السلع الأولية ستواجه أوضاعا صعبة في 2016

تاريخ النشر: 07 يناير 2016 - 09:51 GMT
يرى المختصون أن عاملين أساسيين سيتحكمان في الأسواق الدولية خلال العام الجاري، الأول يتمثل في معدلات الزيادة المتوقعة في أسعار الفائدة الأمريكية، فيما يتوقف العامل الثاني على توجهات ومصير أسعار السلع الأولية
يرى المختصون أن عاملين أساسيين سيتحكمان في الأسواق الدولية خلال العام الجاري، الأول يتمثل في معدلات الزيادة المتوقعة في أسعار الفائدة الأمريكية، فيما يتوقف العامل الثاني على توجهات ومصير أسعار السلع الأولية

يؤكد عدد كبير من الاقتصاديين أن مرحلة الازدهار القوي لسوق السلع الأولية التي استمرت عشر سنوات في طريقها إلى الانتهاء بعد ختام عام 2015 الذي شكل ضغطا على شركات التعدين والطاقة مع تباطؤ النمو الصناعي في الصين وانحسار شهيتها للمواد الخام، في الوقت الذي لا تنبئ فيه آفاق 2016 بتحسن كبير.

ويرى المختصون أن عاملين أساسيين سيتحكمان في الأسواق الدولية خلال العام الجاري، الأول يتمثل في معدلات الزيادة المتوقعة في أسعار الفائدة الأمريكية، فيما يتوقف العامل الثاني على توجهات ومصير أسعار السلع الأولية.

وهبط مؤشر تومسون رويترز للسلع الأساسية بنحو الربع على مدى العام، مسجلا أدنى مستوياته منذ 2002 في الشهر الماضي مع تضرر السلع الأولية من الحديد إلى النفط والذهب وهناك علامات مضيئة قليلة تلوح في الأفق.

وخلال الخمسة عشر شهرا الماضية ضربت عاصفة شديدة سوق السلع الأولية فهزتها بعنف، وأحدثت فيها شروخا عميقة، وترافق تراجع الطلب العالمي على السلع الأولية، مع ارتفاع في قيمة الدولار، في إطار دورة تعد واحدة من أكثر دورات ارتفاع قيمة العملة الأمريكية قوة خلال العقود الثلاثة الماضية.

لكن أهمية تأثير هذين العاملين في مستقبل سوق السلع الأولية، لا تقرأ قراءة واحدة من قبل المختصين والخبراء، ولا يخفي جان مولز المحلل المالي في بورصة لندن تشاؤمه مما سيصيب سوق السلع الأولية هذا العام، ويعتقد أن الأسعار ستشهد انهيارا أكثر حدة بنهاية العام الجاري.

وأشار مولز لـ "الاقتصادية"، إلى أن معظم السلع الأولية خسرت خلال العام الماضي ما يراوح بين 20 و30 في المائة من قيمتها، والسبب الرئيسي وراء الخسارة الحادة هو التخمة الراهنة في العرض، جراء مواصلة الإنتاج بذات الوتيرة المعتادة، بينما تباطأ الطلب العالمي، سواء لانخفاض معدلات النمو في الصين أو لدخول معظم الاقتصادات الناشئة مرحلة الركود، وحتى الزيادة في معدلات النمو الاقتصادي في الهند، لم تكن كافية لتعويض النقص الإجمالي في الطلب الدولي على السلع الأولية.

إلا أن الدكتورة تينا هربر أستاذة التحليل الاقتصادي لا تبدو لديها ذات الدرجة من التشاؤم، إذ ترى أن هناك بصيصا من الأمل لتحسن أسعار عديد من السلع الأولية، لكن خلال النصف الثاني من العام الحالي.

وتضيف لـ "الاقتصادية"، أنه "إذا نظرنا إلى ما حدث خلال الأيام الخمسة الأولى من هذا العام، فسنجد تحسنا في أسعار النحاس إذ ارتفع بنسبة 1.5 في المائة ليصل إلى أعلى مستوى له في أسبوعين، وكذلك ارتفع سعر النيكل بنحو 0.2 في المائة نتيجة دعم الصين لسوق الأوراق المالية، وهذا يعطى انطباعا أوليا بأن السوق تشهد تذبذبات وليس حالة ركود".

وأشارت هربر إلى أن التدخل الحكومي يمكن أن يحفز أسواق السلع الأولية خاصة المعادن، "ولكنى أعتقد أن الأسواق في حاجة إلى بعض الوقت لتستعيد توازنها"، فشركات إنتاج السلع الأولية سواء كانت معادن أو مواد أخرى كالسكر والبن والكاكاو مثلا لن تستطيع مواصلة الإنتاج في ظل الأسعار الراهنة، وسيدفع ذلك بالشركات المنتجة إلى خفض الإنتاج، ما سيخفف إلى حد ما من التخمة الراهنة في المعروض، وسيسمح بحلول الربع الثالث من العام الجاري في بروز ارتفاع ملموس في أسعار المواد الأولية.

وبغض النظر عن السيناريو الذي سينتهي إليه مصير السلع الأولية هذا العام، فإن المستثمرين في هذا القطاع يواجهون خيبة أمل منذ بعض الوقت، لكن بعض المؤشرات تشير إلى إمكانية زيادة الجاذبية المستقبلية في سوق السلع الأولية، عبر تحقيق عوائد جيدة في المدى المتوسط، فسياسات البنوك المركزية، والتقلبات الشديدة التي شهدتها بعض أسواق البورصات العالمية خلال 2015 يستبعد تكرارها هذا العام.

وإذا كانت التقديرات الأولية تشير إلى أن متوسط الخسائر في سوق النفط والغاز والنحاس والبلوتونيوم والقهوة بلغت 20 في المائة، وهي ذات النسبة في أسواق الحبوب، فإن أغلب التقديرات تؤكد إمكانية التحسن في بعض السلع الأولية الزراعية المحدودة مثل الكاكاو والقطن والسكر خلال العام الراهن.

وفي هذا السياق طالب بعض المختصين الاقتصاديين بعدم الاستهانة بدور الظواهر المناخية المتوقعة عام 2016 في التأثير السلبى في أسواق عدد ملحوظ من السلع الأولية. هيرمن كيلي الباحث الاقتصادي يشير إلى التأثيرات المتوقعة لظاهرة النينو ويعتبر أن الأجواء الدفيئة في الجزء الشرقي من قارة أمريكا الشمالية أضعفت نسبيا الطلب على الغاز وزيوت التدفئة، وأوجد هذا فائضا في السوق العالمية للنفط. ويدعو هيرمن إلى عدم التهوين من تأثير ظاهرة النينو على سوق السلع الأولية، إذ يتوقع أن تشهد أستراليا جفافا هذا العام، كما سيكون لظاهرة النينو تأثيرا سلبيا في موسم الأمطار في الهند.

وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن تشهد أسعار المنتجات الزراعية ارتفاعا على المستوى العالمي نظرا لتوافر إمدادات كافية من السلع الزراعية، وغياب روابط قوية بين الأسعار العالمية من جانب والمحلية من جانب آخر خاصة في البلدان النامية.

وتشهد أسعار المواد الغذائية ارتفاعا ملحوظا في دول كالهند والصين، ويمكن أن تؤدي التأثيرات السلبية لظاهرة النينو في الإنتاج المحلي إلى حالة من القلق الحكومي جراء الارتفاع المبالغ فيه لأسعار المنتجات الزراعية والتأثير السلبي لذلك في معدلات التضخم.

من جانبه أوضح مارك تو رئيس البحوث لدى "وينج فنج فايننشال جروب بهونج كونج"، أن فرص التفاؤل في 2016 تبدو قاتمة، وربما يسهم تباطؤ النمو الاقتصادي والإصلاحات الهيكلية في الصين في خفض الطلب على السلع الأولية، مضيفاً أن "مزيدا من الارتفاع في أسعار الفائدة الأمريكية سيزيد الأوجاع مع صعود الدولار وهو ما يجعل كثيرا من السلع الأولية أكثر تكلفة للمشترين الدوليين".

وأشار تو إلى أن السلع الأولية الصناعية تراجعت، أسعار الحديد الخام 40 في المائة هذا العام نظرا لوفرة الإمدادات العالمية وتقلص الطلب الصيني على الصلب للعام الثالث ومن المتوقع أن يمتد التراجع إلى العام المقبل.

وانخفضت أسعار الفحم الحراري بنحو الثلث في 2015 متضررة من ضعف الطلب الصيني وزيادة استخدامات الطاقة المتجددة بعدما قال بنك جولدمان ساكس ووكالة الطاقة الدولية "إن طلب الصين على الفحم بلغ الذروة".

وفقدت أسعار الحديد الخام والفحم نحو 80 في المائة من قيمتها منذ ذروتها التاريخية في 2011 و2008، وسبب هذا الهبوط أضرارا لشركات التعدين الكبرى مثل بي.إتش.بي بيليتون وريو تينتو وأنجلو أمريكان، إضافة إلى الشركات التجارية مثل "نوبل جروب الآسيوية وجلينكور الأوروبية" وهو ما دفع تلك الشركات إلى الاستغناء عن موظفين وبيع أصول.

وتراجعت الأسعار القياسية للنفط والغاز الطبيعي أيضا وهبطت بمقدار الثلث هذا العام والثلثين منذ بدء الانخفاض في 2014 مع زيادة تخمة المعروض وتباطؤ الطلب.

وقال بنك مورجان ستانلي "إن الأوضاع غير المواتية ستتنامى في 2016"، مشيرا إلى زيادة المعروض العالمي وتباطؤ الطلب وهو ما يعكس الاعتقاد السائد في السوق بأن الأسعار لن تشهد صعودا يعتد به قبل أواخر العام المقبل.

ومن المتوقع أن تحفز الآفاق معركة للبقاء داخل سلسلة الإمدادات بما في ذلك شركات الشحن البحري والشركات الخاصة للحفر النفطي، بينما ستشعر الدول المعتمدة على النفط من فنزويلا وروسيا إلى الشرق الأوسط بوجع تقلص الإيرادات.

وبحسب محللون فإن المعادن الأساسية ربما تشكل نقطة مضيئة مع تحسن العوامل الأساسية، وأشارت هيلين لاو المحللة لدى "أرجونوت" للأوراق المالية في هونج كونج، إلى أن الجميع يتوقع أن تكون أسعار المعادن قد بلغت أدنى درجات الهبوط، وفيما يتعلق بالطلب هناك علامات على التعافي مع تحسن الاقتصاد الأمريكي والخطوات التي تتخذها الصين لاستقرار اقتصادها، وبالنسبة إلى العرض حصلنا أخيرا على استجابة من المنتجين الذين قرروا أن يفعلوا شيئا لدعم الأسعار.

اقرأ أيضاً: 

2015 العام الأسوأ لأسعار المعادن

المعادن تتفق على التراجع وهروب جماعي للمستثمرين