لبنان: «مـازوشيـة» الكهـربـاء

تاريخ النشر: 26 يناير 2012 - 04:08 GMT
عندما يحصل المواطنون على الكهرباء من المولدات الخاصة، أكثر من الشبكة، فذلك يعني قعر الانحدار في تقديم أكثر الخدمات حيوية لكل مواطن
عندما يحصل المواطنون على الكهرباء من المولدات الخاصة، أكثر من الشبكة، فذلك يعني قعر الانحدار في تقديم أكثر الخدمات حيوية لكل مواطن

لم يعد أي مواطن مقيم في لبنان، يطيق المزيد من الشرح عن أزمة انقطاع الكهرباء، لأن جميع الأسباب معروفة، وتكرارها أصبح مجرّد نوع من التعذيب، مثل المياه التي تتقاطر نقطة فنقطة فوق رأس سجين... حتى يصرخ من تلف أعصابه. الحقيقة الوحيدة القائمة حاليا، هي أن جميع المواطنين خارج بيروت، يحصلون على التغذية بالتيار الكهربائي من المولدات الخاصة، أو عبر نظام «اليو بي إس»، لمن لا يستطيع الاشتراك في المولد الكهربائي.

ويزيد عدد ساعات التغذية من خلال تينك الوسيلتين على عدد ساعات التغذية من شركة الكهرباء، بالوقائع التي لا تنفيها أي تصريحات. وبالتالي يجب معرفة كميات إنتاج المولدات وأنظمة اليو بي إس من الكهرباء، من أجل تعيين وزيرين للطاقة في لبنان، يختص الأول بشركة الكهرباء، والثاني بالمولدات، وعندها يختار المواطن مع أي وزارة سوف يتعامل، ويلغي اشتراكه مع شركة الكهرباء التابعة للدولة ويبقيه مع المولّد. ولنر من منهما سيربح في النهاية، فمنصب وزارة الطاقة هو منصب اخترع خارج لبنان، وحتى اليوم، ليس في لبنان طاقة ليكون لها وزارة. يسري ذلك على جميع العهود.

وعندما يحصل المواطنون على الكهرباء من المولدات الخاصة، أكثر من الشبكة، فذلك يعني قعر الانحدار في تقديم أكثر الخدمات حيوية لكل مواطن. وقد صادف أن تم اختراع الكهرباء في بلاد غير بلادنا، ولم ينتبه المخترع لنوعية السلطات السياسية التي ستكون مسؤولة عنها.. وإلا لكان صنف لبنان خارجها حتما. وبما أننا توهمنا أنه يمكن الحصول على التيار الكهربائي، مثل باقي خلق الله، في ظل سلطات سياسية متوالية علينا كهذه... فقد توهمنا أيضا أن باستطاعتنا استخدام جميع الأدوات الكهربائية التي اخترعت أيضا في بلاد غير بلادنا... وإلا وجب علينا المكوث من دون براد وغسالة وتلفزيون وكمبيوتر وهاتف، كأدوات ضرورية، أما ما هو غير ضروري فيصعب عده. وتلك الأدوات تخرب أيضا بسبب تكرار الانقطاع في التيار، لأنه عندما يحلّ تيار الشركة في المنازل والمؤسسات، فإنه يستمر في الانقطاع مرارا في خلال الساعات القليلة الممنوحة، إما لضعف الشبكة، أو بسبب الضغط على الخطوط الناجم عن التعديات.

وتحضر أطرف النصائح هنا، وهي ضرورة الضغط بشكل جيد على زر الكهرباء، كي لا يحترق المصباح، ولكن ماذا عن مصير جميع الأدوات الكهربائية الأخرى التي تحترق عندما تتفاوت قوة التيار؟ هل ينتبه وزير الطاقة أو رئيس مجلس النواب أو الحكومة أو النواب، أو زعماء الأحزاب، لنوعية الحياة مع عداد كهربائي؟ طبعا لا . «يتك»... فينزل المحول، ثم يأتي، فيجب رفعه، ويتكرر الأمر مرات عدة خلال ساعات التغذية، فيترتب على أحد افراد المنزل الاستنفار بالقرب من المحول... وهكذا حتى تنهك الأعصاب. يحصل ذلك يوميا ومنذ سنوات. أما كيف لم يذهب هؤلاء جميعا إلى مستشفيات الأمراض العقلية بعد... فربما هم مخدرون أو يائسون أو يسرقون.

الكهرباء ليست مسألة صراع على نفوذ سياسي، إنها مسألة تخص كل فرد، كل تلميذ يريد أن يعدّ دروسه، كل طفل يخاف من العتمة، كل امرأة تريد أن تنتقل في أرجاء المنزل، كل رجل يريد ألا يرى الاضطراب اليومي بين أفراد عائلته. وكل الذين يريدون أو يعتقدون أن الكهرباء هي موضوع للصراع على النفوذ هم مجرمون بكل المقاييس والمعايير... لو ركعوا على سجاجيد الصلاة ليل نهار، ولو ذهبوا إلى الحج ألف مرة... ولو زاروا كل الكنائس والجوامع، ولو حاضروا في السلوك الإنساني ألف محاضرة كل يوم... من أقصى المتدينين إلى أكثر الملحدين. ومعهم كل السياسيين ورجال الدين الذين ينتقدون من على منابرهم الخاصة عدم حل أزمة الكهرباء، خاصة إذا كان بينهم من هم في مواقع القرار... وفي أقوى مواقع القرار. هي جريمة بكل المقاييس... لأنها تعطل الحياة وتوترها وتجعلها سقيمة. ومع ذلك، لم يجتمع الحكّام على حلها وتبرئة أنفسهم منها، بشكل كاف وواف بعد انتهاء الحرب مباشرة، وليس بعد اثنتين وعشرين سنة على انتهائها.

بعد اثنتين وعشرين سنة يتجرأون على التصريح مجددا بأكثر العبارات إثارة للغثيان بأنه توجد أزمة كهرباء يجب إنهاؤها، ويتبادلون الاتهامات عن المنع أو التقصير أو العرقلة، وتصل الجرأة ببعضهم إلى حد القول إنه سيتظاهر مع المواطنين، وكأن الذي يجب أن يوفّر الكهرباء سوف يأتي من سطح القمر أو المريخ... يتجرأون على القول إن فئة معينة أو زعيما أو رئيسا يعرقل الخطة لأسباب انتخابية أو سياسية أو «بلوط ممسمر». كم انتخابات نيابية حصلت حتى اليوم؟ وكم موضوعا استخدم فيها للصراع على النفوذ؟

وما هي وسائل التعذيب التي يمكن استخدامها بعد أكثر من المكوث في منزل يفترض أنه مأوى الإنسان ومكان راحته... فإذا به يتحول إلى لعنة كهربائية، يرغب فيها كل فرد لو تحمله ريح الشتاء إلى أطراف الأرض، بعيدا عن سماع الكلام السياسي الممجوج... أو أن يتماهى مع العذاب، ولقد تماهى، حتى أصبح السؤال هل تكون المازوشية، (وتعني تعذيب الذات) جماعية، لكي يرضى الناس بتعذيب أنفسهم، ولا يخرجوا رافضين، ومحتجين، ومطالبين وصارخين في وجه كل من يتفوه بعد بالحديث عن أزمة كهرباء من دون تأمين الحل المباشر والسريع... مهما كان الذي يتحدث ومهما علت رتبته، فلا احد أهم وأعلى من موجبات التخلص من هذه اللعنة.

زينب ياغي

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن