توقع مختصون نفطيون أن تستمر حالة التقلبات السعرية في الأسواق خلال الأسبوع الجاري، بعد أن سيطرت تلك الحالة على السوق في الأسبوع الماضي، حيث شهد حالة قوية من تراجع الأسعار بسبب وفرة المعروض قبل أن يختتم الأسبوع على مكاسب سعرية بلغت 3 في المائة.
وتوقع المختصون أن يشهد الأسبوع الجاري اتصالات مكثفة بين كبار المنتجين في إطار التحضير لاجتماع الجزائر في نهاية الشهر الجاري، الذي يشارك فيه منتجو "أوبك" وروسيا وبعض دول الاستهلاك الرئيسية ضمن أعمال الاجتماع الوزاري الخامس عشر لمنتدى الطاقة الدولي.
ويعلق المختصون آمالا على نجاح قمة العشرين المنعقدة حاليا في الصين في التوصل إلى آليات لتنشيط الاقتصاد العالمي والإسراع بمعدلات النمو، معتبرين أن قطاع الطاقة سيكون في صدارة المستفيدين من النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات الطلب.
وتترقب السوق نتائج زيارة محمد باركيندو الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" اليوم إلى طهران ومباحثاته مع كبار المسؤولين حول أهمية انضمام إيران لإجماع المنتجين بشأن مبادرة تثبيت الإنتاج، فيما تتواصل الضغوط على طهران من عدة دول منتجة تأثرت بشكل أكبر من تراجع الأسعار.
واعتبر المختصون أن زيارة نور الدين بوطرقة وزير الطاقة الجزائري إلى طهران تجيء في هذا الإطار وسبقتها مباحثات نفطية إيرانية فنزويلية، وتم التركيز في هذه الاتصالات على أهمية إنجاح اجتماع الجزائر والتوافق حول مستوى مناسب لسعر النفط الخام وإبعاد الخلافات السياسية عن برامج التعاون بين المنتجين، خاصة مبادرة تجميد الإنتاج التي قد تسهم بشكل واسع في بلوغ مستوى جيد للأسعار.
وفي هذا الإطار، يؤكد لـ "الاقتصادية"، الدكتور أمبرجيو فاسولي مدير مركز دراسات الطاقة في مدينة لوزان في سويسرا، أنه من الواضح أن قضية تجميد الإنتاج ستتصدر أجندة العمل في اجتماع المنتجين المقبل في الجزائر الشهر الجاري، مشيرا إلى أن الموقف الإيراني سيكون العنصر الحاسم في إنجاح اتفاق تجميد الإنتاج.
وأضاف فاسولي أنه "حتى الآن ترسل طهران إشارات إيجابية حول فرص نجاح اتفاق تجميد الإنتاج، لكنها دائما ما تقرن هذا الأمر بالحديث عن استعادة مستويات الإنتاج المرتفعة قبل فرض العقوبات الاقتصادية عليها وهو ما يجعل موقفها ملتبسا وغامضا إلى حد كبير ويجعل السوق في حالة ترقب وقلق قبل أسابيع قليلة من اجتماع الجزائر".
وأشار فاسولي إلى أن روسيا والجزائر وفنزويلا تدعم بقوة تجميد الإنتاج، وهو ما أكده وزراء الطاقة في الدول الثلاث الذين قاموا بنشاطات واسعة في هذا الملف خلال الأيام الماضية، كما أن دول الخليج تؤيد الاتفاق بشرط التزام جماعي شامل لكل المنتجين، منوها بأن فرص نجاح اجتماع الجزائر قد تكون أفضل كثيرا من اجتماع الدوحة السابق الذي أخفق في تحقيق التوافق حول قضية تجميد الإنتاج.
ونوه فاسولي بأن زيارة أمين عام "أوبك" الجديد إلى طهران ربما تعطي دفعة جيدة لجهود العمل المشترك وتقريب المسافات والخلافات بين المنتجين، خاصة أن باركيندو يتمتع بقبول واسع بين الدول الأعضاء في "أوبك" ما يسهل مهمته في إقناع طهران بالانخراط في العمل الجماعي مع بقية المنتجين، وتعد قضية تجميد الإنتاج ونجاح اجتماع الجزائر أول اختبار للأمين العام الجديد والوجوه الجديدة في وزارات الطاقة في الدول الأعضاء.
من جانبه، يقول لـ "الاقتصادية"، فرانك يوكنهوفر مدير مشاريع "سيمنز" في بلجيكا وهولندا، "إن جميع القطاعات الاقتصادية تترقب نتائج اجتماعات قمة العشرين في الصين خاصة أنها تجيء في توقيت دقيق بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وقرب انطلاق الانتخابات الأمريكية"، مشيرا إلى أن الآمال منعقدة على التوصل إلى آليات جديدة لتنشيط الاقتصاد العالمي ودعم النمو.
وأضاف يوكنهوفر أن "الطلب على الطاقة مرشح للنمو بقوة في السنوات المقبلة خاصة إذا نجحت الدول الرئيسية في منظومة الطلب في تجاوز مشكلات التباطؤ الاقتصادي والركود والعودة إلى معدلات نمو مرتفعة".
ونوه يوكنهوفر بأن الاستثمارات النفطية ما زالت غير راضية عن مستوى الأسعار وهناك جهود واسعة للتغلب على ذلك من خلال رفع الكفاءة وترشيد الإنفاق، معتبرا نمو الطلب وتجميد الإنتاج – في حالة إقراره – سيدفع السوق نحو مستويات جيدة من التوازن والتعافي.
وأوضح لـ "الاقتصادية"، جيز إيفرتي مدير الاستكشاف في عملاق الطاقة "شتات أويل"، أن الاستثمارات النفطية لا بدَّ أن تركز في المرحلة الراهنة على تطوير وإعادة هيكلة أوضاعها الاقتصادية، متوقعا أن يؤدي نجاح اجتماع المنتجين في الجزائر إلى انعكاسات جيدة على السوق ومستوى الأسعار وبالتالي دعم الاستثمارات.
وأشار إيفرتي إلى أهمية الدراسة الجيدة لفرص الاستثمار الواعدة والمحتملة في عديد من مناطق العالم مع العمل بشكل ممهنج على تطوير محفظة التنقيب، مشيرا إلى أنه بالنسبة إلى "شتات أويل" ستشهد تطورات كبيرة وتوسع في الاستثمارات والإنتاج خلال العامين المقبلين 2017 و2018.
وأضاف إيفرتي أن "الاكتشافات الجديدة ستكون المحور الرئيسي والحاسم للحفاظ على مستوى إنتاج جيد يثري المعروض العالمي ويعوض الانخفاض الطبيعي في الإنتاج بسبب نضوب الحقول القديمة، كما أنه ضرورة لمواجهة الطفرة الواسعة المتوقعة في الطلب مع حلول عام 2030 وما بعده"، مشيرا إلى أن منطقة الشرق الأوسط ستظل مركز ثقل للإنتاج العالمي ومكونا رئيسيا للمعروض النفطي، كما أن هناك مناطق إنتاج أخرى غنية مثل سواحل شمال النرويج التي من المتوقع أن تلعب دورا رئيسيا في الوصول إلى هذا الطموح الإنتاجي الكبير.
وشدد إيفرتي على ضرورة التوسع في اتفاقيات التعاون بين الشركات وزيادة برامج الشراكة، لأن ذلك ينعكس إيجابا على صناعة النفط والغاز ويزيدها قوة وقدرة على التغلب على صعوبات السوق وتقلبات الأسعار. وكانت أسعار النفط قد أغلقت في ختام تعاملات الأسبوع الماضي مرتفعة بنحو 3 في المائة بعد تقرير ضعيف للوظائف الأمريكية وضع ضغوطا على الدولار وأعطى دعما للسلع الأولية، لكن أسعار الخام أنهت الأسبوع على انخفاض حاد بسبب مخاوف وفرة الإمدادات. وأظهر تقرير من وزارة العمل الأمريكية أن نمو الوظائف في الولايات المتحدة تراجع بشكل أكبر من المتوقع في آب (أغسطس) بعد شهرين متتاليين من المكاسب القوية.
وأدى ذلك في بادئ الأمر إلى شكوك في أن يرفع مجلس الاحتياطي الاتحادي "البنك المركزي الأمريكي" أسعار الفائدة في اجتماعه هذا الشهر، لكن الدولار صعد في وقت لاحق من نفس اليوم مع بقاء الاحتمالات لزيادة في أسعار الفائدة في أيلول (سبتمبر).
ولقيت أسعار النفط دعما أيضا من تقرير من شركة "بيكر هيوز" لخدمات الطاقة يظهر استقرار عدد منصات الحفر النفطية قيد التشغيل في الولايات المتحدة.
وأنهت عقود خام القياس العالمي مزيج برنت لأقرب استحقاق جلسة التداول مرتفعة 1.38 دولار أو 3.0 في المائة إلى 46.83 دولار للبرميل، لكنها أنهت الأسبوع على خسائر قدرها 6 في المائة في أكبر هبوط في خمسة أسابيع.
وصعدت عقود خام القياس الأمريكي غرب تكساس الوسيط 1.20 دولار أو 3 في المائة أيضا لتسجل عند التسوية 44.44 دولار للبرميل، وعلى مدى الأسبوع هبط الخام الأمريكي نحو 7 في المائة في أكبر خسارة في ثمانية أسابيع.
اقرأ أيضاً:
ماذا بعد الاكتفاء الذاتي الأمريكي من النفط الخليجي؟!
الإمارات تتصدر دول الخليج باحتياطيات تتجاوز 1,214 تريليون دولار
الإيكونوميست: دول الخليج قد تتجه للأسوأ بعد النفط
الاستمرار في انخفاض النفط يضع اقتصادات الخليج في تحدي من جديد