دبي تستعرض عضلاتها القانونية مع نمو النظام القضائي المالي

تاريخ النشر: 01 أكتوبر 2014 - 08:54 GMT
البوابة
البوابة

أشار حكم أصدره الجهاز القضائي للمنطقة المالية الحرة في دبي، إلى أن إمارة دبي بدأت تؤثر في سبل تسوية النزاعات المالية الدولية في الشرق الأوسط لتتولى جزئيا القيام بالدور الذي اعتادت أن تقوم به لندن ونيويورك.

ففي شهر آب (أغسطس)، قضت محكمة في مركز دبي المالي العالمي، أن بنك ساراسين السويسري ارتكب أخطاء في بيع أدوات استثمارية بقيمة 200 مليون دولار لعائلة الخرافي الكويتية وأمرت المحكمة البنك بدفع تعويضات.

ونفى بنك ساراسين ارتكاب أي أخطاء، وله أن يستأنف الحكم، كما أن مبلغ التعويض لم يتحدد حتى الآن، لكن الحكم كان له وقع المفاجأة، إذ أصدره نظام قضائي لم يبدأ عمله إلا عام 2006.

وتعد القضية مثالا على ظهور مركز دبي المالي العالمي كمركز قانوني رئيس لقطاع الأعمال في المنطقة، فقبل عشر سنوات كان هذا النزاع سينظر في محكمة في جنيف أو لندن أو نيويورك.

وقال جيمس أبوت الشريك بشركة كليفورد تشانس القانونية العالمية التي تعمل في الشرق الأوسط "بالنسبة لكثير من العملاء خاصة المؤسسات المالية والشركات الكبرى أصبحت محاكم مركز دبي المالي العالمي في غاية الأهمية كمركز للخدمات"، مضيفا أن "هذا أحد الأسباب إن لم يكن السبب الرئيس في وجود مقارهم الرئيسة في مركز دبي المالي العالمي".

وباعتبار أن مركز دبي هو المركز المصرفي الرئيس في الشرق الأوسط فإنه يوجه جانبا كبيرا من الثروة النفطية في المنطقة إلى الأسواق المالية الغربية، واستخدمت مصارف عديدة نموذجا تتولى فيه ترتيب الاستثمارات شركة تابعة لها تتمركز في مركز دبي المالي العالمي لكنها تباع فعليا من مركز في الخارج.

ووجدت المحكمة أنه رغم أن بنك ساراسين استخدم هذا النموذج فإن البنك الأصلي ما زال يؤدي عمله في مركز دبي، ما يجعله مسؤولا عن أي أخطاء في عمليات البيع.

وقال كليفورد تشانس إن المصارف قد تضطر الآن إلى إعادة النظر في هذا النموذج وتفرض قيودا على الطريقة التي يقدم بها الموظفون أنفسهم للعملاء وأن تكون أكثر حذرا في توثيق أعمالها.

ومن الناحية القانونية تمثل محاكم مركز دبي المالي العالمي ظاهرة غريبة، فهي عبارة عن جزيرة منعزلة من القانون العام على غرار القانونين البريطاني والأمريكي في بلد إسلامي، وتعمل المحاكم باللغة الإنجليزية في حين أن المحاكم الاقتصادية الأخرى في أنحاء الشرق الأوسط تعمل باللغة العربية بالكامل تقريبا وتميل للاقتداء بالقانون المدني الفرنسي.

ومثل دبي نفسها، فهذه المحاكم تجارية وتسعى بهمة ونشاط لجذب مزيد من الأعمال بسبب الفوائد الاقتصادية التي ستتحقق للإمارة من استضافة تجمع كبير للشركات القانونية، وتنظر أغلب النظم القضائية في العالم القضايا التي يقتضي القانون رفعها أمامها.

وقال جايانث كريشنان أستاذ القانون بكلية مورر للقانون في جامعة أنديانا في الولايات المتحدة، إن الوضع الغريب لمحاكم مركز دبي قد يهدد استقلالها في يوم من الأيام.

وكتب في دراسة ستنشر العام المقبل، "ماذا قد يحدث إذا فهم الآخرون في يوم من الأيام أن محاكم مركز دبي تصدر أحكاما تتعارض مع مصالح صانعي القرار السياسي؟".

لكن كريشنان أضاف، أن المحاكم نجحت حتى الآن في إقناع المستخدمين بأن لديها ما يكفي من الاستقلال وأن بعض الشركات رحبت بخيار معالجة النزاعات داخل دبي بدلا من نقلها لمحاكم خارج الشرق الأوسط وهو أمر مكلف ويستغرق وقتا.

وأضاف "ستجد صعوبة في إيجاد محاكم مثل محاكم مركز دبي المالي العالمي في أي مكان آخر في العالم، لكن اللاعبون في الشرق الأوسط بدأوا يعرفونها وبدأوا يتعرفون على قيمتها".

وفي عام 2011، اتخذ حاكم دبي خطوات لجذب مزيد من الأنشطة القانونية فسمح لأي أطراف في مختلف أنحاء العالم بالاتفاق على إحالة نزاعاتها التجارية لمحاكم مركز دبي المالي العالمي حتى إذا لم تكن لهذه النزاعات أي صلة بالمركز.

وقال مايكل هوانج كبير قضاة محاكم المركز، إن من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان هذه الترتيب الجديد سيؤدى إلى عرض عدد أكبر من القضايا على المحاكم.

لكن من أجل جذب الدعاوى القضائية طورت المحاكم التي وضعت خطتها في الأصل على غرار محكمة لندن التجارية نظاما مزدوجا للعمل فانتقت ما تعتبره أفضل الممارسات من مختلف أنحاء العام في محاولة لضمان كفاءة الأداء.

فعلى سبيل المثال يقوم نظام المطالبات الصغيرة على أساس النظام المعمول به في سنغافورة. والنظام القضائي لمركز دبي هو النظام الوحيد للقانون العام الذي يستخدم معايير رابطة المحامين الدولية بشأن قبول الأدلة في التحكيم الدولي.

وقال هوانج الذي يعد واحدا من خمسة قضاة دوليين وثلاثة من الإمارات أعضاء في محاكم المركز، وهو من سنغافورة، إنه "تم تشكيل تشريعنا بما يعكس الطابع متعدد اللغات للمجتمع الذي تعمل فيه محاكمنا".

ولم تنظر محاكم المركز حتى الآن نزاعات من نوع النزاعات الكبرى في الشرق الأوسط التي تنظرها محاكم لندن ونيويورك.

وسيلتقي بنك جولدمان ساكس وصندوق الثروة السيادية الليبي في محكمة في لندن الشهر المقبل في نزاع على استثمارات قيمتها مليار دولار، ونظرت نزاعات كان من أطرافها مجموعة أحمد حمد القصيبي وإخوانه التي أدى انهيارها عام 2009 إلى ديون تقدر قيمتها بما يتجاوز سبعة مليارات دولار في نيويورك وقضايا أخرى.

وقال أبوت، إن محاكم مركز دبي تتعامل على نحو متزايد مع دعاوى مشاريع وتمويل كبرى ولم يعد حجم المطالبات في حدود 50 مليون دولار أو أكثر أمرا مستغربا.

وتوصلت دراسة أجرتها شركة كلايد وشركاه العالمية للمحاماة، إلى أنه عند اختيار المحاكم كساحة لتسوية النزاعات المالية في الشرق الأوسط خلال عام 2012 وقع الاختيار على محاكم مركز دبي المالي العالمي في 21 في المائة من الحالات، بينما كان نصيب لندن 29 في المائة من الحالات.

وتم البت في أكثر من 500 دعوى قضائية في محاكم مركز دبي منذ بدأت عملها وفقا للجهاز القضائي للمركز، حيث قال مارك بير أمين السجل، إن نحو 95 في المائة من النزاعات التي تقع في دائرة اختصاص محاكم المركز تسوى قبل أن تصل إلى مرحلة الحكم.

وفي بادرة على أن بعض المنافسين الاقتصاديين لدبي يرون أن الجهاز القضائي لمركز دبي المالي ناجح، أسست قطر محكمة دولية للأعمال عام 2009، كما أن إمارة أبوظبي تعتزم إقامة محكمة. وقال كريشنان إن من المرجح أن يحدد اختباران ما إذا كانت محاكم مركز دبي تجذب المزيد من الأعمال وتواصل تعزيز مكانتها على المستوى الدولي، أولهما ما إذا كان بوسع هذه المحاكم أن تظهر أن قراراتها ستنفذ خارج حدود المركز.

وأشارت محاكم المركز، إلى أنها تتيح للمستثمرين الأجانب فرصة فريدة للحصول على أحكام يمكن تنفيذها في دول مجلس التعاون الخليجي الست بمقتضى اتفاقية المجلس لعام 1996، وفي مختلف أنحاء العالم العربي بمقتضى اتفاقية الرياض لعام 1983.

وقال أمين السجل بير، "لأننا محكمة من محاكم الشرق الأوسط ولدينا معاهدات لإنفاذ الأحكام في مختلف أنحاء العالم العربي يمكنك أن تأخذ قرار محكمتنا وتنفذه في جميع أرجاء العالم العربي، مضيفا أن "بوسعك أن تقول إن لدينا جودة محكمة في لندن مع القدرة على التنفيذ في هذه المنطقة"، لكن هذه الإمكانية لم توضع موضع الاختبار سوى مرات قليلة.

كما تواجه محاكم مركز دبي تحدي تطبيق قراراتها في أوروبا والولايات المتحدة وآسيا، حيث يوجد كثير من أصول الشركات من أطراف النزاعات، وقد وقعت محاكم المركز مذكرات غير ملزمة بشأن تبادل تنفيذ الأحكام مع محكمة لندن التجارية ونظامين للمحاكم في أستراليا.

أما الاختبار الكبير الآخر، كما يقول كريشنان، فيتمثل فيما إذا كانت محاكم أخرى في مختلف أنحاء العالم ستستشهد بأحكام محاكم المركز كحجة إقناع في النزاعات.

ويقول محامون إن من السابق لأوانه القول، إن كان هذا سيحدث، لكن البت في مسألة وقوع أخطاء في بيع أدوات استثمارية قرب المحاكم خطوة في هذا الاتجاه لأن هذه المسألة تعد من شواغل القطاع المالي في مختلف أنحاء العالم منذ الأزمة الائتمانية العالمية.

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن