كشفت تحذيرات المختصين والمسؤولين في صناعة النفط والغاز في بريطانيا، أن الصناعة التي عدت تاريخيا إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد البريطاني، تواجه حاليا أوضاعا صعبة، ما يكشف مدى القلق الذي ينتاب المسؤولين تجاه المستقبل، إذ دفع هذا الوضع بعدد من القيادات العاملة في مجال النفط والغاز، مدعومين بآراء مجموعة من كبار الخبراء والمختصين في هذا المجال، إلى الدعوة لتغييرات جذرية وهيكلية سريعة لتفادي المزيد من تدهور قد يؤدي إلى انهيار شبه كامل مستقبلا.
ووفقا لتقديرات بعض من كبار المسؤولين في بريطانيا، فإن عامين هي المهلة القصوى التي يجب خلالها إصلاح الخلل الذي تواجهه صناعة النفط والغاز، لضمان وضع مستقبلي جيد يمكنها من مواصلة مساهمتها الراهنة في الاقتصاد البريطاني، وإلا فإن الانهيار قد يصبح واقعا محتوما.
ويؤكد الاتجاه العام الراهن في صناعة النفط والغاز البريطانية، أن المسار الاستراتيجي الذي يجب تبنيه، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه يقوم على أساس اعتماد استراتيجية المشروعات المشتركة العملاقة بين شركات النفط والغاز البحري.
وحول الأسباب الداعية لأن تكون تلك الاستراتيجية هي محور المرحلة لضمان عدم حدوث شبه انهيار تام في الصناعة، قال لـ"الاقتصادية" سي. إل. فوستر المختص النفطي، إن "المشروعات المشتركة ستؤدي إلى مشاركة المخاطرة والعائد وتضمن تنسيق الأنشطة والاستغلال الأمثل للحقوق والمعدات، ويمكنها أن تؤدي إلى خفض تكلفة الإنتاج بنحو 15 في المائة، مضيفا أن "الأهم أيضا أنها ستضمن توفير رؤوس أموال أضخم للصناعة تمكنها من التوسع".
وكان تقرير بريطاني قد صدر أخيرا عن الأوضاع في صناعة النفط والغاز، كشف عن حالة من الإحباط بين كبار المسؤولين التنفيذيين فيها، إذا لم تتعد نسبة المسؤولين المتفائلين تجاه الغد نسبة الخمس من إجمالي عدد القيادات الصناعية التي استطلعت آراؤها.
ووصل الإحباط بالبعض إلى الدعوة لتأميم شبكة خطوط الأنابيب في البلاد كوسيلة لخفض التكلفة التي تتحملها الصناعة ولا تستطيع مواكبتها في ظل تراجع أسعار النفط.
وأوضح لـ"الاقتصادية" نيكاي مالون المختص الاقتصادي، أنه "عندما يطالب أصحاب القطاع الخاص من الحكومة بالتحكم في أصولهم المادية، فإننا إذا أمام وضع شديد الصعوبة، من جراء شهور من الأنباء السيئة حول أسعار النفط، إضافة إلى غياب رؤية وقيادة قادرة على إحداث الإصلاحات المطلوبة في هذا القطاع، وقد انعكس ذلك على مستوى الأداء داخل تلك الصناعة الحيوية.
وبين، أن المسؤولين فيه غير قادرين على التوصل إلى اتفاق بشان كيفية التشارك في شبكة خطوط الأنابيب، ومن ثم اقترحوا في البداية إخضاعها لطرف ثالث مستقل يضمن توزيع عادل للمسؤوليات والعوائد في الوقت ذاته، لكن إذا فشل هذا الاقتراح فلن يكون هناك من خيار آخر غير التأميم ".
وأحد أبرز الإصلاحات التي تطالب بها صناعة النفط والغاز البريطانية، ضرورة دعم القوانين الميسرة للمشاريع المشتركة لخفض حدة التنافس في الأسواق، التي تؤدي في ظروف الأزمة إلى استنزاف الموارد المالية المحدودة، حيث إن صناعة النفط والغاز تواجه صعوبة حقيقية في جلب المزيد من الاستثمارات، وسط فقدان الثقة من قبل المقرضين في إقراضها في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها، وغياب آفاق واعدة بها.
من ناحيتها، قالت روزي تشارلي المختصة المالية، إنه "لا يمكن لصناعة النفط والغاز إلقاء مسؤولية الصعوبات التي تواجهها على القطاع المالي أو المصرفي، فقد قدمت الحكومة مساعدات ضخمة لهذا القطاع مع تراجع أسعار النفط، إذ تم تخفيض الضرائب، ومع هذا لم يتحرك أداء القطاع للأمام رغم خفض تكلفة الإنتاج ".
وأضافت، أن "الفجوة تتزايد حاليا بين القطاع المصرفي والحكومي من جانب وقطاع النفط والغاز من جانب آخر، فهناك حاجة ماسة إلى القيام باستقطاعات مالية كبيرة، والأهم عمليات دمج كبيرة وعلى نطاق واسع حتى تستطيع تلك الصناعة البقاء محليا والمنافسة عالميا".
ويتهم بعض المختصين المسؤولين في صناعة النفط بمقاومة عمليات الدمج داخل الصناعة، للحفاظ على مناصبهم ومميزاتهم المالية الضخمة، وطالبوا الحكومة باتخاذ إجراءات شجاعة لإصلاح الصناعة والتعلم من الدروس المستفادة من التجربتين النرويجية والسعودية في إصلاح القطاع النفطي.
وازدادت تلك الدعوات قوة بعد أن كشفت تقارير رسمية أن أربعا من كل عشر من الشركات البريطانية في صناعة النفط والغاز تخطط لخفض التكاليف، وأن وسيلتها الأساسية لتحقيق ما تصبو إليه هو طرد المزيد من العاملين لديها.
بدوره، أوضح لـ"الاقتصادية" إدوارد جونس نائب الرئيس التنفيذي لاتحاد العاملين في صناعة النفط والغاز، أنه "خلال العام الماضي مقابل كل وظيفة تمت إضافتها للصناعة كان هناك ستة أشخاص يفقدون وظائفهم، وإذا كان عدد العاملين في تلك الصناعة قد بلغ الذروة عام 2014 حيث وصل إلى 453 ألف عامل وموظف، فإن عدد الأشخاص الذين تم الاستغناء عن خدماتهم بلغ 120 ألف شخص حتى الآن من جراء التراجع في أسعار النفط، وسط توقعات بأن يفقد 40 ألف عامل وظائفهم بنهاية العام الجاري، ولا نتوقع أن يزيد عدد العاملين في صناعة النفط والغاز البريطانية على 330 ألفا بنهاية 2016.
مع هذا لا تزال هناك أصوات ترى ضوءا في نهاية النفق، وتعتقد أن المشهد يحمل بين طياته إمكانية لاستعادة التوازن من جديد.
من ناحيته، قال لـ"الاقتصادية" الدكتور ادين لونجلي أستاذ اقتصادات النفط في جامعة ليدز، إن "أسعار النفط بدأت في التحسن النسبي وارتفعت من نحو 28 دولارا للبرميل في كانون الثاني (يناير) الماضي إلى ما يقارب 50 دولارا، والمبادرات الرامية إلى رفع مستوى الكفاءة في قطاعي النفط والغاز البريطانيين بدأت في إحراز بعض التقدم، وهناك شركات بريطانية تفكر جديا في الانتقال إلى منطقة الشرق الأوسط.
وأضاف، كما أن الرغبة في الاستثمار في سوق الطاقة في إفريقيا واضحة للعيان، والتوقعات تتزايد بشأن احتمال ارتفاع الأسعار مستقبلا إلى 75 أو 80 دولارا للبرميل، وإذا ارتفعت الأسعار إلى هذا المستوى بحلول العام المقبل أو الذي يليه، فإن صناعة النفط والغاز في بريطانيا ستنفض الغبار الذي تراكم عليها وستعود إلى سابق عهدها.
اقرأ أيضاً:
استثمارات بريطانيا النفطية تتراجع 88% في 2016
شركات النفط والغاز البريطانية نحو مزيد من شطب الوظائف في 2016