تربية الأطفال المصابين بمرض.. النشاط المفرط

تاريخ النشر: 03 أبريل 2005 - 07:19 GMT

لقد رأيتنا في السوق ، نحن  أهل الأطفال الذين يصيحون ويركبون عربات التسوق ويطلبون الحلوى والألعاب . رأيتنا في المطاعم ، أطفالنا لا يكادون يأكلون شيئا ، فهم بدلا من أن يأكلوا يركضون هنا وهناك أو يظهرون فجأة ويحدقون في الناس الذين يتناولون العشاء .

 

رأيتنا في الملاعب ، أطفالنا يركضون ويقفزون ويتسلقون الأشياء ويتزلجون ويجرون من مكان إلى آخر بطرفة عين . لقد سمعت عنا، فقد قيل أنه يصعب ضبط أطفالنا . كثيرا ما يسأ لنا الآخرون هذا السؤال : هل أنتم على يقين أن طفلكم ليس مصابا بمرض النشاط المفرط؟

 

  نحن الذين نتلقى النصح من الجميع، فيقولون لنا : خذوا دروسا في أساليب تربية  الأطفال ، كونوا شديدين مع أطفالكم ، كونوا أكثر تساهلا معهم،  إضربوهم ، خذوهم إلى الأخصائي لفحصهم . ولكن بالرغم من كل ما رأيته منا فأنت في الواقع لا تعرفنا .

 

نحن أهل الأطفال المصابين بمرض النشاط المفرط . نحن نتعلم الآن ، على أيدي جماعة تعليم الأهل كيفية مساعدة أطفالهم المصابين بالنشاط المفرط ، نتعلم المزيد عن أطفالنا الاستثنائيين وعن كيفية التعامل معهم . أطفالنا أطفال عادييون ، ولكن تربيتهم صعبة . فهم صعبون ومتعبون، وبالتأكيد يصعب ضبطهم . 

 

تعرّفت أنا شخصيّا على عالم الأطفال المصابين بمرض النشاط المفرط عن طريق كتاب قرأته عنهم. الكتاب يسرد قصة الطفل الذي غضب لأنه أعطي ساندويتش  مقسوما على شكل مستطيلات  لا على شكل  مثلثات . عندئذ إرتبكت – فقد كان قد حدث هذا النوع من الشجار بيني وبين إبنتي . حتى ذلك الوقت كنت أعتقد أن المشكلة هي أنني لم أخلق لأكون أبا .

 

أخذت أتساءل ما الذي أصاب طفلتي . سألت طبيبة الأطفال عدة مرات ما إذا كانت طفلتي مصابة بمرض النشاط المفرط . بالطبع، عندما علمت الحقيقة سارعت واشتريت الكتاب . اكتشفت أن المشكلة  ليست عدم مقدرتي الأبوية ، فقد كنت في الواقع كثيرا ما أتصرف التصرف الصحيح بشأن أشياء عديدة . المشكلة كانت تكمن في عدم معرفتي بمزاج إبنتي المصابة بمرض النشاط المفرط .

 

في عام 1956 بدأ الأطباء ألكزاندر توماس، وستيلا تشـيـس، وهيربيرت بيرتـش ، بدراسة تسمى

New York Longitudinal study ، فتابعوا 133 شخصا من سن الطفولة إلى سن البلوغ . كان هدف الدراسة تحديد خصائص مزاج الأطفال خلال فترة نضجهم . حددت الدراسة تسع صفات ، موجودة لدينا جميعا إلى درجة ما . تلك الدرجة هي التي تقرر ما إذا كان الطفل رقيقا وليّن العريكة أم أنه مصاب بالنشاط المفرط . قام إثنان من الكتّاب بشرح العمل الذي أنجزه هؤلاء الباحثين. نبيّن فيما يلي شرحا لتلك الصفات التسع كما أوردها كورسنـكا :

 

1)     التوتـر – حدة الانفعالات العاطفية .  كثيرا ما يعلّق الناس على مدى يقظة الطفلة أو قوة شخصيتها . فمثلا ، في حين أن الطفل العادي يبتسم عند سماع شيء مضحك، تجد أن الطفل المتوتر يقهقه ضاحكا بصوت مرتفع لسماع نفس الشيء . عندما يكون هذا الطفل سعيدا تراه دائما يبتسم ويضحك ويغني . وعندما يغضب أو يتعكّر مزاجه يصبح كئيبا ويستحيل إرضاؤه . من السهل جدا إثارة الطفل المتوتر . عندما يثور هذا الطفل، يفقد السيطرة على نفسـه وغالبا ما يضرب أو يعض أو يقرص أو يركل بدون أي سبب معروف .

 

2)     الإصرار والمثابرة موجودة لدى الأطفال المصابين بالنشاط المفرط ، فهم يتمسكون بشـيء ما لمدة طويلة . ولكن مثابرتهم من النوع السلبي ، إنها عناد . يتمسكون بأفكار ويصعب عليهم التخلي عنها . يستحيل أن يتقبلوا رفض طلباتهم ، ويواصلون طلب الشيء نفسه عشرين مرة متتالية إذا سمح لهم بذلك .

 

3)     شـدة الحساسية – حواسهم تتأثر بسرعة بالصوت والضوء والعواطف والأمزجة والذوق والشم والملابس . هؤلاء الأطفال يتأثرون بالعوامل البيئية . لايزعجهم النور الساطع ولا الضجة الصاخبة ولا الملابس الضيقة . قبول الطفل منهم بالملابس التي تريده أن يرتديها ضرب من المحال : لا يحتملون الكتابة الموجودة على القمصان، ولا خصر البنطلون المطاطي ولا وبر الجوارب، وما شابه . (يتساءل السيد كورسنكا قائلا : كيف تتعامل مع طفل يضايقه خط الدرزة في الجوارب ؟) .

 

 

4)     الإدراك الحسي – الأطفال الشديدي الملاحظة يلاحظون كل ما حولهم . قل أن تفوتهم أدق التفاصيل . إلا أن هذه التفاصيل تلهيهم وتصرف انتباههم عن مهام أخرى يصبح انجازها صعبا . غالبا ما يتهم الأطفال شديدي الملاحظة بعدم الاستماع، يبنما يكون انتباههم في الواقع مركّز على أشياء أخرى . تعلم الأشخاص البالغون استبعاد الحوافز غير المهمة . مثلا، غالبا ما نستخدم جهاز القيادة الأتوماتيكية أثناء قيادتنا السيارة، فلا ننتبه لأي شيء حولنا سوى السيارات الأخرى . ومع ذلك ننجز مهامنا دون أي حادث سيء . أما الأطفال الشديدي الملاحظة فلم يتعلموا استبعاد الأمور غير المهمة ، ولم يتعلموا أي الأمور أهم من غيرها ليركزوا عليها ويولوها اهتمامهم .

 

5)     المقدرة على التكيّف  مع التحولات والمفاجآت والتغيير في الجداول أو في الروتين . هذه الصفة التي تسبب ثورة الطفلة بشأن الساندويتش ، فهي لا تستطيع تقبل الوضع عند إعطائها ساندويتشا مستطيلا في حين كانت تتوقعه أن يكون مثلثا . هي في الواقع ليست صعبة الإرضاء أو شديدة الإصرار في طلباتها . كل ما هناك أنها لا تتكيف مع التغييرات أو المفاجآت .

 

 

6)     الانتظام في الأكل والنوم واستعمال التواليت . الأطفال المصابون بالنشاط المفرط كثيرا ما يكون إيقاع أجسامهم غير منتظم . يقال لنا ، نحن الآباء والأمهات الجدد ، إننا سرعان ما نتعلم التمييز بين مختلف أنواع بكاء الطفل . أما والدا الطفل المصاب بالنشاط المفرط فلا يتسنى لهما نفس الشيء دائما لأن أكل طفلهما ونومه واستعماله التواليت غير منتظمة . طفلتي أنا البالغة من العمر أربع سنوات ونصف لا زالت حتى الآن تلاقي صعوبة في النوم المتواصل طيلة الليل ، وهي تستيقظ عادة قبل بزوغ الشمس .لم تنجح كل محاولاتنا في تحسين نمط نومها ، فتعلمنا نحن أن نتكيف .

 

7)     الـطـاقـة – مستوى النشاط .  أغلب الأطفال المصابين بالنشاط المفرط (وليس جميعهم) يمتلكون طاقة غير محدودة ، فهم في حركة دائمة من الصباح إلى المساء . طفلتي ظلت ترقص رقصة نقر الأقدام طوال مدة حملي . عند فحصي في الأسبوع السابع عشر من الحمل ، قال لي الطبيب أنه لم يستطع أخذ صورة جيدة لأن الجنين داخل بطني لم يكن يكف عن الحركة . لقد بقيت طفلتي على ذلك الحال ولم يتغيّر شيء منذ ذلك الوقت .

 

 

8)     رد الفعل الأول تجاه الناس الجدد والأماكن الجديدة والتجارب الجديدة . إذا أدخلت طفلا مصابا بالنشاط المفرط في بيئة جديدة أصبح خجلا وتشبث بك . فهو يحتاج بضع دقائق ليألف الوضع . إذا سألت هذا الطفل سؤالا إجابته نعم أو لا ، كانت إجابته الأولى بالتأكيد "لا" . بقليل من التشجيع والصبر، يجرّب هؤلاء الأطفال شيئا جديدا – ما علينا إلا الإنتظار إلى أن يألفوا الوضع يصبحوا مستعدين لذلك .

 

9)     الـمـزاج – بعض الأطفال المصابين بالنشاط المفرط  يكونون بصورة عامة سعداء ومرحين، وآخرون منهم يبدون جديين وغريبي الأطوار . هم في الواقع لايحاولون أن يكونوا صعبي المراس ، وإنما هذا هو مزاجهم  المرتبط بنمط دماغهم . عندهم نزعة إلى رؤية ما هو خطأ في الأشياء بدلا من رؤية ما هو صواب . إنهم لا يظهرون عواطفهم بسهولة ، لذلك يصعب معرفة متى يكونون سعداء . لا توجد تقنيّات إدارية للتعامل مع هؤلاء الأطفال . يتعلم الأهل كيفية مواجهة الوضع إذا أدركوا أن أطفالهم لا يستطيعون السيطرة على نظرتهم إلى الدنيا .

 

 هذه الصفات التسع لا تدور في فراغ بمعزل عن بعضها ، فهي أيضا تتفاعل مع بعضها . قد تتحول شخصية الطفلة النشيطة إلى شيء مغاير ، من الثورة إلى الهدوء ، إذا وجدت الأوضاع المواتية . الطفل الشـاذ الذي يبدأ يفقد صوابه بسبب الجوع قد يرفض طعاما يقدم إليه، لأن هذا هو رد فعله الأول، ويظل رافضا ذلك الطعام بسبب عناده وإصراره ( يبدو أن العناد يتفاعل مع جميع الصفات) .

 

من 10 إلى 15 في المائة  من سائر الطفال يمتلكون من هذه الصفات ما يجعلهم صعبي المراس . نظرا إلى تركيبة مزاجهم  ، فإن أساليب العقاب التقليدية لا تجدي دائما معهم نفعا . كثيرا ما يقال لنا أن نتجاهل السلوك الذي لا يروقنا ، لأنه سوف يزول . ولكن كيف تستطيع تجاهل طفلا شديد الإصرار؟

 

السر في نجاح التعامل مع الطفل المصاب بالنشاط المفرط هو معرفة سبب قيامه بما يفعله .  ليس لدى هؤلاء الأطفال عادة نوبات الغضب التي تمكنهم من المناورة للتأثير علينا كما يفعل معظم الأطفال الآخرين ، فهم ليسوا من النوع الذي يقول بتحدي إنه سيحبس نفسه إلى أن يموت ما لم ينل مايريد . يقول كيرسينكا إن الأطفال المصابين بالنشاط المفرط  يغضبون كثيرا ، فتثور عواطفهم ولا يستطيعون السيطرة عليها . لقد أصبح أهالي هذا النوع من الأطفال خبراء في منع هذه الحالة ، فهم يعرفون ما الذي يسببها ويحاولون منعها قبل حدوثها . بعض هؤلاء الأطفال يدركون ما بهم عندما يصيبهم الجوع أو التعب ، وأهاليهم يعرفون ذلك من تصرفاتهم فيسارعون إلى إطعامهم أو حملهم على أخذ قسط من الراحة قبل أن تتفاقم الحالة وتصبح حرجة . عندما تبدأ ثورتهم ، نبعدهم عن كل ما يؤثر فيهم ونزيل ما يسبب غضبهم . نزيل عن ملابسهم الأشياء التي تضايقهم ، ونختار لهم الملابس المريحة . ولكن للأسف ، الأهل ليسوا على درجة الكمال ولا يستطيعون التنبؤ بكل شيء . لذلك أحيانا يجدون أنفسهم في وضع صعب لا يستطيعون السيطرة عليه . الواحد من هؤلاء الأطفال يكون على مايرام ، وفي لحظة ينقلب وضعه ويثور . مثلا ، نزهة عائلية ممتعة تنقلب هما وغما بسبب ثورة الطفل عندما يحدث شيء لم يكن يتوقعه، كتغيير في الخطة ، أو ضجة ، أو يجوع الطفل أو يتعب فجأة . الحياة مع طفل من هذا النوع مثيرة وتسبب الغضب والإحباط وأحيانا تسبب البهجة . ملاحظة كاريكاتورية معلقة على ثلاجة أهل طفل من هؤلاء تقول : " أعرف أن طفلتي ستكون رائعة عندما تكبر ، ما هي إلا مسألة وقت إلى أن تتجاوز مرحلة الطفولة " . هؤلاء الأطفال فيهم صفات ممتازة كثيرة . إنهم خلاقون ومحبون ومرحون . سوف يحيون حياة سعيدة عندما يكبرون . يا ترى كيف كان بعض مشاهير العالم في طفولتهم ؟ لنتخيّل كيف كان روبن وليمز وهو طفل ! لنفكر بالمحن التي مرت بها والدة توماس أديسون – لا بد أنه كان دائما منهمكا في تفكيك الأشياء . وكذلك ليونارد بيرنستاين ..إلخ . بعض هؤلاء المشاهير كانوا يسببون المتاعب والشقاء لأهليهم  .

 

الآن ، نود أن نقول لك عندما ترى طفلا من هذا النوع يثور ويغضب ، سواء في السوق أو المطعم أو الحديقة العامة ، قف وحاول أن تفهم ما الذي يحدث . أهالي هؤلاء الأطفال ليسوا سيئيين ! إنهم يحاولون عمل ما بوسعهم للتعامل مع أطفالهم المصابين بمرض النشاط المفرط .