تتفاقم المخاوف في المعسكر الفلسطيني مع اقتراب موعد خطاب رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وتقديم طلب عضوية فلسطين الرسمية والكاملة في المنظمة. وقد أصبح جلياً الآن لقادة حركة فتح ولأبي مازن نفسه ان هذه الخطوة قد تقود الفلسطينيين لمأزق جديد. وليس من باب الصدفة أن أبو مازن قد ألمح، قبيل مغادرته رام الله متوجها الى نيويورك، بأنه يتوقع أن يواجه الشعب الفلسطيني "أوقاتا صعبة" عقب تقديم الطلب المذكور يوم الجمعة القادم.
وينبع قلق القيادة الفلسطينية من تزايد حدة الانتقادات لمثل هذه الخطوة من جانب الغرب اذ تسلم الفلسطينيون رسائل لاذعة علنية وغير علنية من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، ولذلك ما زالت الجهود من أجل التوصل لمخرج مستمرة حتى اللحظة الأخيرة بالرغم من أن الرئيس الفلسطيني وضع نفسه في الزاوية واختار طريق اللاعودة.
وقد أشار تقرير في صحيفة "واشنطن بوست" الى الأجواء الصعبة التي تخيم على الادارة الأمريكية برئاسة أوباما حيث تعتقد ادارة البيت الأبيض ان الخطوة ستعود بالضرر على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية على حد سواء بسبب احتمال قيام الكونجرس بتعليق المساعدات المالية للفلسطينيين، بالاضافة لامكانية فرض عقوبات مماثلة من جانب اسرائيل. وقدّر أبو مازن مؤخرا بأن يعلّق الكونجرس ما قيمته 470 مليون دولار من المساعدات المالية مما يشكل ضربة مالية قاسية للسلطة الفلسطينية. كما وتخشى الادارة الأمريكية من انزلاق الامور في المنطقة الى دائرة العنف.
وأضافت الصحيفة ان التوجه للأمم المتحدة ينقذ عباس من القيام بتنازلات مؤلمة قد يتطلبها اتفاق تسوية مستقبلي مع اسرائيل. وقد باءت محاولة ممثل اللجنة الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط، توني بلير، في ايجاد صيغة لاستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين واسرائيل بالفشل بسبب رفض الفلسطينيين تقبّل إسرائيل كدولة "الشعب اليهودي" رغم محاولات وساطة من جانب أوروبا في هذا الشأن، حسب ما جاء على لسان "واشنطن بوست."
ولا تقتصر موجة الغضب على ابي مازن على الساحة الدولية فقط بل امتدت داخل المعسكر الفلسطيني حيث أعرب رئيس حكومته، سلام فياض، عن قلقه الشديد من ان تؤدي هذه الخطوة الى ضعضعة العلاقات مع المجتمع الدولي وذلك من خلال مقابلة مع صحيفة "دير شبيغل" الألمانية نشرت في بداية الاسبوع الحالي. وأضاف فياض قائلا: " هناك فرق كبير بين المراد والمنال." وقال فياض أيضا :" اذا كتب الفشل لخطوة التوجه للأمم المتحدة كما يبدو الآن، دعونا نبحث عن طريق أفضل نذهب فيه يدا بيد مع المجتمع الدولي، فنحن بحاجة لأكبر قدر من التأييد الدولي بحيث لا يتم تصدع الموقف الأوروبي أثناء التصويت."
يبدو أن قلق فياض واضحا، فقبل أيام قليلة فقط، حذّر خبراء البنك الدولي من أن تغدو انجازاته الاقتصادية خلال السنتين الماضيتين برمتها في مهب الريح. وتشير التقارير الى ان السلطة الفلسطينية سوف تواجه أزمة مالية خانقة في ظل تراجع معدلات النمو الاقتصادي وانخفاض المساعدات الخارجية مما جعل بعض القياديين الفلسطينيين يدركون ان مساوئ التوجه للأمم المتحدة أكثر من منافعها.
لقد أثنى البنك الدولي على عملية بناء المؤسسات من جانب السلطة الفلسطينية خلال السنوات الماضية غير أن ضعف الأداء الاقتصادي وتقليص التمويل الخارجي قد يضع هذه المؤسسات في وضع لا تحسد عليه. ويتوقع خبراء البنك الدولي أن يسجل الاقتصاد الفلسطيني نموا بنسبة 7% هذا العام مقارنة مع 9% العام الماضي. وقد أصبح التباطؤ ملموسا في الضفة الغربية التي سجلت نموا بنسبة 4% خلال النصف الأول من 2011 مقابل 8% في نفس الفترة من العام المنصرم.
ان امكانية عدم وفاء الدول المانحة بتعهداتها تجاه الفلسطينيين تشكل مصدر قلق آخر للسلطة التي تسلمت مساعدات فعلية بقيمة 293 مليون دولار فقط خلال النصف الأول من العام الراهن من أصل مساعدات متوقعة بقيمة 967 مليون دولار في ميزانية نفس العام، حسب التقارير. ومما لا شك فيه، أن إصرار ابو مازن على المضي قدما بخلاف موقف المجتمع الدولي سوف يزيد من الطين بلة على الصعيد المالي الفلسطيني.
المصدر: موقع "نقودي.كوم"