في بلدة معلولة السورية للماضي صلة بالحاضر المفجع

تاريخ النشر: 03 سبتمبر 2012 - 03:19 GMT
35 نقطة تفتيش عسكرية في الطريق ذهابا وايابا
35 نقطة تفتيش عسكرية في الطريق ذهابا وايابا

نشرت صحيفة "ذي اندبندنت" البريطانية اليوم الاثنين تقريرا من كبير مراسليها في الشرق الاوسط روبرت فيسك بعث به من بلدة معلولة السورية القديمة التي ما زال بعض اهاليها يتكلمون اللغة الآرامية التي كان يتحدث بها السيد المسيح. وهنا نص التقرير:

"يوم الأحد هو يوم جيد للسفر بالسيارة الى معلولة. هناك اشجار تين وزيتون وعنب على جانب الطريق، ويمكنك، لبعض الوقت، ان تنسى ان سوريا تظل في مأساة ملحمية. والحقيقة، هي انه يجب عليك عدم الالتفات الى اليمين الى التل، حيث ييواجه الجيش العربي السوري بعض المتاعب مع الجيش السوري الحر وهناك 35 نقطة تفتيش عسكرية في الطريق ذهابا وايابا من دمشق. ولكن في الجبال المنعشة شرق الحدود اللبنانية، يعيش مسيحيون ومسلمون معا مثلما عاشوا طوال 1300 عام. ولكن التاريخ لا يتركهم وشأنهم.

ادخل الى كنيسة سانت سركيس الكاثوليكية الرائعة وستجد رسومات لجنديين رومانيين، يتمركزان في قلعة الرصافة الامبراطورية شمال تدمر، التي تحولت الى المسيحية ووجدت نفسها في وضع سوري الى حد ما. سيرجيوس وبيكسوس يثيران غضب القائد العظيم في روما- الامبراطورية لم تتخل بعد عن المشتري وفينوس وباخوس والبقية- قد أمر باعدامهما. ولذلك اتخذ الجنديان ملاذا في معلولة، وأعطيا عظات حول المسيحية الى ان قبضت عليهما الذراع الطويلة لجهاز استخبارات روما، وجرى سحبهما الى الرصافة ليتم اعدامهما بأوامر من الامبراطور. نظرت الى الرجل المسن الذي كان يسرد هذه القصة لي وهز كلانا رأسه في اجماع غير لفظي عن علاقته الحالية. سيرجيوس وبيكسوس كانا منشقين.

بنيت الكنيسة فوق المعبد الروماني في معلولة، ثم في عام 1942 جاء الجنرال فلاديسلاف انديرس المجروح مرتين، والذي كان يقود جنوده البولنديين الهزال وعددهم 75 الفا من السجن السوفييتي عبر الاراضي المقدسة للانضمام الى حلفاء الحرب العالمية الثانية ولاحقا الى معركة مونتي كاسينو. وقدم انديرس ايقونة مسيح جميلة الى الكنيسة في معلولة، وجدتها داخل الشرفة الامامية واسمه مكتوب في قاعدتها، لكن من دون اشارة الى مهمته. وقد دين فيلقه البولنديون الشجعان من جانب الحكومة البولندية الشيوعية بعد الحرب على اعتبارهم فيلقا من المنشقين.

ولكن معلولة معروفة، بطبيعة الحال، بأمور أكثر روعة. فسكانها، كما يعلم كل سائح، ما يزالون يتحدثون الآرامية لغة المسيح- دمشق كانت جزءا من المملكة الآرامية- وعندما طلبت من امرأة شابة ان تتلو صلاة الرب بلغتها، بدت اللغة قليلا شبيهة بالعبرية. ويتساءل فيسك المتشكك عما اذا كان ذلك، رغم ان هناك لغة مكتوبة، هو سبب عدم تعلم سكان معلولة لها. هل انحدرت العربية والعبرية من الآرامية؟ الدارسون- وانا اجد هذه الكلمة غريبة دائماً- لم يتخذوا قرارا بعد.

هكذا تحدثت الى الأب فايز الذي يخدم كراهب محلي ويرفض الكلام في السياسة ولكنه يؤكد ان رعيته في منازلهم القديمة المطلية بالأزرق يعيشون جنبا الى جنب مع جيرانهم المسلمين. وبالفعل، فان المسيحيين والمسلمين في القرى الثلاث وعددهم 20000 جميعهم يتكلمون الآرامية. ولكن الظل المحدد بدقة الذي تنيره الشمس في ساحة الكنيسة يعكس الظلام الذي حل في حياة هؤلاء الناس. ويقول الراهب انه كانت هناك ثلاث عمليات خطف لمسيحيين، تم الافراج عنهم جميعا بعد دفع فدية.

ثم توجه مالك مطعم مسيحي الشهر الماضي ليجلب بعض العمال المسلمين من قرية مجاورة، واختطف على الطريق. واعاد الجيش السوري الحر الرجل المخطوف الى معلولة.

توجهت الى صدنايا حيث الكنيسة مبنية على صخرة، وهي كنيسة صد نايا – وتعني العذراء المقدسة بالسريانية – حيث كانت مجموعة من الايتام وكان مجند في الجيش السوري خارج ساعات الدوام يقوم بتنظيف الارضية ويجلب الماء للاطفال.

ثم اقتربت راهبة غاضبة بلباسها الاسود، وكانت تلوح بذراعيها كما يرفرف طائر اسود بجناحيه وعلى عينيها نظارة من دون اطار خارجي، وقالت: "انتم الصحافيون تريدون ان تخربوا هذا البلد. قبل الحرب كنا نعيش في سلام. كنا نذهب في اجازات، كان بامكان النساء والاطفال السير في الشارع حتى منتصف الليل". وما ابتعدت الا لتعود – وكنت اعلم انها ستفعل ذلك – لتشن هجوماً آخر. كانت عندها قصة تريد ان ترويها، لأن الروح القدس –التي يمكن ان تمر عبر ممرات صدنايا الحجرية الباردة-لا يمكنها منع العنف من ان يمس الكنيسة. قالت: "اراد شاب ان يأتي الى هنا ليصلي من اجل زواجه لانه كان سيتزوج من فتاة محلية. ولكن سمعنا اليوم ان والده قتل في المذبحة في داريا...".

استشرت الاخت ستيفاني حداد التي قالت ان صدنايا كانت في سلام. اعطتني اغلفة الطلقات التي اصيب بها الدير قبل سبعة اشهر، والتي يفترض ان يكون افراد من الجيش السوري الحر قد اطلقوها، وهو يأوي حاليا لاجئين من حمص وحماة والتل ومن داريا ذاتها. ولم البث ان وجهت السؤال الملح: ما الذي يمكن للسيد المسيح ان يقوله لو انه ظهر في سوريا اليوم؟ "لو انه جاء الان، لكان قال للناس: لا تقتلوا، او تحرقوا، او تطلقوا النار، او تخطفوا او تسرقوا. هذه كلها امور وردت في الانجيل".

وفي صدنايا حوالي 20 ألف شخص، من مسلمين سنة ومسيحيين ارثوذوكس وكاثوليك، وفيها 13 كنيسة ومسجدان، وسيدتان مسيحيتان "على الاقل" تزوجتا من مسلمين، ولك ان ترى رأيك في ذلك كيفما تشاء.

وعند اطراف البلدة، شاهدت مجموعة من المدنيين عند نقطة تفتيش من الاكياس الرملية. بموافقة حكومية بطبيعة الحال. ابتسموا، لكنهم كانوا مسلحين

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن