الآراء التي تحرم الاحتفال تخالف إجماع الأمة، التي أكدت جواز الاحتفال بمولد سيد الخلق وإمام العالمين.واستدل بحديث النبي الذي قال فيه: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين.
أما وزارة الأوقاف، فأكدت أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم برد نص بتحريمها، وبما أنه لا يوجد نص يحرم الاحتفال بالمولد النبوي ، فمن الجائز الاحتفال. مضيفة أن شراء الحلوى في هذه المناسبة، لا شيء فيه، مضيفة أن تحدث غير المتخصصين يؤدي إلى إحداث البلبلة والجدل.