تجاوز نشاط عمليات الاندماج والاستحواذ في جميع أنحاء العالم ثلاثة تريليونات دولار للعام الرابع على التوالي، وهو ما يعني استمرار موجة غير مسبوقة من إبرام الصفقات، يقول المصرفيون إنه من المتوقع لها أن تتسارع في عام 2018.
تُوِّج الشهر الأخير من عام 2017 بثلاثة تعاملات لاقت إقبالا كبيراً، من قبل شركات قررت التحرك لمواجهة التهديد بالتعطيل من شركات من شاكلة أمازون وفيسبوك ونتفليكس، التي تستغل حجمها ونطاقها لاقتحام قطاعات جديدة.
بعد مواجهة احتمال دخول شركة أمازون إلى قطاع الصيدلة، وافقت أكبر سلسلة صيدليات في الولايات المتحدة سي في إس هيلث على الاستحواذ على شركة تأمين الرعاية الصحية إيتنا مقابل مبلغ 69 مليار دولار.
في الوقت نفسه، تأثير شركة أمازون على قطاع التجزئة العالمي شجع عائلة لوي الأسترالية صاحبة المليارات على بيع مركز التسوق العالمي ويست فيلد إلى الشركة الفرنسية يونيبيل - رودامكو مقابل مبلغ 24.7 مليار دولار.
أدى مزيد من زحف شركتي فيسبوك ونتفليكس للدخول في مجال حقوق الرياضة ووسائل الإعلام وإنتاج الأفلام، إلى بيع روبرت ميردوك جزء كبير من إمبراطورتيه فوكس القرن الحادي والعشرين إلى شركة ديزني في صفقة بلغت قيمتها 66 مليار دولار.
وصل الحجم الإجمالي لهذه الصفقات 3.5 تريليون دولار في عام 2017، بانخفاض نسبته 1 في المائة عن العام الماضي، وهو الرقم الأدنى منذ عام 2014، وفقا لبيانات واردة من مؤسسة ثومسون رويترز. ذلك العام كان أيضا العام الرابع على التوالي الذي تجاوزت فيه مستويات الصفقات ثلاثة تريليونات دولار، وهي مسيرة متواصلة قياسية.
قال مارك ناتشمان، الرئيس المشارك للخدمات المصرفية الاستثمارية العالمية في بنك جولدمان ساكس، المصرف الذي احتل أعلى مرتبة أعلى ضمن الشركات الاستشارية من حيث حجم الصفقات المبرمة هذا العام: "كان الجزء الأكبر من عام 2017 بطيئا بالنسبة للصفقات الضخمة.
نعتقد بأن الزخم المتعلق بنشاط الصفقات الكبرى سيستمر حتى العام المقبل، لأننا نرى أن هنالك عددا من الصناعات تتعرض لتحولات استراتيجية واسعة النطاق، ومزيد من تصويب الأوضاع والتكامل".
قدم البنك الأمريكي المشورة إلى شركة أمازون بشأن عملية استحواذ بلغت قيمتها 13.7 مليار دولار لسلسلة البقالة الراقية هول فودز، في صفقة أكدت قدرة مجموعة التجارة الإلكترونية على إحداث هزة واسعة في قطاع بأكمله من خلال اتخاذ خطوة واحدة سريعة.
قالت آيلين نوجينت، شريك في عمليات الاندماج والاستحواذ تعمل لدى شركة سكادين: "في الوقت الحاضر يجري تعطيل كل قطاع، والجميع يحاول الاستجابة للتغيرات التكنولوجية، ولا أحد يرغب في أن يكون خارج اللعبة، ولهذا السبب تقوم كثير من الشركات بشراء أصول استراتيجية، لتتمكن من اتخاذ وضع أفضل يمكنها من التنافس على الصعيد العالمي".
بقيت الولايات المتحدة المنطقة الأكثر نشاطا، مع إبرام صفقات بقيمة 1.4 تريليون دولار، على الرغم من انخفاض قيمة عمليات الاستحواذ والاندماج هناك بنسبة 16 في المائة عن العام الماضي.
مع ذلك، ارتفع عدد الصفقات الأمريكية المبرمة في عام 2017 ليصل إلى أكثر من 12400 صفقة، وهو رقم قياسي كان مدفوعا بارتفاع في التعاملات التي كانت قيمة الواحدة منها أقل من مليار دولار.
يتوقع مبرمو الصفقات حدوث دَفعة في عمليات الاندماج والاستحواذ في العام المقبل، في الوقت الذي ترتب فيه الشركات كيفية الاستفادة من الوفورات المترتبة على قانون إصلاح ضريبة الشركات الذي أقره الرئيس دونالد ترمب.
قال ستيف بارونوف، رئيس عمليات الاندماج والاستحواذ العالمية في بانك أوف أمريكا، وإيثان كلينجسبيرج، شريك في الشركة القانونية كليري جوتليب ستين آند هاملتون، إن تحسن الآفاق الاقتصادية أدى إلى قيام كثير من الشركات بالسعي إلى صفقات لم يطلبها أصحابها.
حتى الآن لم يتم حل أكبر صفقة مبرمة في عام 2017، في الوقت الذي تسعى فيه شركة برودكوم لتقديم عرض استحواذ عدائي بقيمة 130 مليار دولار لشراء الشركة المنافسة كوالكوم المتخصصة في صناعة الرقائق. وقد وضعت شركة برودكوم خططا للإطاحة بمجلس إدارة كوالكوم في آذار (مارس) المقبل.
في مقابل الصفقات في الولايات المتحدة، تزايد نشاط الصفقات الأوروبية بنسبة 16 في المائة ليصل إلى 856.3 مليار دولار، على الرغم من الفشل المبكر في هذا العام للمحاولة الأكبر في المنطقة - عرض بقيمة 143 مليار دولار من شركة كرافت هاينز للاستحواذ على شركة يونيلفر.
هذا العرض، بقيادة شركة الأسهم الخاصة ثري جي كابيتال ومجموعة مدعومة من قبل وارن بوفيت، استثار سلسلة من التحركات في جميع أنحاء القطاع الاستهلاكي الأوروبي، حيث اندفعت شركة يونيلفر لاقتناص علامات تجارية عصرية، والتخلي عن أعمالها في المواد القابلة للدهن إلى شركة كيه كيه آر، مقابل 6.8 مليار دولار في واحدة من أكبر صفقات الأسهم الخاصة في ذلك العام.
كما أدى أيضا إلى قيام المستثمرين الناشطين باستهداف شركات كبيرة أخرى، بما فيها شركة نستله السويسرية وشركة دانون الفرنسية.
في بلدان أخرى، تبقى كل من شركة هوتشتيف الألمانية وأتلانتيا الإيطالية عالقتين في معركة لشراء مجموعة البنية التحتية ورسوم الطرق الإسبانية أبيرتيس، في صفقة يمكن أن تتجاوز قيمتها 38 مليار دولار، بما في ذلك الديون.
ويتوقع المصرفيون أن يحدث مزيد من الارتفاع في النشاط العام المقبل، ولا سيما بين شركات البنية التحتية، والمنافع العامة، والطاقة.
قال جنس ويلتر، الرئيس المشارك لقسم القطاع المصرفي الاستثماري الأوروبي في بنك كريدي سويس: "الارتفاع في نشاط الصفقات في كل القطاعات والمناطق الجغرافية، مدفوع باقتصاد أوروبي يعيش عامه الخامس من الانتعاش والنمو بأسرع وتيرة خلال عقد من الزمن".
بلغ النشاط في منطقة آسيا والمحيط الهادئ 911.6 مليار دولار، مرتفعا بنسبة 11 في المائة عن العام الماضي، حتى مع فشل حجم إبرام مثل هذه الصفقات الصادرة عن الصين، في تجاوز الرقم القياسي الذي وصلت إليه في عام 2016.
نظام ضوابط رأس المال الجديد في الصين، وتزايد التدقيق من قبل الحكومة الأمريكية والدول الأوروبية كان له أثر سلبي في قدرة الشركات الصينية على الاستثمار في التكنولوجيا الأمريكية الحساسة، أو إبرام صفقات ضخمة في عام 2017.
الشركات الصينية لا تزال تحتفظ بمعدل كبير من عمليات الاستحواذ الخارجية، حيث دفعت مبالغ وصلت 140.5 مليار دولار من أجل الصفقات العابرة للحدود، ما يجعل العام الحالي ثاني أكبر سنة لديها، على الرغم من انخفاض بنسبة 34 في المائة عن عام 2016.
قالت مارشا إيليس، شريكة في موريسون آند فويرستر في هونج كونج: "بالنسبة لعام بدأ بتوقعات قاتمة جدا - بسبب لجنة الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة وضوابط رأس المال المحلية في الصين - اتضح أن العام كان مليئا بالنشاط بشكل لا يصدق. عملت الشركات الصينية على تحويل تركيزها: أقل مما كان على الولايات المتحدة وأقل مما كان على قطاع التكنولوجيا".
كثير من المجموعات، وأغلبها من المجموعات التي تسيطر عليها الدولة، حولت تركيزها إلى صفقات البنية التحتية والموارد والطاقة في الخارج.
في أكبر عملية استحواذ لهذا العام من الصين، وافق تكتل بقيادة صندوق الثروة السيادية سي آي سي على شراء شركة لوجيكور، مجموعة اللوجستيات الأوروبية، من شركة بلاكستون، مقابل 12.25 مليار يورو. شركة يانكول المدعومة من الدولة اشترت أحد أصول الفحم في أستراليا من شركة ريو تنتو مقابل 3.5 مليار دولار، في واحدة أخرى من أكبر الصفقات الصينية لعام 2017.
من المتوقع أن يستمر معظم النشاط، إلى جانب بعض الصفقات من القطاع الخاص.
قال كولن بانفيلد، الرئيس المشترك لصفقات الاندماج والاستحواذ العالمية العابرة للحدود لدى سيتي جروب، في معرض حديثه عن آفاق السنة الجديدة: "على أساس نسبي، المزاج العام هو بالتأكيد في حالة جيدة".
وأضاف: "استنادا إلى حجم النشاط والاستعلامات التي نشهدها الآن، أرى أن الآفاق بالنسبة لعام 2018 تبشر بالخير".
اقرأ أيضًا:
توقعات بارتفاع عمليات الاستحواذ والاندماج العام المقبل
ارتفاع كبير في عمليات الدمج والاستحواذ بمنطقة الشرق الأوسط في الربع الثاني
عمليات الدمج والاستحواذ العالمية تتجه نحو أرقام قياسية جديدة