الخلافات الأممية حول سوريا هل تقود الى عالم متعدد الأقطاب؟!

تاريخ النشر: 22 مايو 2011 - 09:35 GMT
البوّابة الدمشقية لأيران تشكل محور اهتمام أجهزة شبكات المخابرات الأسرائيلية
البوّابة الدمشقية لأيران تشكل محور اهتمام أجهزة شبكات المخابرات الأسرائيلية

*كتب:المحامي محمد احمد الروسان

الحديث الأخير, للجنرال في الأحتياط, مائير دوغان الرئيس السابق للموساد, والذي قاله أمام منتدى الجامعة العبرية الأسرائيلية, كجزء من تخميناته وتقديراته الأستخباراتية, لطبيعة ونوعية مفاعيل الحدث السوري الجاري الآن, مع توضيحاته لماهية الموقف الأسرائيلي, الذي يتعين على تل أبيب اتخاذه والألتزام به, لجهة كيفية التعامل معه, وتوجيه تطوراته وتداعياته, بما يخدم ويعزّز المصالح الحيوية لهذا الكيان الغريب, من حيث سعي حثيث مع واشنطن, لأسقاط وتحقيق انهيار دمشق, وهذا يشي بوضوح أنّ محور واشنطن – تل أبيب, ومن ارتبط به من العربان, يرى في استهداف سوريا في الوقت الحالي, أهم من استهداف ايران, وتشي تخمينات وحديث دوغان الأخير, بأنّ على اسرائيل أن تعمل من أجل, أم (بنوك) أهدافها الأستراتيجية, عبر استهداف دمشق, وعلى الأسرائليين والذين ظلوا أكثر اهتماماً باستهداف ايران, عليهم أن يفهموا, بأنّ التفكير في اقدام تل أبيب في مثل هذه الظروف, باستهداف ايران – وبرنامجها النووي ودورها الحيوي, هو أمر سخيف للغاية ويدل على حمق عميق, لذلك عليهم أن يستهدفوا بوّابة ايران, في المنطقة والى العالم العربي والأسلامي, وهي البوّابة الدمشقية, هكذا يرى دوغان, وهو يتحدث الآن بصفته كخبير استخباراتي مجرّب.

لقد ظلّت البوّابة الدمشقية لأيران -(وما زالت)-, تشكل محور اهتمام أجهزة شبكات المخابرات الأسرائيلية المختلفة, وكذلك شبكات المخابرات الأمريكية, في اطار المجمّع الفدرالي الأمني الأمريكي, والذي يضم أكثر من سبعة عشر وكالة مخابرات واستخبار, أضف الى ذلك اهتمامات متنوعة لشبكات المخابرات الغربية الأوروبية, كل ذلك بسبب الدور المركزي الهام, الذي ظلّت ومازالت تلعبه سوريا, في ضبط وتشكيل وتشكل التوازنات الجيو – سياسية الشرق الأوسطية, وكدولة اقليمية ذات أدوار حيوية في مجالاتها الحيوية, وفي توجيه مفاعيل وتفاعلات متغيرات الصراع العربي – الأسرائيلي, بكافة مكوناته وملفات قضاياه الأساسية, حيث اختصره البعض منّا مع كل أسف وحصرة, الى النزاع الفلسطيني – الأسرائيلي, والفرق في ذلك واضح كالشمس, هو فرق بين الثرى على الأرض, والثريا في السماء الدنيا, كذلك أدوار دمشق في توجيه مفاعيل, متغيرات الشعور القومي العربي وبكافة مكوناته, وملفات قضاياه المتعلقة بالعمل العربي المشترك, وبناءات الهوية القومية العربية من جديد وتقاطعاتها, مع بناءات الهوية الأسلامية, كذلك الدور السوري الواضح, في توجيه متغيرات ردع النفوذ الأجنبي على المنطقة, بأشكال استعمارية تستسيغها الأذن العربية, وتحت عناوين الديمقراطيات, وحقوق الأنسان, والحاكميات الرشيدة ... الخ.

شبكات المخابرات المختلفة, لمحور واشنطن – تل أبيب, ومن ارتبط به من العربان, وباقي الحلفاء الغربيين الأوروبيين, تركز على عامل فهم تأثير العامل السوري, ان لجهة اخراج دمشق, من دائرة الصراع العربي – الأسرائيلي, لأنهاء هذا الصراع والى الأبد, وان لجهة اخراج سوريا من دائرة الشعور القومي العربي, لأنهاء المشروع القومي النهضوي العربي, وهو شرط موضوعي, لتفكيك تماسك المنطقة العربية, وتحويلها الى كيانات مفككة, يمكن اخضاعها بكل سهولة للنفوذ الأسرا- أمريكي, كل ذلك من أجل ضبط تأثير العامل السوري, ليصار الى انهائه لاحقاً, أو على الأقل اضعافه, ثم تحييد دوره بشكل مؤقت, ليتاح لاحقاً السيطرة عليه.

