شهدت أسعار النفط الخام في الأسواق الدولية تحسنا ملموسا خلال تعاملات الشهر الجاري، وأنهى خام القياس العالمي "برنت" الأسبوع الماضي مرتفعا 7.9 في المائة، في حين صعد الخام الأمريكي 4.4 في المائة، ليقلصا بذلك خسائرهما على مدى الشهر الجاري إلى 6.8 في المائة و9.3 في المائة على الترتيب.
ونجحت سلة خام "أوبك" في الثلث الأخير من الشهر في تقليص خسائرها على نحو كبير بعدما كانت السلة قد فقدت على مدار الأسابيع الثلاثة الأولى من الشهر نحو 30 في المائة من سعرها نزولا من نحو 31 دولارا في بداية الشهر إلى نحو 22 دولارا في الأسبوع الثالث، إلا أن في الأسبوع الأخير وحده ارتفعت إلى نحو 28 دولارا لتقلص الخسائر على مدى الشهر إلى نحو 10 في المائة فقط.
وتعود المكاسب التي حققها الخام خلال الشهر خاصة في الأسبوع الأخير إلى عدة أسباب في مقدمتها الأجواء الإيجابية في السوق بعد توقع التوصل إلى اتفاق قريب بين المنتجين في "أوبك" والمستقلين على آليات جديدة لدعم السوق وتحسين الأسعار وترددت أنباء عن خفض جماعي لمستويات الإنتاج.
وتلقى النفط دعما أيضا من توقف صعود الدولار الذي يرتبط مع أسعار النفط بعلاقة عكسية، ويرجع توقف صعود العملة الأمريكية إلى نشر أرقام ضعيفة للناتج المحلي الأمريكي، ما عزز الآمال بأن مجلس الاحتياطي الاتحادي قد يسير بخطى بطيئة في أي زيادات مزمعة لأسعار الفائدة.
وكانت أسعار النفط الخام قد وسعت مكاسبها في ختام الأسبوع الماضي إلى أكثر من 25 في المائة مقارنة بالأسعار شديدة التدني التي سجلتها في الأسبوع قبل الماضي والتي تعتبر من أدنى مستويات الأسعار في 12 عاما، وذلك إثر الإعلان عن تحرك دولي يشمل كبار منتجي النفط في العالم ويركز على مواجهة فائض المعروض النفطي وحالة التخمة الشديدة في الأسواق التي تعتبر من أكبر تخم الإمدادات في التاريخ.
وأظهرت بيانات أن شركات الطاقة الأمريكية خفضت عدد الحفارات النفطية قيد التشغيل للأسبوع السادس على التوالي، ومن المتوقع أن تواصل خفضها في الأسابيع المقبلة مع قيام ثلاث شركات أمريكية كبرى للنفط الصخري بتخفيض خططها للإنفاق، بعد أن هوت أسعار الخام لأدنى مستوياتها في 12 عاما.
وأشارت شركة بيكر هيوز للخدمات النفطية في تقريرها الذي يحظى بمتابعة وثيقة إلى أن شركات الحفر أزالت 12 حفارا نفطيا في الأسبوع المنتهي في 29 كانون الثاني (يناير) ليصل إجمالي عدد الحفارات قيد التشغيل إلى 498 وهو الأدنى منذ آذار (مارس) 2010.
وفي الأسبوع نفسه قبل عام كان عدد الحفارات النفطية قيد التشغيل 1223 حفارا، وفي 2015 خفضت شركات الحفر في المتوسط 18 حفارا نفطيا في الأسبوع، وبلغ العدد الإجمالي للعام بكامله 963 حفارا نفطيا وهو أكبر انخفاض سنوي منذ عام 1988.
وتوقعت بيكر هيوز أن أنشطة الحفر النفطي في أنحاء العالم قد تهبط بما يصل إلى 30 في المائة في 2016 مع مواصلة الزبائن خفض الإنفاق في البيئة الحالية للأسعار الضعيفة.
ووفقا لأحدث توقعات لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية فإن متوسط إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة بلغ نحو 9.4 مليون برميل يوميا في 2015، ومن المتوقع أن يبلغ 8.7 مليون برميل يوميا في 2016 و8.5 مليون برميل يوميا في 2017.
من ناحية أخرى، لجأت الشركات النفطية الدولية إلى عديد من الآليات لمواجهة الصعوبات الراهنة في سوق الطاقة، خاصة انهيار أسعار النفط الخام على مدار عام ونصف العام، وشملت هذه الآليات خفض النفقات الرأسمالية والتشغيلية وتوسيع الشراكة مع الشركات المحلية المهمة في دول الإنتاج وأيضا تنويع الموارد والتركيز على الصناعات والمنتجات النفطية.
"الاقتصادية" تتناول مثالين مهمين للشركات الدولية وهما "إكسون موبيل" الأمريكية، و"توتال" الفرنسية، حيث اتخذا عديدا من الإجراءات والسياسات التي نجحت إلى حد كبير في الحفاظ على توازن الشركتين الكبيرتين وعلى استمرار النمو وتحقيق الأرباح وتحدي كل صعوبات السوق.
وفيما يتعلق بعملاق الطاقة "أكسون موبيل" أشاد ركس تيلرسون الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب بجهود التعاون في مجال الطاقة بين السعودية والشركة، مشيرا إلى أن عمل الشركة مع الجانب السعودي يسير بنجاح في مشروع مشترك لخفض مستويات الكبريت في البنزين والديزل في مصفاة ينبع.
وأضاف تيلرسون أن التنسيق والتعاون التام مع الشريك المحلي وهي شركة الصناعات الأساسية السعودية، موضحا أن المشروع يستهدف التوسع في إنتاج المنتجات الكيميائية الصناعية في الخليج العربي والشرق الأوسط.
وأوضح تيلرسون أنه على الرغم من الصعوبات الواسعة التي تشهدها سوق الطاقة على أثر انهيار أسعار الخام بأكثر من 70 في المائة منذ عام 2014 إلا أننا ما زلنا نحافظ على أهداف الإنتاجية المستقبلية، وفي مقدمتها رفع الإنتاج إلى 4.3 مليون برميل نفط مكافئ يوميا بحلول عام 2017.
وأشار تيلرسون – في تقرير عن تقييم أعمال المجموعة العملاقة - إلى أن المجموعة ركزت خلال العام الماضي على تنمية الموارد من خلال آليات متقدمة، ما حقق نسبة نجاح مرتفعة ورفع مستويات الإنتاج بشكل مرض. موضحا أنه تم الانتهاء من ثمانية مشاريع رئيسة تشمل مشروعا للغاز الطبيعي المسال في غينيا، إلى جانب مشاريع أخرى في روسيا وكندا وخليج المكسيك وأنجولا والولايات المتحدة.
ويرى تيلرسون أن "أكسون موبيل" حققت نتائج إيجابية عديدة في العملية الإنتاجية بما يتوافق مع ظروف سوق الطاقة الصعبة، حيث ركزت على الوصول لأعلى معدلات الكفاءة التشغيلية وتنويع الموارد والمواد الأولية من خلال نظم عمل متطورة تتسم بالمرونة والتكامل.
وذكر تيلرسون أن الشركة الأمريكية اهتمت بتوسيع وتطوير القدرات اللوجستية، والتركيز على زيادة المبيعات من زيوت التشحيم عالية القيمة، والديزل، والمنتجات الكيماوية، كما أن "أكسون موبيل" لديها القدرة على إنتاج الإيثان والإيثلين من خلال عمليات منخفضة التكلفة، ما أسهم بالفعل في تطوير صناعة البتروكيماويات في الولايات المتحدة.
في سياق آخر، أكد باتريك بوانييه رئيس شركة "توتال" العالمية للطاقة أنه سيتم تخفيض النفقات الرأسمالية للشركة إلى 21-20 مليار دولار في العام الجاري 2016، وسيصل مستوى هذه النفقات إلى 19-17 مليار دولار سنويا اعتبارا من عام 2017 فصاعدا. موضحا أن هذا المستوى من النفقات الرأسمالية سيسمح للشركة الفرنسية بأن تكون قادرة أكثر على تطوير مختلف أنشطتها ومجالات عملها، كما يمكنها من العمل على نمو السوق والتفاعل معها بشكل جيد في ظل ظروف الاقتصاد الدولي الراهنة خاصة ضعف سوق الطاقة.
وأشار بوانييه – في تقرير دوري حديث لتقييم أداء الشركة العالمية – إلى أنه بجانب ما ذكر سابقا كثفت "توتال" الجهود المبذولة للحد من النفقات التشغيلية وبدأت بالفعل هذه السياسات الجديدة تؤتي ثمارها، ومن المتوقع أن يستمر نجاحها ونتائجها الجيدة في السنوات المقبلة.
وأوضح بوانييه أن نسبة الوفر في النفقات التشغيلية في عام 2015 بلغت 66 في المائة بقيمة 1.2 مليار دولار وهو الهدف المحدد مسبقا لهذا العام 2015، ومن المقرر الاستمرار في السياسات نفسها وزيادة المستهدف، وللوصول إلى وفورات في النفقات التشغيلية بقيمة ثلاثة مليارات دولار بحلول عام 2017.
وشدد بوانييه على أن "توتال" تركز على تبني نموذج الأعمال والاستثمار المتكامل، موضحا أن خطط المجموعة تستهدف تخصيص 75 في المائة من رأس المال لمشاريع المنبع و25 في المائة لمشاريع المصب في إنتاج الطاقة، مؤكداً أن توتال قررت تخصيص 500 مليون دولار سنويا للاستثمار في مشاريع تجارية عالية الربحية في مجال الطاقات الجديدة.
وأضاف رئيس "توتال" أن المجموعة حققت الكثير من الفوائد من خلال استراتيجيتها القائمة على دعم التنافسية وتعظيم القدرات الإنتاجية والعمل على زيادة أرباح وعوائد المساهمين.
وأوضح بوانييه أن الفترة الحالية التي تجتاز فيها سوق النفط واحدة من الموجات العنيفة لانخفاض الأسعار تتطلب من الشركات الدولية والاستثمارات بشكل عام سياسات أكثر مرونة. مشيرا إلى أن شركته – وبكل موضوعية – التزمت بهذه السياسات المرنة بشكل أفضل من الكثير من منافسيها خاصة خلال 2015.
وقال بوانييه -في تقريره عن أداء عملاق الطاقة "توتال"– إن استراتيجية عمل الشركة ركزت على عديد من المفاهيم الأساسية التي تضمن لها استمرار النجاح في الأسواق، وأول تلك المفاهيم سلامة الأداء والتنفيذ. وثانيها الالتزام الكامل بالتعاقدات ومواعيد التسليم. إلى جانب العمل على خفض التكاليف وتوافر السيولة.
وتوقع بوانييه أن تجني "توتال" اعتبارا من عام 2017 فصاعدا عديدا من الأرباح والفوائد والتدفقات النقدية الناتجة عن الاستثمار المكثف الذى قامت به في عمليات إنتاج واستكشاف واسعة من خلال خطة استثمار مكثفة بدأت في 2012 وتستمر حتى نهاية 2016. مشيرا إلى أن هذه العائدات تقدر بنحو 25 مليار دولار سنويا في المتوسط.
وأرجع بوانييه العائدات المرتفعة لـ "توتال" إلى عدة أسباب منها حرصها على تحقيق مزيد من التنمية المستدامة للاستثمار عبر إضافة طاقات إنتاجية جديدة.
وأضاف تقرير رئيس شركة توتال أن النصف الأول من العام الماضي شهد ارتفاعا في الإنتاج بنسبة 11 في المائة، مقارنة بالنصف الأول من العام الأسبق 2014. مشيرا إلى أن هذا الارتفاع في الإنتاج كان ناجما عن بدء 20 مشروعا كبيرا يستمر حتى حلول عام 2018، منها ثمانية مشاريع بدأت بالفعل في عام 2015 كما تشمل المشاريع خطة لزيادة كفاءة تشغيل المرافق.
وتوقع بوانييه أن يسجل نمو إنتاج الشركة في المتوسط 7-6 في المائة سنويا بين عامي 2014 و2017 ومتوسط 5 في المائة سنويا بين عامي 2014 و2019.
اقرأ أيضاً:
أوبك: علاج مشكلات السوق ليس مهمتنا لوحدنا.. 65 % من الإنتاج خارج المنظمة
أوبك تقلص توقعاتها لنمو المعروض من خارج المنظمة في 2015 بـ 420 ألف برميل يوميا