يشير تحرك السعودية لقصر الفتوى العامة على أعضاء هيئة كبار العلماء الذين يقوم بتعيينهم العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى رغبة المملكة في كبح رجال الدين المحافظين الذين يقفون في بعض الأحيان في طريق الإصلاحات السياسية.
وتحكم أسرة أل سعود أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم والحليف الوثيق للولايات المتحدة ويتمتع فيها رجال دين ينتهجون المذهب الوهابي المتشدد بالنفوذ، والحريات السياسية بما في ذلك حقوق المرأة محدودة في السعودية.
وتساعد خطوة تنظيم الفتوى المسؤولين في السعودية على تطبيق إصلاحات في التعليم والقضاء دون جدل حول فتاوى يصدرها رجال دين محافظون يعارضون جهود التحديث.
وتسببت معارضة رجال دين مستقلين ومن المؤسسة الدينية في الحد من نطاق التغييرات الرامية لتحديث نظام ركز تاريخيا على الدين أكثر من المهارات الوظيفية.
ويعتقد أن ثمة حاجة ملحة لإحداث تغيير إذا أرادت المملكة توفير فرص عمل للسكان الذين يتزايد عددهم سريعا والحد من اعتمادها على النفط.
وقال خالد الدخيل الكاتب السياسي السعودي "من المفترض أن يعطي الأمر الملكي حرية حركة أكبر للملك من أجل الدفع بالإصلاحات".
وأصدر العاهل السعودي الملك عبد الله الأمر الملكي الشهر الجاري وطالب مفتي عام المملكة بقصر الفتوى العامة على هيئة كبار العلماء المكونة من 20 عضوا التي تقدم المشورة للملك في الأمور الدينية ولجنة تابعة لها.
وجاءت تلك الخطوة بعدما أدت محاولات تحديث السعودية لسيل من الفتاوى يصدرها علماء وأئمة مساجد على شبكة الانترنت غالبا ما يعارضون ما يعتبرونه تفشيا للنهج الغربي في المملكة مهد الإسلام.
وقال القاضي السعودي السابق عبد العزيز القاسم "الأمر الملكي يهدف إلى التعامل مع جيوب لعلماء دين موجودين خارج المؤسسة الدينية الرسمية لكن يوجد ضمن هيئة كبار العلماء نفسها بعض العلماء المتشددين".
"الفرق يكمن في أن الهيئة لا يمكنها أن تجتمع أو أن تصدر أية توصيات أو فتاوى بدون موافقة الملك".
ويهدف الأمر الملكي بصفة خاصة لمنع الفتاوى التي تضر بالأمن القومي أو تمثل تحديا لعلماء دين بارزين.
وتحرص السعودية على الحد من التشدد الإسلامي وتحاول التخفيف من قبضة المذهب الوهابي المتشدد بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر عام 2001 على الولايات المتحدة واغلب منفذيها متشددون سعوديون وعقب بدء حملة لتنظيم القاعدة للإطاحة بالأسرة الحاكمة عام 2003 .
وثبت صعوبة ذلك في المملكة حيث يتمتع رجال دين وهابيون بنفوذ قوي ويشرفون على المساجد والقضاء والتعليم وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولا ينظر للأمر الملكي على انه مقدمة محتملة لتغيير سياسي وشيك رغم الاعتقاد بان الملك عبد الله يحبذ إصلاحات من شأنها تخفيف بعض المعتقدات الوهابية مثل حظر قيادة النساء للسيارات والاختلاط بين الجنسين.
وشهدت السعودية عملية تحديث سريعة بفضل عائدات النفط مما هز أسس المجتمع الذي كان يتسم بالقبلية والمحافظة من قبل وأثارت حفيظة المتمسكين بالتقاليد.
وقبل الأمر الملكي كان يمكن فعليا لكل من يحفظ القران أن يصدر فتوى في جميع الأمور بداية من مسلك الشخص في حياته العائلية الخاصة إلى سياسة الدولة.
وأحرجت بعض الفتاوى هيئة كبار العلماء بل والمملكة التي تفخر بأنها راعية الحرمين الشريفين.
وأحد هذه الفتاوى تلك التي أصدرها الشيخ عبد الرحمن البراك وهو من خارج المؤسسة الدينية الرسمية والتي يجيز فيها إعدام أي شخص يعارض الفصل بين الجنسين.
وجاءت تلك الفتوى بعد قرار الملك استبعاد أحد أعضاء هيئة كبار العلماء بعد أن طلب من العلماء فحص المنهج الدراسي في أول جامعة مختلطة في المملكة والتي تحمل اسم العاهل السعودي.
وقال رضوان السيد الكاتب اللبناني "العقود الثلاثة الأخيرة شهدت ظواهر مضادة تجلت في فوضى الفتاوى وانطلاقها من كل قيد أو ضابط. ويرجح ذلك لثلاثة أسباب الأول هو الصحوة الدينية الإسلامية التي أدخلت أعدادا هائلة من الشباب لمجال الاهتمام الديني... وقد أوجد ذلك جمهورا عريضا غاصا بالتساؤلات ومستعدا لتقبل الإجابات السريعة والسهلة".
ومن الفتاوى الأخرى التي أزعجت المملكة واحدة تجيز إعدام أصحاب قنوات تلفزيونية فضائية ترفيهية وأخرى لإرضاع الكبير للتحايل على الفصل بين الجنسين.
وقبل صدور الأمر الملكي نادرا ما تدخلت السلطات السعودية لترويض علماء الدين المتشددين طالما لم تمثل فتاواهم تهديدا مباشرا لأمن الدولة.
وقال القاضي السابق القاسم إن الأمر الملكي سينهي ما وصفه بفوضى علماء الدين فيما يتعلق بالأمور الدينية.
وتابع أن الأمر الملكي "سوف يصمت العلماء المتشددين مثل البراك بحكم أن الذين لا يلتزمون به سوف يواجهون محاكمات لكن الدولة لا يمكن أن تسمح بظهور انشقاقات. الشيء المخيف هو ظهور سوق سوداء لفتاوى يمكن أن تكون معادية أكثر للحكومة".