وفي ظني وتقديري, أنّ الحدث السوري, قد يقود الى سلسلة من عمليات الإنقلاب الرئيسية, في مسارات توجهات النظام الدولي, وطرق اعادة تشكيله, وتنميطات جديدة لعقيدته, حيث نجد أنّ واشنطن وحلفائها من الأوروبيين, صاروا يتمادون كثيراً في استهدافاتهم لسوريا ودورها, بحيث صار الحدث السوري نقطة مركزية, في محيط التحركات الدولية والأقليمية الساعية, لجهة تصعيدات لمجريات الأحداث في القطر السوري, ان لجهة الأقلمة والتدويل, وان لجهة الأستهداف العسكري في مرحلة لاحقة, وعبر الناتو ومجهودات عسكرية أمريكية أوروبية, مع فرض مناطق حظر طيران جوي, على شاكلة السيناريو الليبي.

وأحسب أنّ مسارات التمادي الأمريكي – الغربي الأوروبي, كتدخل خارجي أجنبي, في ملفات الحدث السوري ومفاعيله وعقابيله, سيقود بالضرورة الى حالات غير مسبوقة, من الأنفلات الأمني والسياسي الذي يصعب السيطرة عليه, كما نلاحظ أنّ المعارضة السورية سواءً لجهة الداخل السوري, أو لجهة الخارج السوري, كطرف له ارتباطاته الخارجية والتي هي, محل تساؤل الكثيرين من المراقبين, عقابيل هذا الأرتباط الخارجي لهذه المعارضة, يمنع بلا شك التهدئة في سوريا, ومن جهة ثانية يدفع ازاء التصعيد, الذي يتيح لها الحصول على الدعم الأمريكي – والغربي الأوروبي, مع وجود حراك خارجي تصعيدي, تزامن مع حراك داخلي ازاء التهدئة, ويبدو أنّ هناك ادارات للتصعيد السوري الرأسي والعرضي, بعد أن فشل التصعيد الداخلي, عبر متتاليات هندسة الأحتواء للحدث السوري, بمسارات سياسية رغم بطئها.

انّ جلّ الأطراف الدولية الغربية, تنحاز بالتدخل لجانب طرف المعارضة, بدلاً من العمل على تحقيق التهدئة, فهي من ناحية تمارس استراتيجيات اعلامية سوداء, في الغرف المغلقة وعمليات تعبئة سلبية, ومن ناحية ثانية تعمل في دعم جهود التصعيد, عبر المال والسلاح الخفيف الفردي ومستلزماته, مع دعومات لوجستية أخرى عابرة للحدود والقارات.

واشنطن تسعى جاهدةً لأستخدام مشروعات القرارات الدولية, التي تحضّرها والتي تتضمن بنودها, تفويضات باستخدام القوّة لجهة الملف السوري الآن, كما فعلت في الأمس القريب ازاء الملف الليبي, كل ذلك كوسيلة وغطاء لأطلاق يدها, في استهدافات خصومها( الضحايا), فاختارت العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي, الرئيس الأسد كضحية رابعة, بعد بن علي, ومبارك, والقذّافي, وخصّصت أكثر من سبعمائة وخمسين مليون دولار أمريكي, للحملات الأعلامية والدعائية, ضد نظام بشّار الأسد, وجل وسائل الميديا الأمريكية والأوروبية, تصور الرئيس بشّار الأسد, كديكتاتور يعشق القتل والدماء, وتعمل على تسويق ذلك لدى أوساط الرأي العام العالمي, وهذه الأموال جزء منها تم تخصيصه لمساعدة الفقراء السوريين, في القرى والأرياف السورية, لكي يقوموا بالأحتجاجات ضد النظام هناك, مع توسيعات في احتجاجات الشارع السوري, هكذا تقول المعلومات والمعطيات الجارية لطبيعة الحدث السوري.

تقول معلومات الخبراء, أنّه بلا شك, أنّ أساس المعارضة السورية, هي من حركة الأخوان المسلمين, وهم ليسوا أغبياء وحمقى, فهؤلاء يتجنبوا استخدام الشعارات الدينية, وهم يفضّلون شعارات قومية, ووطنية, وعلمانية, ودعوات للآصلاح الشامل, الأقتصادي والسياسي, واطلاق الحريات المختلفة, وتشكيل الأحزاب, وتداول للسلطة... الخ.

وهذه الشعارات التي تطلق, من حناجر كوادر الجماعة الأسلامية السورية ومن يتساوق معها, يساندوها كل فئات الشعب السوري, لذلك وبعد اكتساب تعاطف كبير, من فئات المجتمع السوري لهم, تسعى الحركة الأسلامية هناك, وعبر برامج احتجاجاتهم المتعددة, للوصول الى مستويات متقدمة من مطالب, حركة احتجاجات الشارع في سوريا, لأسقاط النظام هناك وبشكل متدرج, وهذا ما صرنا نسمعه, مع العلم أنّه ليس كل انتفاضة شعبوية, وان كانت كبيرة وشاملة, أن تقود الى اسقاط النظام المنتفض ضده وبشكل كلي, وما هو مؤكد في معادلات الأنتفاضات الشعبوية العربية, أنّ ارتفاع سقوف المطالبات الى اسقاط الأنظمة, سوف يؤدي الى صعود المتطرفين, ان لجهة الأسلاميين, وان لجهة غيرهم من القوى العلمانية الأخرى, والى الأمساك بالسلطة, والى نمو العنف والعنف المضاد, و نمو ظاهرة الأختلافات السياسية الرأسية والأفقية, وكما نراه الآن في مصر وتونس والعراق, كما من الممكن أن تمتد حالات عدم الأستقرار في الشرق الأوسط, بسبب عقابيل الحدث السوري, الى بؤر توتر قادمة, في لبنان وفلسطين المحتلة, والمغرب والجزائر, وموريتانيا, بالأضافة لما يجري في اليمن, وهذه التوترات الجارية في المنطقة الآن, تخرج عن السيطرة والأنضباط, ولا يمكن لأي جهة كانت أن تتحكم بها, وما يجري في سوريا يؤثر على الأردن أيضاً, ويدخل كل المنطقة في وضع صعب جداً.

كذلك تعمل وتمارس واشنطن وحلفائها من الأوروبيين, الكثير من التحايل والتجاوزات لحدود ونطاق ولاية القرارات الدولية, عبر مجلس الأمن الدولي, مما أدّى الى اصطفافات من دول أخرى عظمى, تملك حق النقض الفيتو في مجلس الأمن الدولي, كروسيا والصين, حيث تعارضان هذه التوجهات الغربية والأمريكية, وحدثت الأختلافات الدولية حول الحدث السوري, وتفاعلاته وكيفية التعامل معه, لذلك فمن الممكن أن تكون مفاعيل الحدث السوري, في منظور الرؤية الدولية, نقطة البداية لعمليات تمرد دولي اقليمي, على مفهوم نظام الهيمنة الأمريكية والغربية, بعد أن قامت القوّات الأمريكية الغازية, بعمليات غزو واحتلال أفغانستان والعراق, وكان ذلك نقطة بداية مسار قطار الهيمنة الأمريكية, على العالم ضمن نظام القطبية الواحدة, ومن شأن تقلبات المناخات الدولية, لهذه المعادلة ومفهومها, أن يؤدي ذلك الى صعود نظام دولي بديل متعدد الأقطاب, أو على الأقل ثنائي القطبية أو ثلاثي, وظاهرة الأختلاف الأممي, ازاء الحدث السوري قد تكون البدايات لجهة ذلك.

وأتفق مع القول الذي يتحدث, بأنّ بغداد كانت تمثل الشرارة, التي أشعلت نيران الهيمنة الأمريكية في المنطقة والعالم, وقد تكون دمشق عبر حدثها السوري الشامل, والأختلاف عليه دولياً وبكيفية التعاطي معه, بمثابة تلك الأطفائية المائية, التي تقضي على نيران هذه الهيمنة والغطرسة, أو على الأقل التخفيف, من مستويات درجات التهابها.

انّ تعميم عمليات فرض العقوبات, سوف يجعل دمشق تواجه عقوبات متعددة الأطراف, كما أنّه يقود الى مجموعة من الضغوط على الأطراف الدولية الناشطة والرافضة, – مثل الطرف الروسي والطرف الصيني -  للسياسات الأمريكية في المنطقة والعالم, لجهة اجراء المساومات معها, بعدما تبين أن تلك الأطراف الدولية, لعبت دوراً كبيراً لجهة عرقلة, واحباط مخطط استخدام المنظمات الدولية, في عمليات استهداف سوريا عبر حدثها.

وتتحدث المعلومات, أنّ الحراكات الأقليمية والدولية الجارية الآن, تشير بوضوح الى أنّ تركيا, صارت الهدف الرئيس لهذه التحركات, ان لجهة دفعها باتجاه التساوق التام والأنخراط, في مخطط استهداف دمشق, وان لجهة جعلها الوقوف على الحياد.

هناك مقاربات سياسية شاملة للايباك في الولايات المتحدة, لجهة حركة الأحتجاجات السورية وتداعياتها على السلام في المنطقة, وان لجهة مواقف الأدارة الأمريكية, بعد خطاب باراك أوباما الأخير, بحيث أكّدت مقاربات الأيباك, أنّ السلام مع مصر والأردن الى حد ما, صار سلاماً حقيقياً بالأطار الرسمي لا الشعبي, أمّا السلام الأسرائيلي مع سوريا والفلسطينيين, فهو أمر لا يمكن تحقيقه في المدى المنظور, لذلك المطلوب من محور واشنطن – تل أبيب حالياً, التفرغ الكامل لجهة اكمال عزل سوريا واخراجها, من معادلات الشرق الأوسط الحالية والمستحدثة لاحقاً, وبعدها يمكن النظر في أمر كيفية, تحقيق سلام شرق أوسطي حقيقي من زاوية الأيباك.

وحول السياسة الخارجية الأمريكية, فقد ذهبت مقاربات جماعات الضغط الأيباكي, الى أنّ واشنطن تتعامل مع حراكات ربيع الشارع العربي, وفق معيارين أثنين: معيار المصالح الأستراتيجية, ومعيار السلوكيات الأخلاقية القيميّة, ففي المسألة المصرية والتونسية, وثورتيهما الأخيرتين, نجد أنّ واشنطن التزمت وفق معيار السلوك الأخلاقي القيمي, وذهبت بعيداً لجهة احترام رغبة الشارعين المصري والتونسي الشعبوية, في اسقاط نظام مبارك وبن علي الحليفان لها, واستبعدت واشنطن معيار المصالح الأستراتيجية, بحيث تخلّت عن مصالحها الأستراتيجية, والتي كان يمثلها نظام مبارك وبن علي, ولكنها في الموضوع اليمني والبحريني, تعاملت وفق معيار المصالح الأستراتيجية, ولم تسعى الى التعامل على أساس الأعتبارات السلوكية الأخلاقية القيمية, على غرار ما فعلت مع القاهرة وتونس.

ويبدو أنّ توجهات السياسة الأمريكية والغربية, تتناقل متأرجحةً بين الخيارين, خيارات الدبلوماسية القائمة, على عملية صنع القرار المستند, على المعيار الأخلاقي القيمي, والخيارات الدبلوماسية القائمة, على عملية صنع القرار المستند, على معيار المصالح الأستراتيجية, وعليه تتعامل ادارة أوباما الديمقراطية, مع الحدث السوري وتفاعلاته, على أساس وضع دمشق أمام مسارين أثنين, وهو أمر استثنائي لمعايير دبلوماسية العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي.

وتقول معلومات الخبراء والمراقبين الدوليين, انّ حركة الأخوان المسلمين السورية, هي الأكثر والأوفر نشاطاً, في الساحة السياسية السورية حالياً, وصعود هذه الحركة معناه بكل بساطة, القضاء على سوريا المدنية – العلمانية, واستبدالها بسوريا الأصولية – السنيّة, وهو أمر غير مقبول بالنسبة لواشنطن والغرب, وانهيار دمشق معناه, اندلاع نيران العنف السياسي الطائفي, وتداعيات وعقابيل كل ذلك, سوف تتخطّى حدود القطر السوري, الى بقية المناطق الأخرى, المجاورة وغير المجاورة, في جل جغرافية الشرق الأوسط, وانهيار دمشق يعني, ترسانات الأسلحة السورية كلّها, سوف تقع في يد الفصائل والميليشيات المسلحة, بما في ذلك الأسلحة الكيماوية والبيولوجية, واستخدامها سوف يكون حاضراً, ولكنه بمستويات فوضويّة عبثيّة متفاقمة.

 

*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية

   www.roussanlegal.0pi.com

mohd_ahamd2003@yahoo.com

 

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن