هل يجب الاغتسال عند نزول إفرازات الشهوة

تاريخ النشر: 01 ديسمبر 2022 - 06:14 GMT
هل يجب الاغتسال عند نزول إفرازات الشهوة

يتساءل كثير من الناس هل يجب الاغتسال عند نزول إفرازات الشهوة للنساء والرجال، حيث تعد هذه المسألة من المسائل المحيرة لعدد كبير من المسلمين، فمن الضروري لكل مسلم أن يبقى دائماً على طهارة، حتى يتمكن من أداء الفروض كالصلوات والصيام، فللإفرازات التي تخرج من الرجل والمرأة أحكام معينة حددتها الشريعة الإسلامية، بناء على سبب نزول الإفرازات وخصائصها.

فالطهارة من الصفات التي يتصف بها المسلم وهي النظافة من الأدناس والأوساخ، وهي إبعاد الخبث ورفع الحدث عن الجسم والملابس والمكان، وقد منح ديننا الإسلامي لأمر الطهارة اهتماماً واضحاً، وهناك نوعين من الطهارة؛ الأولى طهارة الجسد والأماكن، والثانية طهارة القلب، فتابعوا أعزاءي لنتعرف سوياً خلال السطور القادمة من مقالنا على حكم نزول إفرازات الشهوة عند كلاً من الرجال والنساء، وحكم نزولها في شهر رمضان المبارك.

هل يجب الاغتسال عند نزول إفرازات الشهوة؟

يزداد بحث الناس بشكل ملحوظ على مواقع التواصل الاجتماعي وموقع جوجل الشهير عن ما قدمه لنا العلماء والفقهاء من أراء لحسم مسألة هل يجب الاغتسال عند نزول إفرازات الشهوة، ويمكن تلخيص إجابة هذا السؤال في أنه يتوجب على المسلم الاغتسال إذا كانت الإفرازات المقصودة منياً، أما إذا كانت الإفرازات المقصودة مذي، فلا حاجة إلى الاغتسال في هذه الحالة، والرطوبة أيضاً لا توجب الاغتسال فالوضوء قبل الصلاة يعد كافياً في هذه الحالة، فلا تصح عبادة المسلم كما هو معروف بدون طهارة.

وقد قسمت الطهارة في شريعتنا الإسلامية إلى ثلاثة أقسام وهما طهارة القلب، والطهارة من الحدث والطهارة من الخبث، وتنقسم الطهارة من الحدث إلى قسمين وهما حدث أصغر وحدث أكبر؛ الحدث الأصغر يجعل الوضوء واجباً للطهارة منه مثل البول والمذي، أما الحدث الأكبر فيجب الاغتسال للطهارة منه، مثل خروج المني، وقد أوضح ديننا الإسلامي كما أخبرنا أهل العلم أن الإفرازات النازلة من المرأة والرجل تنقسم إلى أنواع، ولكل نوع منها حكم معين، وتتمثل أنواع الإفرازات وحكمها الشرعي فيما يلي ذكره:

المني:

المني

يتميز المني بأنه غليظ وله لون أبيض عند الرجال، أما عند النساء فيكون المني رقيق وله لون أصفر، وأحياناً يكون لون المني أبيض عند بعض الإناث، وتشبه رائحة المني رائحة العجين أو الطلع، ويمكن للرجل أو المرأة تمييز المني عن غيره من الإفرازات الأخرى أن المرء يشعر باللذة حين نزوله، كما تقل الشهوة وتهدأ تماماً بمجرد نزوله.

وبالنسبة للحكم الشرعي لنزول المني فقد أكد لنا الفقهاء أنه يلزم الغسل لطهارة الجسد بعد نزوله، أما الثياب فلا يلزم غسلها لأنه طاهر، ويعمم هذا الحكم على نزول المني في حالة يقظة الشخص وانتباهه بسبب جماع أو الإثارة الجنسية أو غير ذلك، وأيضاً في حالة نزوله من الشخص وهو نائم نتيجة للاحتلام، والدليل على ذلك ما أورده لنا النووي عليه رحمة الله في شرح مسلم عن خصائص منى المرأة بقوله

وَأَمَّا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ: فَهُوَ أَصْفَرُ رَقِيقٌ وَقَدْ يَبْيَضُّ لِفَضْلِ قُوَّتِهَا، وَلَهُ خَاصِّيَّتَانِ يُعْرَفُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا: إِحْدَاهُمَا أَنَّ رَائِحَتَهُ كَرَائِحَةِ مَنِيِّ الرَّجُلِ، وَالثَّانِيَةُ التَّلَذُّذُ بِخُرُوجِهِ وَفُتُورُ شَهْوَتِهَا عَقِبَ خُرُوجِهِ. انتهى.

المذي:

عندما نستعرض سوياً رأي الفقهاء في هذه القضية التي شغلت كثير من الناس وهو هل يجب الاغتسال عند نزول إفرازات الشهوة لا بد أن نتحدث عن المذي، ويعد المذي هو النوع الثاني من أنواع الإفرازات التي تنزل من الأشخاص، وعادة ما ينزل المذي بشهوة، ويتصف المذي بأنه عبارة عن ماء شفاف أو أبيض اللون يخرج من المرأة أو الرجل عندما تغلب عليه الشهوة أو عند التفكير في أي من الأمور التي تثير شهوته، ومن أهم ما يميزه عن المني أن المرء لا يشعر باللذة عند نزوله ولا تهدأ شهوته أو تسكن بعدما ينزل، وقد بين العلماء أن المذي نجس يلزم غسل أي شيء يصيبه حتى يطهر أو رش الماء عليه كالجسم والملابس، ولكنه لا يزم الشخص الذي نزل منه بالاغتسال ولكن يعد الوضوء في هذه الحالة كافياً، والدليل على ذلك ما قد ذكره النووي رحمه الله في المجموع حيث قال:

وَأَمَّا الْمَذْيُ: فَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ لَزِجٌ يَخْرُجَ عِنْدَ شَهْوَةٍ لَا بِشَهْوَةٍ وَلَا دَفْقٍ وَلَا يَعْقُبُهُ فُتُورٌ وَرُبَّمَا لَا يَحُسُّ بِخُرُوجِهِ، وَيَشْتَرِك الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِيهِ، قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَإِذَا هَاجَتْ الْمَرْأَةُ خَرَجَ مِنْهَا الْمَذْيُ، قَالَ وَهُوَ أُغْلَبُ فِيهِنَّ مِنْهُ فِي الرِّجَالِ. انتهى.

أما النوع الثالث من الإفرازات كما أوضح العلماء فهو الرطوبة، وهي خاصة بالنساء فقط حيث تخرج من رحم المرأة وأحياناً لا تشعر بها، وبالنسبة لحكمها فهي طاهرة لا يلزم الاغتسال عند نزولها ولكن يلزم الوضوء والله أعلى وأعلم.

هل السائل الشفاف يوجب الغسل؟

أثناء الإجابة عن هل يجب الاغتسال عند نزول إفرازات الشهوة وبعد أن تعرفنا سوياً على رأي الشريعة الإسلامية وأحكامها الواضحة في هذا الأمر، دعونا نعرف أيضاً هل السائل الشّفاف يوجب الغسل، فقد بين العلماء والمفسرون أن هذا السائل عادة ما يكون مذي، وأنه يوجب الوضوء فقط ولا يوجب الاغتسال، وغالباً ما ينزل هذا السائل أثناء المداعبة، وأهم ما يميزه أن الشخص لا يشعر بعد نزوله بفتور في الشهوة.

ومن الضروري رش الماء على الثياب أو البدن الذي يصيبها لتطهيرها فمن المعروف أنه نجس، فما يخرج من الإنسان من إفرازات بشهوة قد يكون مذياً أو مني، ولكل نوع منهما خصائص تميزه كما أوضحنا سابقاً، ورغم أن المذي نجس إلا أنه لا يوجب الغسل بل يوجب الوضوء فقط، ورغم أن المني طاهر إلا أنه يوجب الاغتسال، والدليل على ذلك ما ذكره ابن قدامة في المغني (1/763) حيث قال:

” وإن قلنا بطهارته أستحب فركه وإن صلى من غير فرك أجزأه “.

وأيضاً ما قد ورد عن أبو داود في سننه عن سهل بن حنيف أنه قال:

كنت ألقى من المذي شدة وكنت أكثر من الاغتسال فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ” إنما يجزئك من ذلك الوضوء. قلت: يا رسول الله فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: يكفيك بأن تأخذ كفاً من ماء فتنضح بها ثوبك حيث تُرى ( أي تظنّ ) أنه أصابه ” ورواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح و لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق في المذي، قال صاحب تحفة الأحوذي (1/373): واستدل به على أن المذي إذا أصاب الثوب يكفي نضحه ورشّ الماء عليه ولا يجب غسله. ( انتهى).

أما في حالة شك المرء وعجزه عن تحديد إذا كان ما خرج منه مذياً أم منيًا، فلا يلزمه الغسل، وإنما يكون مخير في هذه الحالة في إعطاء الحكم لأحد الأمرين المشكوك فيهما، فهذا هو رأي السادة الشافعية وذلك لما ذكره الإمام النووي عليه رحمة الله في المجموع حيث قال:

إذَا خَرَجَ مِنْهُ مَا يُشْبِهُ الْمَنِيَّ وَالْمَذْيَ وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، ثم ذكر المشهور عند الشافعية، فقال: وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْتِزَامِ حُكْمِ الْمَنِيِّ أَوْ الْمَذْيِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ، وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْمُصَنِّفِينَ، وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ فُضَلَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ، لِأَنَّهُ إذَا أَتَى بِمُقْتَضَى أَحَدِهِمَا بَرِئَ مِنْهُ يَقِينًا، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْ الْآخَرِ، وَلَا مُعَارِضَ لِهَذَا الْأَصْلِ. انتهى.

هل يجب الاغتسال عند نزول إفرازات الشهوة عند الرجل؟

هل يجب الاغتسال عند نزول إفرازات الشهوة عند الرجل؟

يرغب كثير من الرجال في معرفة هل يجب الاغتسال عند نزول إفرازات الشهوة، وتجدر الإشارة إلى أن ليس كل ما يخرج من جسم الرجل من إفرازات يجعل الاغتسال أمراً لازماً لطهارته، فخروج المني فقط هو ما يوجب الغسل، ويتميز بأنه ماء قوامه غليظ يتدفق من الرجل ويرافق نزوله شعور باللذة، ثم يتبع نزوله فتور وانطفاء للشهوة، وينطبق هذا الأمر على الرجل في حالة تيقظه، وبالنسبة للنائم فيلزمه الاغتسال بمجرد رؤيته للمني بعد الاستيقاظ من نومه، حتى ولو لم يتذكر أنه قد احتلم أو شعر باللذة، والدليل على ذلك ما قاله التغلبي في نيل المآرب حيث قال نيل المآرب:

من موجبات الغسل: (خروجه) أي المنيّ (من مخرجه) المعتاد، فلو خرج من غير مخرجه، لم يجب غسل (ولو دما) أي أحمر، لقصور الشهوة عن قصره، (ويشترط) لوجوب الغسل بخروجه (أن يكون بلذة، ما لم يكن) الخارج منه المني (نائماً، ونحوه) كمغمىً عليه. ويلزم من وجود اللذة أن يكون دفقًا. اهـ.

كما قد لا يكون الخارج من الرجل منياً فقد يكون مذياً أو ودياً ويعرف الودي بأنه الماء الخارج من الرجل بعد البول بسبب البرد أو المرض، أو بذل مجهود شديد كممارسة الرياضة، ويتميز الودي ببياض لونه، وهو نجس مثل البول يوجب الوضوء ولا يوجب الغسل، أما بالنسبة للمذي فهو عبارة عن ماء رقيق لزج ينزل في حالة الشهوة وكالخيال الجنسي أو مداعبة الزوجة، وهو نجس مثل الودي يوجب الوضوء ولا يوجب الغسل.

هل يجب الاغتسال عند نزول إفرازات الشهوة في رمضان؟

في سياق التعرف على الرأي الشرعي لسؤال هل يجب الاغتسال عند نزول إفرازات الشهوة، نجد كثير من الناس يرغبون في معرفة هل يجب الاغتسال عند نزول إفرازات الشهوة في رمضان، وللإجابة بشكل صحيح على هذا السؤال يجب التعرف أولاً على نوع السائل وحالة نزوله من الجسم، وإن كان قد نزل من رجل أم مرأة، فإذا كان السائل رطوبة أو ودي أو مذي فلا يجب اغتسال ولكن يلزم الوضوء، أما إذا كان مني فلا يصح الصيام أو الصلاة بدون اغتسال،

هل يجب الاغتسال عند نزول إفرازات الشهوة للمرأة؟

تتوقف إجابة هذا السؤال على نوع الإفرازات والحالة التي كانت عليها المرأة وقت نزولها، فالمني يستوجب الاغتسال سواء كان بالجماع أو غيره أثناء الاستيقاظ، وينطبق هذا الأمر أيضاً على الاحتلام والدليل على ذلك ما قد روته أم سلمى رضي الله عنها –

أن أم سليم قالت للنبي – صلى الله عليه وسلم: ” يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق، فهل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ فقال نعم إذا رأت الماء”.

أما في حالة نزول المني أو الودي فلا حاجة الاغتسال ولكن من الضروري الوضوء للطهارة قبل أداء العبادات.

 

وهنا نكون قد وصلنا أعزاءي إلى ختام هذا المقال بعد أن تعرفنا سوياً على إجابة هذا السؤال الهام وهو هل يجب الاغتسال عند نزول إفرازات الشهوة، حيث يعد هذا الأمر من المسائل الفقهية الهامة التي يجب أن يكون كل مسلم على علم بمثل هذه الأمور لأنها تتعلق بطهارته، فالطهارة شرط أساسي لقبول العبادات من المسلم كالصلاة والصيام، حيث ينتج جسم الإنسان إفرازات عديدة، ومنها ما ينقض الوضوء، وللأسف الشديد يجهل كثير من الناس ما يوجب على العبد المسلم الاغتسال، نرجو أن يكون مقالنا قد نال إعجابكم.