ابدت اوساط نيابية وأخرى مالية في بغداد امس الثلاثاء، دهشتها من تقرير المحاسبة الاميركي الذي اكد امتلاك العراق لفائض مالي قدره 50 مليار دولار حتى نهاية العام 2009، لكن المسؤولين العراقيين اعترفوا بوجود "غموض" في الحسابات المالية للحكومات المتعاقبة، زاد التقرير الاميركي من تعقيدها.
وشكل ملف النفقات الحكومية مادة للجدل السياسي بين رئيس الحكومة المنتهية ولايته نوري المالكي ومعارضيه الذين اتهموه باهدار نحو 300 مليار دولار طيلة السنوات الاربع الماضية، فيما يؤكد زعيم ائتلاف دولة القانون ان مبالغ الاعوام الماضية لم تتعد 170 مليار دولار.
ويؤكد تقرير لمكتب المحاسبة الاميركي نقلت فقرات منه شبكة "سي ان ان" الاميركية امس الثلاثاء، امتلاك العراق 50 مليار دولار كفائض حكومي نهاية عام 2009، في وقت تسعى الإدارة الأميركية للحصول على ملياري دولار كتمويل أميركي لبرنامج تأهيل وتجهيز قوات الأمن العراقية، ما دعا بعض المسؤولين في واشنطن الى القول بأن العراق لا يستحق المساعدة لأن لديه اموالا كافية.
واوضح التقرير ان الولايات المتحدة التزمت، ومنذ غزو عام 2003 "بـ642 مليار دولار تجاه العمليات العسكرية في العراق ووفرت حوالي 24 مليار دولار لتدريب وتقديم معدات وغيرها من الخدمات لقوات الأمن العراقي". وأوصى الكونغرس الاميركي بـ"اعتبار الفائض العراقي، لدى النظر في طلبات إدارة الرئيس، باراك أوباما، لتمويل تأمين واستقرار العراق عام 2011".ولم يتسن لـ"العالم" الحصول على تعليق من وزارة المالية بشأن حقيقة تقرير مكتب المحاسبة الاميركية بسبب رفض مسؤولين في الوزارة التحدث بهذا الخصوص.
الا ان عضو اللجنة المالية في مجلس النواب السابق شذى الموسوي قللت من أهمية التقرير معتبرة انه يعتمد على "معطيات غير حقيقية". واضافت ان الحديث عن فائض "امر مستحيل لان موازنة عام 2010 تعاني اصلا من عجز حقيقي يفوق 20 مليار دولار" مشيرة الى ان العجز اجبر الحكومة على "الاقتراض مرتين من المصارف العالمية لسد العجز في الموازنة الماضية".
وحول ما اذا كان التقرير ينظر الى رصيد "صندوق تنمية العراق" الذي يخضع الى اشراف مشترك بين مجلس الامن الدولي والبنك المركزي العراقي، قالت عضو مجلس النواب السابق ان "رصيد صندوق التنمية العراقي لا يحتفظ بمبلغ بهذا الحجم، وان اقصى ما يحتفظ به هو مبلغ لا يتجاوز 14 مليار دولار، رغم ان ما يدخل من واردات النفط اضعاف هذا المبلغ". وانشأ مجلس الامن التابع للامم المتحدة صندوق تنمية العراق المعروف اختصارا بـ "DFI" عام 2003 ويقضي بإيداع ايردات النفط في صندوق يشرف عليه المجلس، ويتوقع ان تستعيد بغداد اشرافها المباشر على الصندوق نهاية العام الحالي بموجب قرار دولي صدر في كانون الأول (ديسمبر).
وقالت النائبة الموسوي ان اللجنة المالية في مجلس النواب السابق او ايا من اعضاء مجلس النواب، لم يكونوا يمتلكون اي احصائية حقيقية عن حجم النفقات الحكومية التي تضمنتها موازنة الاعوام السبعة الماضية، معتبرة ان المشكلة "تكمن في الحسابات الختامية للاعوام ما بعد 2003، فالحكومة العراقية ترفض المصادقة على الحساب الختامي لعام 2004 بسبب بعض المخالفات وهو الامر الذي انسحب على حساب اعوام 2005 و2006 التي قدمتها وزارة المالية التي توقفت بدورها عن تقديم هذه الحسابت للأعوام 2007 حتى 2009".
بدوره ابدى الخبير المالي في البنك المركزي العراقي مظهر محمد صالح، استغرابه من هذا الرقم الذي تضمنه التقرير الاميركي، واصفا الرقم الذي تضمنه التقرير بـ"المبالغة الكبيرة".
واشار محمد صالح ، الى ان الارقام الواردة في التقرير "تبقى تخمينات لا يعرف مصدرها طالما ان الحكومة العراقية لم تصدر حسابا ختاميا عن الاعوام الاربعة الماضية، يضاف الى ذلك عدم وضوح المعايير التي بنى عليها مكتب المحاسبة الاميركية حساب الفائض في تقريره".
ومضى يقول "طالما هنالك عجز اذن لا يوجد فائض" لكنه أقر بوجود "سوء تنظيم مالي" موروث من النظام السابق والحكومات التي اتت بعد 2003.
وعن الدوافع التي تقف وراء اصدار مثل هكذا تقديرات قال صالح "سياستنا المالية تفتقر الى الشفافية، هنالك غموض واضح في هذا المجال وهو السبب الحقيقي وراء هذه التقرير الاميركي" وطالب العراق ممثلا بوزارة المالية وديوان الرقابة المالية "تقديم اجابة دقيقة حول حجم الايرادات والانفاق الحكومي للاعوام الماضية" معتبرة ان ذلك من شأنه توضيح الصورة الضبابية للرأي العام المحلي والعالمي.
وفي ما يتعلق بإمكانية ان يكون التقرير الاميركي قد قصد الاحتياطي النقدي العراق في البنك المركزي والبالغ نحو 50 مليار دولار، قال صالح "استبعد ان يكون المقصود هو الاحتياطي النقدي لانه خارج الحسابات ولا يعد ايرادا للحكومة لانه حساب سيادي الغرض منه دعم العملة الوطنية، وثانيا فإن الاحتياطي النقدي لا يتجاوز 40 مليار دولار حسب تقديرات البنك المركزي ووزارة المالية التي تسلمها مجلس النواب السابق عام 2009".
وبشأن المبالغ المدورة أو العائدة الى خزانة الدولة من موازنة الاعوام الماضية التي قد يكون اعتبرها التقرير الاميركي فائضا حكوميا، قال المستشار ان "للاميركان معاييرهم الخاصة في حساباتهم التي قد تخطئ وقد تصيب، الا اني استبعد ان يكون مجموع المبالغ المدورة او العائدة لخزانة الدولة بهذا الحجم، لانها غالبا ما تدرج ضمن الموازنات المتعاقبة".
وختم حديثه قائلا ان "الاميركان مشغولون حاليا بتقليص نفقاتهم الخارجية في العراق وأفغانستان، والادارة الاميركية تسعى للتركيز على الانفاق الداخلي لانعاش الاقتصاد الاميركي من تبعات الازمة المالية". ونوه الى ان الرئيس الاميركي "استخدم ورقة الفائض المالي العراقي" خلال حملته الانتخابية واعدا بتقليص الدعم الاميركي للعراق.
من جهته اشار مصدر مطلع ، فضل عدم ذكر اسمه، ان يكون "تقرير مكتب المحاسبة الاميركية" يمتلك معلومات خاصة عن "ارصدة وحسابات تمتلكها بعض الوزارات في المصارف المحلية لم يتم ارجاعها الى خزانة الدولة" ، واوضح المصدر قائلا ان "بعض الوزارات تحتفظ بمبالغ التخصيصات في حسابات محلية بسبب عجزها عن صرفها في الموارد المنصوص عليها في الموازنة، وهي لم تقم بارجاعها الى خزانة الدولة في ختام السنة المالية، وهو الامر الذي قد يفسر عدم تقديم بعض الوزارات لحساباتها الختامية للاعوام الماضية، ويزيد وضع اموال الدولة غموضا".