الفلسطينيون يتذكرون عرفات البطل والإنسان في الذكرى الثامنة لرحيله

تاريخ النشر: 10 نوفمبر 2010 - 01:33 GMT
عرفات رمز الثورة
عرفات رمز الثورة

"النصر آت والفجر آت والدولة على مرمى حجر، يا جبل ما يهزك ريح، سيرفع شبل من أشبالنا وزهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق مآذن القدس، وكنائس القدس، وأسوار القدس، شاء من شاء وأبى من أبى" كلمات حفظها الفلسطينيون، صغيرهم وكبيرهم، لكثرة ما رددها القائد الخالد "أبو عمار".

بعد ثمانية أعوام على رحيل الرئيس الفلسطيني التاريخي ياسر عرفات (واسمه الحقيقي هو محمد عبد الرحمن عبد الرؤوف القدوة الحسيني)، ما زال سبب موته لغزاً محيراً بالرغم من اقتناع الفلسطينيين، مسؤولين ومواطنين عاديين، بأنه قضى مسموماً، وشكوكهم بقيام إسرائيل بدس السم له، بتشجيع ومباركة من الولايات المتحدة، بالنظر إلى التهديدات العديدة بالقتل التي سبق أن وجهها اليه رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق أرئيل شارون وبعض معاونيه، والحصار الخانق الذي فرضته عليه قوات الجيش الاسرائيلي في مقره في رام الله بتواطؤ من جانب واشنطن.

في الحادي عشر من تشرين الثاني (نوفمبر)، يستذكر الفلسطينيون أبا عمار، الذي قاد النضال الفلسطيني لسنوات عديدة، وبات رمزاً يجمع عليه الفلسطينيون جميعاً، بما في ذلك حركة "حماس".

قال الدكتور ناصر القدوة، وهو نجل شقيقة الرئيس الراحل ياسر عرفات، إن "حياة الرئيس أبو عمار الحافلة بالنضال والأعمال البطولية، لم تخل يوماً من العاطفة الصادقة والإنسانية التي تصل إلى السماء السابعة، فالرحمة التي وضعها الله في قلب الرئيس وأبوّته ليس لها نظير. لا اعتقد أنه يوجد طفل فلسطيني لم يشعر بحنو الرئيس.. دائماً كنا نسميه "الوالد"، صغيرنا وكبيرنا كان يردد: راح الوالد وجاء الوالد، قصة الأبوّة في حياته لم تكن عابرة".وحول إذا ما كان الرئيس الراحل قد تعرض للاغتيال بالفعل أوضح القدوة: "كل خبير استشرناه بين أن حتى السم الأكثر بساطة الذي يستطيع عالم متوسط إنتاجه، سيصعب تحديده من قبل عالم فذ"، وأضاف: "لا استطيع أن أحدد يقيناً أن إسرائيل قتلته، لكنني أيضاً لا أستطيع أن أنفي هذه الإمكانية، فالأطباء أنفسهم لم يلغوا هذه الفرضية".

كما أوضح القدوة أن الرئيس أبو عمار نبسبب تواضعه المفرط، لم تكن الحراسة عليه بالمستوى المطلوب، اذ كان يقابل مئات الزوار أثناء فترة حصاره في المقاطعة، فهو لم يرد أحدا في حياته، وكان يحصل على حلوى وحتى أدوية منهم، كما كان معرضاَ للوخز بدبابيس يعلقها بعضهم على صدره بملابسه، وتلقى هدايا كثيرة بغير رقابة.

غصن زيتون وبندقية
أحد نشطاء كتائب شهداء الأقصى، والذي أصيب بعدة عيارات نارية خلال دفاعه عن الرئيس أبو عمار أثناء الأيام الأولى للاجتياح الإسرائيلي لمدينة رام الله في حملة "السور الواقي" في العام 2003، قال: "أعمال الرئيس هي التي رسخت أبوته لشعبه، فهو يتميز بصفات لا يملك صديق أو عدو إنكارها، كصلة الرحم وحرصه الشديد على زيارة المصابين والمرضى، وكذلك اسر الشهداء والأسرى في الأعياد، إضافة إلى تقديمه المساعدات للمعوزين بشكل واسع. شعوره النبيل مع شعبه منقطع النظير، كل الكتب التي كانت تصل إليه بخصوص المساعدة، كان يصادق عليها سواء أكانت مساعدة في زواج أو دراسة أو سفر أو علاج".

أما اللواء محمد الخضر رئيس رابطة جرحى فلسطين، والذي عاصر "الختيار" في معظم الملمات والمواقف والمعارك البطولية، فأوضح أن أبا عمار كان مسكوناً بحب فلسطين منذ أن كان طالباً في المرحلة الثانوية يدرس في حي السكاكين في القاهرة، إلى أن لقي وجه ربه يوم الحادي عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 2004، ويضيف: "كان أبو عمار بطلاً مقاتلاً جسوراً وشجاعاً، لا يعرف الجبن أو الخوف، كان يغرس المعنويات في نفوس المقاتلين، يهتم بالآخرين أكثر من نفسه، لقد كان بحق غصن زيتون وبندقية".

التمسك بالثوابت
ويشاطر إبراهيم أبو النجا "القيادي البارز في فتح"، الفلسطينيين في الحديث عن المحطات التاريخية والعظيمة في حياة الرئيس الراحل، فيقول: "الفلسطينيون لن ينسوا رئيسهم الخالد أبو عمار ومواقفه المشرفة التي من أبرزها إعلانه في الثامن من كانون الثاني (يناير) من العام 2001، انه يرفض الاقتراحات الأميركية التي قدمها الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، والتي تضمنت التنازل عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وتحويل القدس إلى مدينة مفتوحة فيها عاصمتان، واحدة لليهود وأخرى للفلسطينيين".

ويضيف: "لقد حافظ "الختيار على صلابته وتماسكه، وظل متمسكاً بالثوابت الفلسطينية، وبالأخص سيادة الفلسطينيين على القدس المحتلة عام 1967، بما فيها المسجد الأقصى المبارك، وكما عهدنا به، فهو لم ينحن لكل الضغوط الأميركية والإسرائيلية والدولية، التي مورست ضده لثنيه عن مواقفه، والتي أدت لاحقاً إلى حصاره وتصفيته".

ويختم أبو النجا حديثه بالقول: "لا شك أن الظروف المفاجئة والغامضة التي غيبت الرئيس عرفات، رسخت لدى الشعب الفلسطيني عموماً ولدى حركة فتح على وجه الخصوص، قناعة بأنه اغتيل". وشدد ابو النجا على أن هناك قلقاً بالغاً لعدم معرفة أي شيء عن اغتيال الرئيس عرفات بعد مرور ثماني سنوات على رحيله، مؤكداً أهمية وضرورة انجاز ملف التحقيق بهذا الخصوص بشكل كامل ودقيق يكشف الحقيقة.

الوحدة الوطنية
يجمع الفلسطينيون بشتى انتماءاتهم وأطيافهم السياسية على أن الرئيس الراحل عرفات كان رمزاً للوحدة الوطنية بكل ما تعني الكلمة من معنى، وكان يؤمن بأن البندقية الفلسطينية يجب أن توجه فقط إلى صدر العدو المحتل، باعتبار أن الدم الفلسطيني خط أحمر لا يمكن تجاوزه.

ويرى المواطن مراد ربايعة من مدينة جنين أن إسرائيل اغتالت الوحدة الوطنية عندما اغتالت الرئيس أبو عمار وكذلك الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، موضحاً أن الرئيس كان حاضراً بقوة في كل المناسبات الوطنية بما فيها تلك الخاصة بحركة "حماس" وقال: "لقد أقام بيتأً للعزاء في المقاطعة لـ3 أيام عند استشهاد الشيخ ياسين، وكذلك للرنتيسي، ومن قبلهم للشهيد البطل يحيى عياش".

أما المواطنة أم علي (75) عاماً من مدينة اللد المحتلة وتسكن في مدينة رام الله، فقالت بهذا الخصوص: "كان أبو عمار أبا الوحدة الوطنية، كان يقبل رأس الشيخ أحمد ياسين في كل مرة يلتقيه، كان يسقيه الماء بيديه. لو كان حياً الى اليوم لما رأينا الاخ يقتل أخاه". وتضيف بلهجتها القروية: "أنا عمري 75 سنة، عمري ما شفت رئيس بقبّل أيدي وأرجل الجرحى إلا أبو عمار ، كان الله يرحمه أبو الجميع".

القدس المقدسية