غياب القاعدة في سوريا

تاريخ النشر: 30 أبريل 2014 - 03:00 GMT
السوريون ـ الجيش الحر ـ يديرون معسكرات الجهاد ويستقبلون المجندين الجدد بعد وصولهم إلى سورية قادمين من تركيا
السوريون ـ الجيش الحر ـ يديرون معسكرات الجهاد ويستقبلون المجندين الجدد بعد وصولهم إلى سورية قادمين من تركيا

جاسم محمد

تحولت سوريا الى مركز استقطاب الحركات "الجهادية" الاسلاموية بكل تصنيفاتها السلفية والاخوانية والقاعدية التكفيرية، لتكون سوريا "ارض الجهاد" وليس ارض مدد بالمنظور القاعدي. وكان المقاتلون الأجانب منذ بدء "الثورة" 2011 يتوزعون عقب وصولهم سوريا على المجموعات "الجهادية" المختلفة بتشكيل وحدات خاصة بهم تعرف باسم "المهاجرون"،ولم يكن هناك اي وجود او دورا لتنظيم القاعدة.

وكان السوريون ـ الجيش الحر ـ يديرون معسكرات الجهاد ويستقبلون المجندين الجدد بعد وصولهم إلى سورية قادمين من تركيا ويقومون بتوزيعهم على الوحدات المقاتلة وتوفير التدريبات الأساسية .

ويقول الخبير في شؤون العالم العربي والإسلامي "ماثيو غيدا"، الذي يتخذ من فرنسا مقر [بأن تنظيم القاعدة غير موجود في سوريا. إلا أن هناك بعض المجموعات الجهادية التي تعتمد أسلوب عمل تنظيم القاعدة ]. وذكرت صحيفة "صنداي" البريطانية بإنها "حصلت على أول لقطات من نوعها لمتطرفين ملثمين مسلحين باسلحة متنوعة تعكس قوتهم "و يدعم النظرية القاتمة بأن تنظيم القاعدة يسعى للتوسع في سوريا .

الجبهة الإسلامية

الجبهة الإسلامية تأسست في نوفمبر 2013 وهي إحدى تشكيلات ويقودها مجلس شورى مكوّن من عدد من الأعضاء، يرأسهم قائد ألوية 'صقور الشام، أبو عيسى الشيخ وتضم الجبهة هيئتين، إحداهما سياسية ويرأسها حسان عبود قائد حركة أحرار الشام الإسلامية ، والأخرى عسكرية يقودها زهران علوش قائد جيش الإسلام والتشكيلات الثلاثة السابقة منضوية تحت لواء الجبهة.

إن اعلان وتشكيل هذه الجبهة، يعتبر نقلة نوعية في عمل التنظيمات والكتائب والالوية الجهادية، لتتحول من الفوضى الى عمل منظم. هذه الخطوة اقصت الظواهري وتنظيم القاعدة في سوريا تماما. وكشفت حقيقة إن رسائل الظواهري ماهي الى جهد اعلامي دعائي للظواهري لاعادة ترتيب حضوره في سوريا.

المواجهات مابين الظواهري وداعش

أعلن تنظيم القاعدة في 3 فبراير 2013 [ان لا صلة له ب داعش وجاء في البيان الذي نقلته مؤسسة سايت المتخصصة في رصد المواقع الاسلامية تعلن جماعة قاعدة الجهاد انها لا صلة لها بجماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام فلم تخطر بإنشائها، ولم تستأمر فيها ولم تستشر، بل أمرت بوقف العمل بها.]

وأصدر الظواهري في 16 سبتمبر 2013 رسالة اعتبرت في حينها، نقلة نوعية او تنازل من التنظيم بعد 12 عاما من هجمات 11 سبتمبر وعن طبيعة طموحاته العالمية من شمال افريقيا إلى القوقاز وكشمير.

إلرسالة تعكس تنازلات القاعدة عن تكفيرها لبعض ألمجموعات الاسلامية من أجل تقليص فجوة الخلافات معها بعد ان خسرت الكثير من المساحة التي تقف عليها تنظيميا وفكريا. وهي محاولة من الظواهري للتقارب مع السلفية من غير الجهاديين والاخوان فكريا وتنظيميا وهو يحاول ان يضم تحت عبائته التنظيمات الاسلامية بمختلف درجاتها الجهادية، بعد خسارته افغانستان ـ طالبان وكذلك "الدولة الاسلامية في العراق والشام". التنظيم المركزي ضعفت قبضته المركزية في 2006 بعد مقتل ابو مصعب الزرقاوي في العراق. ليشهد التنظيم مرحلة تنظيمية جديدة اتسمت بظهور فروع تنظيمية ، نتجت ضعف التنظيم المركزي نتيجة مطاردته في معاقل الباكستان وافغانستان ونقص التمويل .

وشهد التنظيم المركزي تراجعا ما بعد 2006 ليظهر جيل جديد من القاعدة وهو الجيل الثالث، هذا الجيل اصبح كثر مرونة واكثر تحركا ويمثل فئة الشباب بعد ان كان الجيل الاول القاعدي يضم اعمار متقدمة وبعد ان شهد ضعفا بتواجده الميداني بسبب القدم في العمر وكذلك المطاردة وقطع الاتصالات. ما يحتاجه التنظيم الان وفقا لمضمون رسالة الظواهري هي الحواضن ألامنة وهذا ما باتت تفتقده القاعدة .

ضعف القاعدة مركزيا

التنظيمات الفرعية اظهرت ضعف القاعدة مركزيا، وهي نتيجة متوقعة وسبق ان شكلت خلافات داخل مجلس الشورى للقاعدة وقياداته، وكان اسامة بن لادن من ابرز المعارضين الى الفروع ومنها فرع تنظيم الشباب في الصومال. المعلومات من داخل تنظيم القاعدة انتقدت كثيرا الفروع، بأنها اكثر طائفية واكثر للمصالح الشخصية. وهذه ممكن اعتبارها نتيجة طبيعية بحكم تواجد قيادات الفروع على الارض وفي مجتمعاتها اي الحواضن، مما يخلق خلافات في وجهات النظر تتطور الى المواجهات المسلحة بين الطرفين. الانشقاقات التي حصلت في القاعدة تعود الى هذا السبب وكذلك بعد الفروع عن المراقبة.

إن الحرية التي تتمتع بها الفروع في إختيارالاهداف عمقت من الفجوة الموجودة مابين فروع القاعدة وحواضنها لتنتج الصحوات واللجان الوطنية في العراق واليمن وافغانستان والصومال وسوريا. لذا اصبحت القاعدة والظواهري مجرد راية سوداء تقاتل تحت مظلتها تنظيمات اخرى ولتتحول الى شبكة وتشظي فطري ايدلوجي .

ابو الهدى السوداني يهاجم الظواهري

هاجم القيادي البارز في تنظيم قاعدة الجهاد في خراسان أبو الهدى السوداني، بشدة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، ووصفه بـ المنحرف وقال السوداني في تسجيل صوتي نشر على منتديات يوم 27 ابريل 2014ـ بان "الظواهري ومجموعته قد إنخلعوا، وأكرر إنخلعوا عن المنهج الذي بايعنا نحن على أساسه". هذه الرسالة جائت تماما بعد رسالة ابو محمد العدناني المتحدث باسم "داعش" والذي أتهم فيها، زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري بـ"الانحراف عن المسار الصحيح وخيانة القضية الجهادية"، ووصفه "بالمطرقة"، التي تدمر "مشروع الدولة الإسلامية". ولا يستبعد بان "داعش" بدئت تعمل على سحب البساط من الظواهري، في حملة علاقات "جهادية" عامة. يشار ان التنظيم المركزي للقاعدة خلع ابو بكر البغدادي، زعيم مايسمى"الدولة الإسلامية في العراق والشام" في رسالة تحريرية نشرت على موقعها الالكتروني مطلع شهر فبراير 2014.

غياب القاعدة في سوريا

منذ اندلاع "الثورة" السورية 2011، لم يكن هنالك وجود او تواجد لتنظيم القاعدة المركزي في سوريا، وصادف اندلاع الثورة السورية مع اغتيال اسامة بن لادن في مايس 2011. وقد عرضت القنوات الفضائية ووسائل الاعلام، المقاتلين العرب والاجانب وهم يدخلون سوريا على شكل مجاميع وخلايا " جهادية" بشكل غير منظم ، اغلبها عن طريق تركيا. ورغم ان هذه المجاميع كانت ترفع راية القاعدة السوداء وترتدي الزي الاسلامي، السروال الافغاني، فانها لم تصنف الى حساب القاعدة. وبعد ان تكاثرت الرايات والالوية والفصائل، حاولت القاعدة ان تكون موجودة من خلال كتائب عزام الاحمد بزعامة ماجد الماجد، التي عرفت فيما بعد بدورها الظهير واللوجستي وفي مرحلة متقدمة الى جبهة النصرة، لكن كتائب عزام الاحمد لم تستطيع منافسة الفصائل والالوية التي بدئت تتوسع بعديدا عن تنظيم القاعدة المركزي، رغم اشتراك اغلبيتها في عولمة الجهاد والسلفية الجهادية.

رسائل الظواهري كانت موضع غير اهتمام الى الالوية والفصائل، ويبدو ان الظواهري كان يحاول ان يفرض وجوده اعلاميا في سوريا، لكنه كان على يقين بأن لا رجعة للتنظيم المركزي الى افغانستان، بسبب مطاردته في وزيرستان واصطياد قياداته في عمليات درون ـ طائرة بدون طيار. في نفس الوقت كانت هنالك تطورات كبيرة في مصر وسيناء، مما جعل الظواهري يراهن على اعادة ترتيب التنظيم وربما مراجعته في سيناء بعد خسارته افغانستان، اما سوريا ، فكانت خارج عن سيطرته تماما وغاب التنظيم ميدانيا واعلاميا.

الحرب في سوريا انهت دور القاعدة

عرفت سوريا بموجة جديدة من "ألجهاديين" لتعلن انتهاء دور القاعدة، باعتبارها القطب "الجهادي" الوحيد وسط منافسة دولية واقليمية في كسب بعض هذه الفصائل، للأسقاط نظام الاسد. التقارير المعلوماتية، ذكرت بان الظواهري ارسل عدد من ممثليه بشكل منفرد لربط يعض التنظيمات " الجهادية" في سوريا ابرزهم ابو خالد السوري الذي قتل شهر مارس 2014، وهو يعتبر من الجيل الاول الذي قاتل في افغانستان. لكن وسط جيل جديد من "الجهاديين" والقيادات الميدانية من الشباب التي عرف عنها بسرعة الحركة والمرونة والاتصال، لم تعد بعد بحاجة الى" بيعة" الظواهري، وساهم في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي على الشبكة العنقودية. هذه التطورات، اقصت تنظيم القاعدة المركزي تماما من الساحة السورية، ولم يعد هناك من يمثله، حتى جبهة النصرة فهي ولدت من رحم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" ولم تمت بصلة الى الظواهري رغم اعلان الظواهري بان النصرة ممثله الشرعي في سوريا. يشار ان جبهة النصرة اعلنت بيعتها الى الظواهري في ابريل 2013 بعد احتدام الخلافات مع التنظيم الام" داعش" بحثا عن الشرعية " الجهادية".

ما يعانيه الظواهري الان هو العزلة" الجهادية" وان اعلان "داعش" بانحراف القاعدة، سوف يتبعها عدد من التنظيمات الجهادية الاخرى من داخل سوريا وخارجها ومن فروع القاعدة للخروج عن عباءة الظواهري. لقد كشفت تنظيم القاعدة والتنظيمات القاعدية والفكر السلفي الجهادي عن فشله في محاولته ان يضع نفسه بديلا عن المكون السني، وان مايجري داخل منظومة "الفكر السلفي الجهادي" نوع من التشظي والتشرذم والنزاعات حول الغنائم والزعامة. هذا "الفكر" الذي حولت القاعدة منه الى ماكنة قتل واقتتال مابين المذاهب الاسلامية والمسلميين. أغلب التنظيمات القاعدية كشفت ايضا بأنها تمثل سياسة الاطراف الممولة والداعمة، لتتحول الى مجموعات مرتزقة لم ترتقي ابدا الى معنى "الجهاد".

*باحث في مكافحة الإرهاب والإستخبار*

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن