كتاب ”الإرهاب”.. للدكتور بدر بن ناصر البدر

تاريخ النشر: 15 فبراير 2006 - 09:00 GMT

مؤلف كتاب « الإرهاب ـ حقيقته، أسبابه، موقف الإسلام منه» الدكتور بدر بن ناصر البدر الأستاذ المشارك بكلية أصول الدين جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حيث يعرف الإرهاب في اللغة وغموض هذا المصطلح واشكالياته معتبرا ان كلمة إرهاب من الكلمات المثيرة للجدل والنقاش ولذلك كثر الخلاف في بيان معناها وتحديد مدلولها.

ويقول حسب صحيفة البيان،  إنه إلى الآن ليس هناك أدنى اتفاق حول تعريف الإرهاب بالشكل الدقيق والمحدد والمقبول من جميع الدول والجماعات والشعوب لهذا المصطلح على الرغم من الاتفاق على أنه مخالف للقوانين الدولية والقيم الشرعية والاجتماعية والأخلاقية ومرد ذلك ليس قصورا في المعاجم اللغوية أو الشرعية أو القانونية ولكنه يعود إلى اختلاف المفاهيم والجري خلف المصالح لدول العالم وتسييس المفاهيم، فما يراه بعضهم إرهاباً يراه الآخر عملاً مشروعاً

والعمل الذي يصنف إرهاباً لدى بعض الأفراد أو الدول يراه آخرون حقا مشروعاً لمن قام به حسب الاتفاقيات الدولية وقوانين الأمم المتحدة وحقوق الإنسان المتفق عليها. ويقول الدكتور بدر إن أول استخدام للفظة الإرهاب تعود إلى أيام الثورة الفرنسية حيث استخدمت الكلمة في فرنسا لوصف نظام حكومي جديد امتد من 1793 إلى 1794 حسب موسوعة المورد.

كما ويتطرق لتعريفات الإرهاب في الدراسات الأجنبية بدءاً من قاموس أوكسفورد وصولاً إلى تعريف مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، وكذلك تعريف الإرهاب في المؤتمرات والدراسات العربية ويخلص الكاتب في هذا المجال إلى أن تعريف الإرهاب في الاصطلاح متعذر حيث لم يقف على تعريف لا في النصوص الشرعية ولا في كلام أهل العلم من المفسرين والشراح بل أن نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تجاوزت صياغة أي تعريف منضبط له.

على أن أقرب تعريف للإرهاب وأجمعها ما ذكره المجمع الفقهي الإسلامي في اجتماعه الذي عقد في 10 يناير 2002 في رابطة العالم الإسلامي بمكة حيث جاء في البيان الختامي إن الإرهاب: (ظاهرة عالمية ،لا ينسب لدين ولا يختص بقوم ،وهو ناتج عن التطرف الذي لا يكاد يخلو منه مجتمع من المجتمعات المعاصرة. وهو العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الإنسان).

أما ورود كلمة الإرهاب في القرآن فقد تكررت 12 مرة وذلك في مناسبات متعددة من سوره وبصيغ مختلفة (الفعل، والمصدر واسم الفاعل)ويظهر من خلال هذه الصيغ أن مفهوم الإرهاب والترهيب في القرآن الكريم منه المذموم ومنه المحمود في الإعداد لقتال أعداء الله كما أن مادة رهب واشتقاقاتها لا تعني الإخافة للآخرين. وفي الحديث لم ترد مشتقات مادة رهب كثيراً وأشهر ما ورد هو لفظ رهبة في حديث البراء بن عازب.

على أن مصطلح العنف لا ورود له في القرآن الكريم غير أننا نجد بالمقابل أن بعض الأحاديث النبوية تتحدث عن المصطلح في سياق الدعوة إلى نبذه والتحذير منه. ففي الحديث: «إن الله ـ عز وجل ـ لم يبعثني معنفاً» وفي الحديث أيضاً: «إن الله يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف».

وقد رسم القرآن الكريم منهج الإسلام في الدعوة إلى الله بقوله تعالى «أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن». النحل :125.

وفي الجهاد وحقيقته وأهدافه في الإسلام يبدأ الكاتب بتعريف الجهاد حسب ابن تيمية بأنه بذل الوسع ـ وهو القدرة ـ في حصول محبوب الحق ودفع ما يكرهه الحق.

وكلمة جهاد أو مجاهد لا تجد ترجمة حقيقية لها في اللغتين الفرنسية والانجليزية. الأمر الذي حدا بالكتاب المنصفين إلى استخدام الكلمة العربية ذاتها مكتوبة بالحروف اللاتينية. فالجهاد يتميز عن القتال والنضال بتعدد صوره وبأنه في سبيل الله، أما القتال أو النضال فقد يكون بأي سبيل آخر ولا ينتقص منه شيئاً،بينما الجهاد يفقد مضمونه ومشروعيته، إذا لم يكن في سبيل الله وبهذا تتضح الفروق الجوهرية بين الإرهاب الذي هو عدوان وبين الجهاد. فالإرهاب بمعنى العدوان هو ترويع وتدمير المصالح ومقومات الحياة والاعتداء على الأموال والأعراض والحريات والكرامة الإنسانية بغياً وإفسادا في الأرض.

وجملة القول كما يخلص الكاتب في هذا المجال (ص) 76 ان الجهاد في سبيل الله فريضة شرعية، وإرهاب الآمنين جريمة ضد البشرية. الجهاد مشروع والإرهاب بمعنى العدوان ممنوع. ويتطرق الدكتور بدر في الفصلين الثاني والثالث لنشأة الإرهاب وتاريخه وأسبابه وصوره حيث يقول إن الارهاب بمفهومه العام بدأ مع بداية الإنسان.

وأول حالة عنف حصلت في تاريخ البشرية كما جاء في القرآن الكريم أدت إلى إزهاق روح إنسانية هي قتل قابيل أخاه هابيل ظلماً وعدواناً، والمتتبع للوثائق التاريخية يجد أن الإرهاب قد ظهر منذ القدم في المجتمعات المختلفة ومارسته جماعات من شعوب متعددة من مصر القديمة واليونان والرومان إلى أن استفحل في أيام الثورة الفرنسية 1789 حيث أطلق وصف الإرهاب لأول مرة على روبسبير ورفاقه، وها هو التاريخ الآن يعيد نفسه عن طريق الإرهاب الإسرائيلي في فلسطين المحتلة.

وفي البلاد العربية والإسلامية عرف الإرهاب في أواخر عهد الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) عندما قامت أول حركة مدبرة بزعامة اليهودي عبد الله بن سبأ الذي أظهر الإسلام ليتسلل داخل صفوف المسلمين ويشعل الفتنة الأمر الذي تمخض عنه فيما بعد ظهور فرقة السبئية وقتل الخليفتين عثمان وعلي (رضي الله عنهما).

ويعرض الكاتب للأسباب المتعددة للإرهاب وبقول إن أسباب هذا الفكر متعددة ومتنوعة وقد يكون مرجع هذا الفكر لأسباب فكرية أو نفسية أو سياسية أو اجتماعية أو دوافع اقتصادية أو تربوية. أي أن الأسباب متداخلة ومتشابكة ولكن أهم الأسباب هي الفكرية والعلمية بمعنى انحراف الفكر وضلاله والتباس الحق بالباطل مع القصور العلمي أو خلل التلقي.

والأخذ في ظواهر النصوص دون فقه ولا اعتبار لدلالة المفهوم إضافة إلى ذلك يذهب الكاتب إلى عرض الاسباب التي تؤدي إلى الارهاب بدءاً من التشدد والغلو والتقصير في بيان المسائل الشرعية، مروراً بالحملات المنظمة لتشويه صورة الإسلام وصولاً إلى الأسباب الاجتماعية وغياب دور العلماء.

والاستيطانية والاغتيالات بشكل مباشر في ملايين العرب تحت الاحتلال وخارجه في بلاد العرب والمسلمين حيث تتأجج مشاعر الإحباط واليأس من رؤية الإرهاب الصهيوني وإذلاله لشعب الفلسطيني.

وفي الأسباب السياسية يتوقف الكاتب عند الإرهاب الإسرائيلي في فلسطين كونه من الأسباب الرئيسية في تغذية التطرف الديني والإرهاب في البلاد العربية وتأثير الممارسات الاستعمارية.

كما تلعب الأسباب النفسية والتربوية وخاصة وسائل الإعلام دوراً كبيراً في التأثير على مشاعر الناس وعقولهم.

أما في الفصل الرابع فيتناول الكتاب حكم الإرهاب وموقف الإسلام منه حيث يقول إن الإسلام اتخذ موقفاً حازماً من الإرهاب فحرم دم المسلم وماله وعرضه، كما حرم الاعتداء على الأموال والممتلكات العامة. فالإرهاب محرم وممنوع شرعاً، لأنه عدوان على الناس وسعي في الأرض بالفساد. قال تعالى :«ومن قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خلداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً». النساء :93 وقال تعالى :«ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق....» الاسراء 32

أما في السنة فالأدلة كثيرة ومنها عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله (ص) لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً. كذلك كانت مواقف الصحابة في محاربة هذا الداء وإنكاره والتحذير منه كثيرة كما حذروا من الغلو والابتداع في دين الله من ذلك قول سفيان الثوري (البدعة أحب إلى ابليس من المعصية، المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها).

وفي المنهج في معالجة الإرهاب ومكافحته يقول الكاتب أن ذلك يستتبع فهماً جيداً للعوامل والأسباب التي ساعدت على وجوده وضرورة الفهم الحقيقي لهذه الظاهرة وإدراك أبعادها ومعالجة أسبابها بشكل صحيح، ونشر الفضيلة وإرساء العدل ورفع الظلم.

وفي الفصلين الخامس والسادس يتوقف الكاتب عند إرهاب المستأمنين ووسطية الإسلام وسماحته فيقول:إن مسايرة أوضاع الفطرة الإنسانية ومراعاتها من مظاهر وسطية الشريعة الاسلامية الواضحة، في أحكامها الاعتقادية والمنهجية والعلمية والخلقية وممارسة العبادات بما يلائم طبيعة الإنسان والعواطف والغرائز التي خلقها الله في البشر وهذا يحتاج إلى الإشباع بالطرق السوية وحسب الضوابط الشرعية.

ويقول إن عقيدة الايمان في شريعة الإسلام بسيطة غير معقدة سهلة الفهم تتقبلها العقول وتريح النفس وتحقق لها الطمأنينة وتعينها على تجاوز مشكلات الحياة كما وتتميز العبادات المفروضة من طهارة وصلاة وصيام وزكاة وحج ونحوها باليسر والسماحة وقلة التكاليف والبعد عن التشدد والغلو كما تتسم شريعة الإسلام في مجال العبادات والمعاملات بالوسطية وما الشواهد في القرآن والسنة على تقرير الوسطية إلا مظاهر تقرر أنها شريعة صالحة لكل عصر ومصر.

ويحرص الإسلام على بناء الأسرة القوية المتماسكة لكونها الخلية الأولى في المجتمع ونظام الأسرة المسلمة القائم على التعاون والتراحم والتسامح والتسلح بقيم الأخلاق الفاضلة. باختصار دين الاسلام دين سماحة ويسر وفي القرآن ما لا يحصى من الآيات الداعية إلى الإيمان دون إكراه.

ويذهب الكاتب إلى سرد أمثلة كثيرة على سماحة النبي (ص) مع غير المسلمين وشواهد ذلك من سيرته فقد تجاوز من ناصبوه العداء فكانت سماحته يوم الفتح ودعاؤه لمخالفيه من غير المسلمين ولم يعرف تاريخ المسلمين أنهم ضيقوا على اليهود أو النصارى أو أنهم أجبروا أحداً من أي طائفة من هؤلاء على اعتناق الإسلام وكان عهد الخلفاء امتداداً لعهد النبي (ص).

ويختم الدكتور بدر كتابه في الفصل السابع بالإشارة إلى جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب مؤكداً أن المملكة ومنذ تأسيسها على يد موحدها الملك عبدالعزيز يرحمه الله اتخذت موقفاً ثابتاً ضد مظاهر التطرف والانحراف عن تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وبذلت ولا تزال قصارى جهودها لاستئصال هذه المظاهر والحد منها وذلك على جميع المستويات المحلية والإقليمية والدولية بهدف استتباب الأمن والسلم الدوليين.

وكان تفاعل المملكة واضحاً مع المجتمع الدولي حيث شجبت العنف بجميع صوره وأشكاله وأكدت دوماً نبذها للإرهاب أياً كان مصدره ونوعه وشجعت الجهود الوطنية والإقليمية. وامتداداً لهذا الدور واصلت المملكة حربها على الإرهاب بلا هوادة وكان لها الدور الكبير في مكافحة الإرهاب والعنف والتطرف، وأسهمت في جميع الاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمت بهدف اجتثاث الإرهاب من جذوره بشتى صوره وأشكاله.

 

 

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن