حلم أردوغان في الخلافة... هل قضى عليه مرسي؟

تاريخ النشر: 28 يوليو 2013 - 12:45 GMT
أردوغان ومرسي.
أردوغان ومرسي.

..وها أنا كنت أظن أن مصر قد ضاعت إلى الأبد، وسقطت في يد من كان سيجعلها إيران أخرى.

كنت أظن أن الفتنة الكبرى، لهذا الزمان، قد بدأت مع كلمة الشيخ حسان الداعية الإسلامي في مؤتمر القوى الاسلامية لتنشر الفتنة بين المصريين في حضور الرئيس مرسي، الذي لم يحرك ساكنا. وبعدها بأيام بدأت خطب الجمعة بجميع مساجد مصر تعمل على نشر الكراهية وتحريض المسلمين وجميع الأقليات على بعضهم بعضاً، كأن سكوت الرئيس على مثل هذه الخطب كان علامة رضا وبمثابة إشارة لهؤلاء الشيوخ أن يبدأوا دق طبول الحرب، ليس ضد دولة أو ممارسة معينة أو نظام سياسي بعينه، لكن ضد كل مصري لا ينتمي إليهم ولا يؤمن بتطرفهم، وفعلاً لم تمضِ أيام حتى سمعنا عن ارتكاب جرائم بشعة ضد أقباط ومسلمين أيضاً، لكن هم بالنسبة لهم مسلمون درجة ثانية، أو ثالثة، ومعظم الوقت ملقبون بالكفار.

لم يكن يتوقع أحد سقوط «الإخوان» بهذه السرعة، وبالذات بعد كلمة الفريق عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع، يوم الثاني عشر من مايو الماضي، أمام جمع من الأدباء والفنانين، التي أكد فيها ضرورة إيجاد توافق سلمي بين النظام الحالي والمعارضة، وقال إن «محدش هيشيل حد»، وإن «الجيش لن ينزل إلى الشارع ليغير أنظمة، وإذا نزل فإن مصر ستعود إلى الوراء ‬40 عاماً»، وحث على الوقوف أمام صناديق الاقتراع، ولو لمدة ‬15 ساعة أفضل من تدمير البلد.

قد يكون هذا أكبر دليل على أن عزل الرئيس مرسي كان عملا وطنيا واستجابة لمطالب الشعب، ولم يكن مخططا له، وإلا لما أعطى السيسي إشارة واضحة إلى الجميع بأن يتخلوا عن فكرة انقلاب عسكري على الحكم، رغم انطلاق حركة «تمرد»، يوم السادس والعشرين من أبريل الماضي، ونجاحها في جمع مئات الألوف من التوقيعات في أول أيامها، وبدء الدعوات للنزول لتظاهرات حاشدة ضد «الإخوان» يوم الثلاثين من شهر يونيو الماضي، ثم جاء اليوم الموعود حيث نزل أكثر من ‬30 مليون مصري في جميع أنحاء مصر، واستجاب جيش مصر العظيم لشعبه، وسقط نظام «الإخوان» بعد عام واحد من الحكم.

كان أمام «الإخوان» فرصة ذهبية للتربع على عرش مصر لعشرات السنين، لو أنهم فقط حذوا حذو حليفهم رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي، الزعيم الوحيد، الذي بدا غاضباً ومرتبكاً وتخلى عن حذره في التعليق على أحداث ثورة ‬30 يونيو ـ على عكس جميع زعماء الدول الأخرى ـ وأطلق تصريحات ضد الجيش المصري للتحيز لما أسماه الأقلية، وضد ازدواجية معايير الدول الغربية، لعدم تسميتها ما يحدث بمصر بالانقلاب العسكري، وعدم الدفاع عن مبادئ الديمقراطية وشرعية الصندوق، وأعرب عن تقديره للاتحاد الإفريقي لتعليق عضوية مصر، وبدأ يشير إلى الانقلابات التي حدثت في تركيا وتوعد بمحاسبة أي قائد انقلاب مهما طال الزمن.

حين بدأ أردوغان حياته السياسية كان برعاية نجم الدين أربكان، الأب الروحي للإسلام السياسي في تركيا، الذي أسقطه الجيش التركي ـ في رابع انقلاب له منذ عهد كمال أتاتورك ـ في ‬30 يونيو عام ‬1997، بعد عام واحد على توليه رئاسة الوزراء، بعد أن نادى إلى التقرب مع إيران، والبعد عن «الغرب الكافر»، على حد قوله.

بعد أشهر عدة من عزل أربكان، وفي العام نفسه، ألقى أردوغان خطابا وسط مؤيديه، قائلا: «مساجدنا ثكناتنا، قبابنا خوذاتنا، مآذننا حرابنا، والمصلون جنودنا»، فتم سجنه لمدة أربعة أشهر بتهمة إثارة الفتنة، والتحريض على الكراهية الدينية، فطن أردوغان إلى ضرورة تبني صورة إسلام أكثر وسطية، ليصمد أمام جيش مترقب لأي محاولة تغيير لهوية تركيا المدنية، وبذلك نجح في الفوز بانتخابات رئاسة الوزراء عام ‬2003. وفي أول خطاب له أعلن عن نيته دعم ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، الذي في ظاهره يؤكد مدنية الدولة، لكن في باطنه يضمن تقليص صلاحيات الجيش، الذي وقف عاجزاً عن التحرك، لكون الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كان مطلب المدنيين، وهو الذي قام بالانقلاب على أربكان بدعوى حمايتهم.

وعلى مدى السنوات العشر التالية، نجح أردوغان تدريجيا في السيطرة على الحكومة، والشرطة والرئاسة، والمحكمة الدستورية، وأغلق المؤسسات الإعلامية المعارضة، وزج بكل صحافي معارض لنظام الحكم في السجن، إلى درجة صارت تركيا تحتل المركز الثالث بعد روسيا والصين، في عدد الصحافيين المسجونين، طبقاً لتقرير منشور في مجلة الايكونوميست البريطانية، وتقهقرت تركيا من المركز الـ‬99 في عام ‬2002 إلى المركز الـ‬154 في عام ‬2013، بالنسبة إلى حرية التعبير عن الرأي، طبقاً للتقرير السنوي لـ«مراسلون بلا حدود»، وأخيراً السيطرة على الجيش، عندما نجح في إطاحة جميع أفراد قيادته عام ‬2011 واستبدالهم بأهل «الثقة»، ومن يدينون له بالولاء.

هكذا فعل أردوغان، إنما على مدار ‬10 سنوات، والأهم أنه في المقابل اهتم بالاقتصاد وحول تركيا من دولة على وشك الإفلاس إلى الدولة رقم ‬17 على العالم عام ‬2012 من حيث حجم الاقتصاد، واهتم بتحسين مستوى المعيشة للفرد الذي تضاعف دخله أكثر من ثلاث مرات، الأمر الذى جعل شعبية حزبه تتزايد على مدار ثلاث دورات انتخابية برلمانية، رغم جميع سلبياته، ورغم بعض الافعال الاسلامية المتشددة، مثل إعادة ترميم كنيسة قديمة وإعادة فتحها مسجداً، ومثل قطع رأس تمثال (على طريقة طالبان) بمدينة تركية صغيرة على الحدود مع أرمينيا. هذه الشعبية المتزايدة شجعته على الإفصاح عن نيته لتغيير الدستور، لتبني النظام الرئاسي، إذ إن الدستور الحالي لا يسمح له بالترشح لرئاسة الوزراء مرة أخرى.

كان واضحاً أن الأولوية عند «الإخوان» بمصر هي السيطرة على جميع مفاصل الدولة، في أسرع وقت ممكن، مهما كانت الخسائر ودون أي اعتبارات، فكان الهجوم على المشير محمد طنطاوي وزير الدفاع السابق، واللواء مراد موافي رئيس الاستخبارات، الذي انتهى بعزلهما، والانفراد بكتابة دستور «إخواني»، وفرضه بالقوة على جميع فئات الشعب، دون التوافق عليه، ثم دعوات تطهير الداخلية، والسيطرة الكاملة على الحكومة، والمحافظين، والهجوم الضاري على القضاة والمحكمة الدستورية، وتغيير أعضائها، والهجوم على جميع الإعلاميين، ومالكي القنوات الفضائية المعارضة للنظام، كل هذا في غضون أشهر معدودة، في الوقت الذي تراجعت فيه جميع المؤشرات الاقتصادية، وازداد المواطن المصري فقراً.

يبدو لي أن غضب أردوغان سببه سوء أداء «الإخوان»، بعد أن فتح لهم أبواب البيت الابيض بعد ثورة ‬25 يناير، وساندهم طوال العامين الماضيين، وقد يكون سببه هو إيقانه أن فشلهم الذريع قد قضى على حلمه لعودة الخلافة، منذ أن انتهت عام ‬1927 على يد كمال أتاتورك، الذى يلقبه أردوغان بالمخمور، وقد يكون ارتباكه بسبب ذعره من إمكانية تكرار سيناريو محمد مرسي معه شخصياً، على يد الجيش التركي الملقب بحامي حمى العلمانية.

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن