تبدو أغلب المصارف الدولية متفائلة بارتفاع سعر صرف الدولار خلال المرحلة المقبلة وسط توقعات بزيادة قيمته بنحو 1.2 في المائة بنهاية هذا العام، فقد شهدت الأيام التالية لفوز دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، تغيرات ملموسة في سوق العملات عزز فيها الدولار مواقعه، خاصة في مواجهة العملة الأوروبية الموحدة اليورو.
وبدأ الجنيه الاسترليني الذي تراجع بشكل ملحوظ منذ تصويت الناخب البريطاني لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي يستعيد بعضا من عافيته في مواجهة العملات الدولية الأخرى مدفوعا بالتغيرات التي أفرزتها الانتخابات في الولايات المتحدة.
ويعتقد آرثر نيك المحلل المالي في بورصة لندن، والمختص في أسواق العملات، أن التغيرات السياسية في الولايات المتحدة، دفعت بالمستثمرين إلى تحويل أنظارهم إلى التبعات الناجمة عن هذا التغيير، ومن ثم خففت حدة الضغط على العملة البريطانية، ما أدى إلى ارتفاع الاسترليني في مواجهة 31 عملة دولية، ليكون - وفقا لآرثر نيك - الفائز الأكبر في سوق العملات جراء وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.
وقال لـ "الاقتصادية"، "التوقعات أن يزيد طلب المستثمرين على كل من الاسترليني والدولار خلال الفترة المقبلة، بينما سيتراجع سعر صرف اليورو، والسبب في ذلك أن بريطانيا والولايات المتحدة مرتا بأكبر هزتين اقتصاديتين وهما الانسحاب من الاتحاد الأوروبي ووصول ترمب إلى السلطة، ومن ثم الهزات المقبلة ستكون في منطقة اليورو، فالأشهر المقبلة ستشهد الانتخابات الألمانية والفرنسية واستفتاء على الدستور في إيطاليا، وإذا أفرزت الانتخابات أو الاستفتاء نتائج غير متوقعة، فإن سعر صرف العملة الأوروبية سيتعرض لانخفاض شديد، وهو ما يدفع بالمضاربين إلى التخلي عن اليورو الآن لمصلحة الدولار والاسترليني".
من جانبها اعتبرت روزي ميلر المحللة المالية في المجموعة الدولية للاستثمار أن التحسن الطارئ على الاسترليني سيستمر في الأجل القصير فقط، بينما لا يزال الأجلان المتوسط والطويل يحملان مخاطر حقيقية عليه.
وقالت لـ "الاقتصادية"، "بمجرد أن تفعل الحكومة البريطانية المادة 50 بشأن مفاوضات الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، سيتراجع الاسترليني بشدة. وعلى الرغم من التحسن الراهن في قيمة الاسترليني، فإنه لا يزال بعيدا عن مستوى سعر الصرف الذي بلغه العام الماضي في ذات الوقت، وهو 1.52 لكل دولار و1.42 لكل يورو بينما حاليا لا يتجاوز 1.26 لكل دولار و1.16 لليورو".
وفي الأسبوع الماضي ارتفع الاسترليني لأعلى مستوى في خمسة أسابيع عند 1.2373 دولار. ونزل الاسترليني إلى 1.2490 دولار مع مكاسب العملة الأمريكية. وفي مقابل اليورو ارتفع الجنيه الاسترليني 0.1 في المائة إلى 86.055 بنس مقتربا من أعلى مستوى في سبعة أسابيع الذي بلغ 85.67 بنس يوم الجمعة الماضي.
لكن بعض المختصين المصرفيين يطالبون بالتمهل وعدم التسرع في الحكم على التوجهات السعرية المقبلة للدولار حتى تتضح ملامح السياسة الاقتصادية للرئيس دونالد ترمب، وتحديدا طبيعة التغيرات التي ستقع على السياسة المالية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، وأسعار الفائدة.
وقال لـ "الاقتصادية" المختص المصرفي هاري دودز "فوز ترمب بالانتخابات منح الدولار الأمريكي دفعة للأمام، إذ ارتفع منذ إعلان النتيجة حتى الآن بنحو 2.4 في المائة مقابل سلسلة من 16 عملة دولية، وتلك أعلى زيادة يحققها منذ مايو 2015، وأغلب التقديرات أنه سيواصل الارتفاع. وربما يعود ذلك إلى طبيعة السياسات التي تعهد بها ترمب وهي زيادة الإنفاق، وخفض الضرائب، والحد من القيود المفروضة على سوق الأعمال والمصارف، وسط توقعات بأن يقوم مجلس الاحتياطي الفيدرالي بزيادة أسعار الفائدة، وتلك السياسات جميعا إذا ما تحققت فستمثل دعما للدولار".
وأضاف "مع هذا يجب انتظار قرارات الرئيس الأمريكي الجديد، وإلى أي مدى سيقوم بالالتزام بتعهداته، لأنه إذا لم يقم بذلك فإن الإحباط الذي سيمنى به رجال الأعمال، سيدفعهم إلى التخلي عن الدولار، ومن ثم حدوث تراجع ملحوظ في سعر الصرف الخاص به في مواجهة العملات الأخرى".
ومع هذا يظل التقدم المستمر في سعر صرف العملة الأمريكية، مفاجئا لرجال الأعمال، الذين توقعوا أن يسفر وصول ترمب للسلطة عن تراجع الدولار، وهو ما حدث بالفعل في اللحظات الأولى لإعلان النتيجة، حيث فقد الدولار نحو 0.8 في المائة من قيمته، خشية أن يعني تولي مرشح الحزب الجمهوري لسدة الحكم في الولايات المتحدة، تبني سياسات حمائية تؤدي إلى تراجع التجارة الدولية.
مع هذا يحذر بعض الأكاديميين من التأثير السلبي للصعود المفرط للعملة الأمريكية في كل من معدلات النمو في أمريكا بل والتجارة الدولية.
وقالت لـ "الاقتصادية" الدكتورة تريسي كورك أستاذة الاقتصاد الدولي "علينا أن ندرك أن تطبيق ترمب رؤيته الاقتصادية، سيتطلب منه بعض الوقت حتى ينجح في وضعها موضع التنفيذ، كما أن نتائجها ليست تلقائية، بل ستتطلب أيضا فترة زمنية ملموسة حتى تترجم على أرض الواقع، وإذا سار ترمب في اتجاهات متناقضة مثل تحفيز النمو الداخلي في الولايات المتحدة من جانب، وإضعاف التجارة مع الشركاء الرئيسيين مثل الصين والمكسيك، فإن هذا قد يؤدي الى إضعاف النمو الاقتصادي الدولي ومن ثم إضعاف الطلب على الدولار".
وأضافت "كما يجب أن نأخذ في الحسبان العلاقة بين الدولار وعملات الاقتصادات الناشئة، فالعملة الأمريكية ارتفعت أمام نظيرتها المكسيكية بنحو 14.2 في المائة، وأمام الريال البرازيلي 8.1 في المائة، والروبية الإندونيسية 2.1 في المائة، وفقدت أسواق الأسهم والسندات في الاقتصادات الناشئة نحو 2.4 مليار دولار في شكل رؤوس أموال مغادرة نتيجة هذا الوضع، والخطورة أن مواصلة الانحياز الشديد للدولار في مواجهة العملات الناشئة، سينعكس سلبا على التجارة الدولية، وسيعاود الارتداد بقوة على سعر الصرف العملة الأمريكية سلبا أيضا".
وأشارت إلى أن الأمر المؤكد أن الدولار سيرتفع خلال الأسبوع المقبل، لكن بعد ذلك لكل حادث حديث.
اقرأ أيضاً:
الدولار نحو أقل مستوى في شهر مقابل الين