تتداخل موازين القوى السياسية في مخيم عين الحلوة،حيث يتساوى نفوذ المجموعات المختلفة، من اسلامية وجهادية وصولا الى الوطنية، على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، تحكم علاقاتها معادلة الامن بالتراضي حتى اشعار آخر، رغم اجماع المراقبين على ان الغلبة في اي صراع حالي هو للتنظيمات الاسلامية القادرة على حسم الصراع مع القوى الوطنية لصالحها، تمهيدا لتكريس نفسها رقماً صعباً في المعادلة الاسلامية والفلسطينية بحيث لا يتم تجاوزها في صنع القرار السياسي، وفي مقدمتها «جبهة النصرة».
غير ان اغتيال القيادي الفتحاوي في الامن الوطني الفلسطيني في مخيم عين الحلوة العقيد جميل زيدان خلط الأوراق في عين الحلوة من جديد، حيث يدور الحديث اليوم عن صراع داخل أجنحة فتح، ومعه حديث عن تحالف جهات فتحاوية مع أخرى إسلامية، من دون استبعاد دخول طرف ثالث على الخط عبر الإسلاميين، طارحا اكثر من علامة استفهام حول الجهة التي تقف وراء عمليات الاغتيال الممنهجة المستمرة منذ حوالى الشهرين، والتي ادت حتى الان الى اغتيال ما يقارب السبعة فلسطينيين، معظمهم من «فتح».
مصادر فلسطينية مطلعة دعت الى عدم الاسراع والاسترسال في التخمين والتحليل، رغم ان الاشارات تدل الى اختفاء من نفذ العملية في الازقة القريبة من مخيم الطوارئ، غير الخاضع لا لسلطة الامن الوطني الفلسطيني ولا لسلطة الدولة اللبنانية، حيث تتواجد فيه جماعات تحمل الفكر التكفيري وهي خليط من بقايا «جند الشام» و«فتح الاسلام» وجماعة نعيم عباس وبقاياه، مشيرة الى ان من يقف وراء عمليات الاغتيال في المخيم اطراف مأجورة لا تعمل ضمن الاجندة الفلسطينية انما لها اجندات وارتباطات خارجية، محذرة من ادخال المخيم في اتون النيران التي تلهب سوريا وامتدت الى لبنان. واشارت المصادر الى ان عملية اغتيال زيدان وهو مدير مكتب قائد الامن الوطني الفلسطيني اللواء صبحي ابو عرب، تزامنت مع انعقاد مؤتمر المجلس الثوري في رام الله برئاسة الرئيس الفلسطيني، وبمشاركة وفد من قيادة الساحة اللبنانية، في رسالة دموية واضحة هدفها ضرب الاعتدال الفلسطيني الذي تمثله «فتح»، ويجسده الرئيس عباس الذي أكد مرارا ان الفلسطينيين في لبنان مع سياسة النأي وتحييد المخيمات عن اي صراع فلسطيني ـ فلسطيني او فلسطيني لبناني.
واذ رفضت المصادر تحويل عين الحلوة الى «نهر بارد» اخر، اكدت ان ما يجري لا علاقة له بعمليات ثأرية داخلية او تصفية حسابات داخل الجسم الفلسطيني، بل هو صراع بين «فتح» وانفتاحها على محيطها الفلسطيني وعلى جوارها اللبناني، وبين عصابات الشر الذي تمثله بقايا الفكر المتشدد القاعدي من «جند الشام» و«فتح الاسلام»، ومجموعة نعيم عباس وتوابعها.
غير انه، ورغم ما يحكى عن المكائد التي تنصب لهذا المخيم، لتحويله إلى نهر بارد جديد، تتحدث التقارير الامنية عن صراع مكتوم بين فتح والإسلاميين، مع تكشّف معلومات تؤكد وجود «صراع نفوذ» داخل حركة فتح نفسها، حيث تشير المعلومات الى ان ابعاد اللينو،الذي اثار حفيظة احد المخابرات اللبنانية التي ضغطت باتجاه ابقائه ،الذي تم بقرار من القيادة المركزية لفتح في رام الله بعد اطلاع الرئيس محمود عباس شخصيا على حيثياته، مرتبط بتوازنات واعتبارات تتعلق بالصراع على الرئاسة الفلسطينية القائم في السر والعلن مباشرة وبالوكالة بين ابو مازن ومحمد دحلان، الامر الذي انعكس تغييرا لقيادة فتح في لبنان بدا مع ابعاد اللينو، بضغط خليجي، بعد الدور الكبير الذي لعبه بتصفية الحركات الاسلامية الجهادية داخل المخيمات بالتعاون مع مخابرات الجيش، وعودة اللواء منير المقدح لقيادة فتح، باعتبار أن علاقته بالإسلاميين على مر السنوات الماضية لم تشُبها شائبة، حيث ربطته علاقة خاصة بكل من عصبة الأنصار وحماس والإسلاميين، باستثناء عصبة الأنصار.
امر يؤكد عليه فتحاويو اللينو الذين يتحدثون عن تقاطع مصالح بين المقدح وجهة إسلامية متطرّفة قاعدته التخلّص من اللينو،ما سيفسح الطريق امام الاول للامساك بفتح، فيما يتخلص الاسلاميون من «عميل المخابرات اللبنانية الاول» كما يصفونه ،رغم نفي المصادر الاسلامية وجود هكذا «مشروع» مؤكدة ان المقدح الذي وجه إشارات ايجابية للإسلاميين، متهم في المقابل بالوقوف وراء الايقاع بنعيم عباس وتسليمه للدولة اللبنانية في صفقة قضت الى الافراج عن ابنه الموقوف بتهمة الانتماء لتنظيم ارهابي.
وفي هذا الاطار علم من مصادر في حركة «فتح» في لبنان، ان «فتح» في رام الله، نفذت تهديداتها بحق الضباط الفتحاويين في الامن الوقائي والمحسوبين على النائب الفلسطيني وعضو اللجنة المركزية في فتح محمد دحلان، والمفصول منها بقرار من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بقطع رواتبهم اعتبارا من شباط الماضي، مشيرة الى انهم فوجئوا بهذا القرار عندما توجهوا لقبض هذه الرواتب من الماكينات المثبتة في المصارف، ملمحة الى ان القرار سيطال اي فتحاوي تثبت علاقته بدحلان في لبنان. الا ان المصادر أكدت ان ساحة «فتح» في لبنان نظيفة من «الدحلانيين»، بعد ما طرد منها اللينو الى جانب شخص اخر في مخيم البداوي.
ورأت المصادر، ان التحركات التي شهدها مخيم عين الحلوة للشباب الفلسطيني طلبا للهجرة الى اوروبا والتي تزامنت مع تحركات مماثلة في مخيمي برج البراجنة ونهر البارد، مشبوهة في توقيتها، لاظهار عجز فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية عن تلبية امال وتطلعات الشباب، مشيرة الى ان دحلان، يقف ومجموعات تابعة له في المخيمات الثلاثة وراء تحرّك هؤلاء، بعدما عجز عن شق «فتح» من الداخل على رغم الاموال التي اغدقها تحت عناوين انسانية وخدماتية، وعندما فشل، لجأ الى تعميم الفوضى لدى الشباب الفلسطيني للمطالبة بالهجرة الى اوروبا.
وقالت ان دولا اوروبية واخرى عربية وفي مقدمتهما بريطانيا ومصر، تمهدان الخطوات والاجراءات والاتصالات، كي يكون دحلان خلفا للرئيس الفلسطيني محمود عباس.
قراءة لا تنكرها المصادر اللبنانية وان كانت تميل باتجاه آخر بالاستناد الى تقارير الاجهزة الامنية اللبنانية ،التي تعتقد ان جبهة النصرة-فرع لبنان قررت تحويل عين الحلوة الى يرموك ثان، مع تمركز اربعين عنصرا من التنظيم المذكور بقيادة هيثم الشعبي وبلال بدر في حي الطيري الذي يُعَدّ خط تماس فاصل بين مواقع الإسلاميين و«فتح»، في مشروع اكبر هدفه السيطرة على الحراك العسكري الفلسطيني في كل من سوريا ولبنان تمهيدا لإقامة الامارة الاسلامية في بلاد الشام. عزز ذلك الاستثمار العسكري والعقائدي الجيد للنصرة داخل بيئة النازحين الفلسطينيين من سوريا ، ما اوجد توازن قوى جديد اطاح بمكتسبات المجموعات الاسلامية الاخرى،كما بحركة فتح التي يعاني جسمها التنظيمي والقيادي في لبنان من تشظيات خطيرة. وبحسب المعلومات الأمنية، فإن مجموعة الشعبي تتعامل مع مجموعات موجودة في اكثر من منطقة لبنانية ، ابرزها واحدة يقودها احد المشايخ ، وتضم فلول تنظيم الشيخ احمد الاسير معظم افرادها لبنانيون من خارج المخيمات.
في هذا الاطار ادرجت المراجع الامنية عملية الاغتيال الاخيرة،خاصة ان زيدان يسكن في حي الطيري، حيث تشير المعلومات الى ان الشبهات تحوم حول مجموعة بلال بدر بالوقوف وراء العملية ووراء مسلسل الاغتيالات في المخيم، وان هناك خيوطا اولية ترجح لجوء القاتلين الى الحي المذكور واصبحا بحماية بدر الذي ينفذ مخططا لتصفية القيادات الفتحاوية لجر النار السورية الى عين الحلوة، واحداث اقتتال داخلي فلسطيني على ارضه تنفيذا لمخططات تنظيم القاعدة وفروعه في لبنان.واشارت المراجع الى ان زيدان شارك في لقاءات واجتماعات عقدت في قيادة فرع مخابرات الجنوب في ثكنة محمد زغيب في صيدا ناقشت اليات للتعاون مع القيادة الفلسطينية الجديدة بعد ازاحة اللينو واتقدم المقدح الى الواجهة، وسبل تسليم المطلوبين الخطرين لمخابرات الجيش، ومن هؤلاء مجوعة نعيم عباس من امثال ابو محمد توفيق طه، وزياد ابو النعاج، ومحمد ابو بكر حجير وغيرهم ممن اعترف عباس بارتباطهم بالتفجيرات والاعمال المخلة بالامن في لبنان واستهداف الجيش واليونيفل، كما انه نقل رسائل الى القيادة الفلسطينية تضمنت معلومات موثقة ومفصلة من الاجهزة الامنية اللبنانية تحذر من مغبة قيام المطلوبين الخطرين الموجودين في المخيم بفتنة بين المخيم وجواره.
الباب مفتوح أمام كثير من الاحتمالات، ولا سيما أن الصراع القديم الجديد لن ينتهي،وسط المخاوف من دخول طرف ثالث لاستهداف الإسلاميين، بواسطة أعمال أمنية لتنفيس التوتر بين اللينو والمقدح، في ظل الكشف عن دخول مجهولين جدد إلى المخيم، لجأوا إلى الطوارئ، الذي يؤوي غرباء ومجموعات أصولية خطرة