النقد التشكيلي.. يتحتم على المشاهد ألا يجهد نفسه في البحث عن الأصل

تاريخ النشر: 30 مارس 2005 - 11:35 GMT

صحيفة الوطن القطرية، يري النقد التشكيلي الحديث ان العمل الفني لا يقلد الطبيعة لأنه ليس نسخة مكررة منها بل بناء عضوي قائم بذاته. ولا يهم نوعية المضمون الذي يختاره الفنان التشكيلي لعمله لأن قيمته الحقيقية لا تكمن فيه، وإنما تنبع من الأحاسيس الجمالية التي يثيرها في داخل المشاهد. فالمشاهدة في حد ذاتها تجربة جمالية سيكلوجية تعيد تشكيل أحاسيس المشاهد وتنسقها تجاه العمل مما يمنحه اشباعاً نفسياً لا تتيحه له حياته اليومية المشوشة. ولكن يصل الإشباع النفسي والفكري منتهاه يتحتم علي المشاهد ألا يجهد نفسه في البحث عن الأصل أو المادة الخام التي استقي منها الفنان عمله التشكيلي الذي ينفصل تماما عن الأصل، ويستقل بحياته بمجرد ان يكتمل، ولذلك فالفنان الذي يجهد نفسه في تقليد الطبيعة قد يجني علي عمله الذي يفتقر الي المعني الفني المستقل، في حين نجد في لوحة لا تمت الي الأشكال الطبيعية التقليدية بصلة الكثير من المعاني والدلالات والايحاءات والمثيرات السيكلوجية. ولذلك من الطبيعي في الفن ان ينفصل العمل الفني عن مدلولاته التقليدية التي تعارفنا عليها في حياتنا اليومية، ولكن هذا لا يعني بأية حال من الأحوال انفصاله عن الإنسان. فالفن التشكيلي يسعي أساساً الي تقديم العالم الي الإنسان في شكل أكثر موضوعية وجمالاً ومنطقية.

ويؤمن الناقد التشكيلي المعاصر بأن النسبية تتحكم في عملية التذوق الفني التي يقوم بها المشاهد. فهي تختلف باختلاف بيئته وثقافته وظروفه الماضية، ولكن هذا لا ينفي ضرورة التناسب بين نضج العمل الفني وبين النضج الفكري لدي المشاهد. فليس من السهل بالنسبة لمشاهد لم يتمرس بتقاليد الرؤية الفنية أن يتذوق لوحة أو تمثالا من النوع الطليعي أو التجريبي، فلابد من وجود أرضية مشتركة بين الفنان والمشاهد حتي تنتقل التجربة السيكلوجية بكل أبعادها الجمالية الي المشاهد. واذا كان علماء النفس يقولون اننا جميعاً نستجيب للمنبهات الحسية استجابة آلية، فإن مثل هذه الاستجابة عند معظم الناس مجرد شيء بدائي لا يعدو ان يكون اختلاج عضلة أو فورة عصب حتي لا يكاد يلحظ، أما الرسام أو المثال فيحيل أحاسيسه الي استجابات حركية ثم يجسد تلك الاستجابات علي لوحة أو في قطعة من رخام، واذا كانت الألوان والأشكال تستوقف الأنظار بدرجات متفاوتة، فإن المشاهد الذي يتأمل عملا من أعمال الفن التشكيلي يستوقفه ويثير اهتمامه ما فيه من قيم تشكيلية مميزة له، وهي القيم التي تهم العين أساساً ثم تنتقل بعد ذلك الي عقل المشاهد ووجدانه.

ويري النقد التشكيلي ضرورة الاعتماد علي التقاليد الفنية التي تركها تراث الأجيال السابقة، لأن الفنان التشكيلي لا يبدأ من فراغ. فهو يبدأ من حيث انتهي من سبقوه لكي يضيف الجديد الي رقعة التقاليد. وشتان بين التقاليد والتقليد، لأنه اذا تحولت التقاليد الي مجرد تقليد للتراث السابق فسوف يفشل الفنان في إيجاد مكانة لفنه بين الرواد الأصلاء. ومن هنا يتحتم عليه أن يستوعب التقاليد جيداً حتي تترسب في اللاوعي عنده، وتكون بمثابة الضوء الهادي الذي ينير له الطريق نحو إنجازات أصيلة.