البنك المركزي المصري بين الاستقلال والتبعية !!

تاريخ النشر: 26 مارس 2001 - 02:00 GMT
البوابة
البوابة

القاهرة – محمد البعلي  

تفجر الحديث مؤخرا حول مسألة استقلال البنك المركزي المصري عن وزارة الاقتصاد واستقلاله بتحديد وإدارة السياسة النقدية في مصر خاصة بعد أزمة سعر الصرف الأخيرة التي أكدت المصادر الغربية من دوائر صنع القرار الاقتصادي أن الوزارة فشلت في إدارتها واضطرت في النهاية إلى إحالتها إلى البنك المركزي الذي اقترح مجموعة القرارات الأخيرة الخاصة بإدارة سعر الصرف. 

الحوار حول هذه القضية اشترك فيه عدد واسع من الخبراء والكتاب منهم د . مصطفى السعيد وزير الاقتصاد الأسبق ود.حازم الببلاوي الاقتصادي الشهير وعدد ممن أساتذة الجامعة والصحفيين، وقد انقسمت وجهات النظر حول المسألة إلى فريقين: الأول دافع عن وحدة السياستين المالية والنقدية وأهمية استقلال الحكومة بوضعهما، أما الثاني فقد أكد على انفصال السياسة النقدية عن المالية وأهمية استقلال البنك المركزي . 

الدكتور مصطفى السعيد أحد المدافعين عن الرأي الأول فصل وجهة نظره في مقال بجريدة الأهرام، وأكد فيها أن السياسة النقدية تتضمن في الواقع خيارات متعددة وبالتالي تنطوي على تقدير سياسي للأولويات والأهداف، ولذلك فإن وضع السياسة النقدية أمر سياسي بالدرجة الأولى، وهكذا يبدأ د. السعيد بمقدمات يصل منها منطقيا إلى أهمية استقلال الحكومة وليس البنك المركزي بوضع السياسة النقدية، ويضيف السعيد بعداً آخر للمسألة فهو يرى أن هدف السياسة النقدية هو الاستقرار النقدي فحسب وفي الدول النامية تزداد احتمالات التعارض بين سياسات تحقيق الاستقرار النقدي وسياسات التنمية ببعديها الاقتصادي والاجتماعي لذلك يجب أن يكون القرار الأخير في يد الحكومة لأن الهدف الأهم هو تحقيق التنمية.  

يتفق د. حازم الببلاوي أيضا مع وجهة النظر الأولى فهو يفسر معنى استقلالية البنك المركزي بمعنى فني وليس بمعنى سياسي، فيؤكد أن البنك المركزي ليس له أن يحدد سياسة نقدية غير متفقة مع سياسات الحكومة الاقتصادية بشكل عام لأن اختيار الأهداف وتحديد الأوليات يقع في مجال السياسة العامة وتخويل الحكومة بهذه السياسات يعطينا ميزة مساءلتها عنها حيث أن الحكومة ووزراءها خاضعون للمساءلة أمام الجهاز التشريعي بينما محافظ البنك المركزي غير قابل للعزل بحكم التشريعات المصرية وهذا يحد من إمكانية مساءلته.  

يتناول د. الببلاوي المسألة من زاوية أخرى حيث يشير المدافعون عن استقلال البنك المركزي إلى التجارب المماثلة في الولايات المتحدة وألمانيا ويؤكد د. الببلاوي على اختلاف الأوضاع الدستورية والقانونية في مصر عنها في البلاد موضع التمثيل حيث أنتجت الظروف المختلفة أوضاعا مختلفة مما يجعل ضرب أمثلة بهذه البلاد بعيدا عن الواقعية.  

أما المدافعون عن استقلالية البنك المركزي في وضع إدارة السياسة النقدية فقد أشاروا إلى عدة نقاط أهمها أن وحدة السياسات لا تتعارض مع انفراد المركزي بالسياسة النقدية لأن الدستور المصري ينص على أن المسؤول عن وضع السياسة العامة للدولة هو رئيس الجمهورية، وبالتالي فإن من حقه أن يوزع السياسات المختلفة على الهيئات المختلفة فيختص البنك المركزي بالنقدية وتضطلع الحكومة بباقي السياسات.  

كما انتقدوا جوانب الضعف العديدة في انفراد الحكومة بالسياستين النقدية والمالية حيث تسبب ذلك في توجه الحكومة نحو تمويل عجز الموازنة لديها إما بإصدار البنكنوت أو بالاقتراض من الجهاز المصرفي، الأمر الذي كان يتسبب إما في ارتفاع معدلات التضخم أو في التساهل إزاء اتساع عجز الموازنة بسبب إمكانيات تغطيته ( وإن كان ذلك من مواد غير حقيقية ).  

في النهاية ما زالت أمام المهتمين بالقضية متسع للحوار، فمشروع قانون البنوك والائتمان الجديد والذي ينظم القطاع المصرفي ومن ضمنه مسألة استقلال البنك المركزي لم تبدأ مناقشاته بعد في مجلس الشعب المصري ( القانون السابق معمول به منذ عام 1957 ) ، وإن كانت المؤشرات توحي بأنه قد أصبح جاهزا للعرض على المجلس في القريب العاجل—(البوابة) 

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن