عودة الخيار الاردني

تاريخ النشر: 06 نوفمبر 2012 - 11:01 GMT
ارشيف
ارشيف

 زكريا محمد*

لم يعد هناك فعليا حركة وطنية فلسطينية. لم يعد هناك حركة تحرر وطني فلسطيني. السنوات الثماني الأخيرة أنهت هذه الحركة، أو هي على وشك الإجهاز عليها. هناك الآن سلطة يتقاتلون على مغانمها فقط.

ولأنه لم تعد هناك حركة وطنية، فقد أخذت تطرح من جديد مسألة العلاقة مع الأردن، بدءا بتصريحات أبو اللطف، فاروق القدومي، وانتهاء بتصريحات الأمير حسن، وغيرهما. وهذا أمر طبيعي، فبعد أن انتهت الحركة الوطنية الفلسطينية نهاية فظيعة ومؤسفة، لم يعد الناس قادرين على التفريق بين السلطة والنظام الأردني في ما يخص حل القضية الوطنية. يعني إذا كان الأمر أمر مفاوضات واستجداء للحلول فقد كان بإمكان الملك حسين أن يقوم بالمهمة بشكل أفضل.

بالتالي، ليس غريبا أن يستعاد الحديث عن الارتباط بالأردن من جديد، بل الغريب أن لا يستعاد هذا الحديث. كما ليس غريبا أن التصريحات المتتالية حول استعادة العلاقة لم تواجه برد فعل يستحق الانتباه لا في الضفة ولا في غزة، ولا في الأماكن الأخرى. ويمكن للمرء أن يقارن هذا بردود الفعل الفلسطينية في الثمانينات عنيفة وضارية تجاه أي إشارة من الأردن تشير إلى ما كان يسمى الإلحاق.

عليه، يمكن للمرء أن يتوقع عودة الحياة إلى الاتجاه الأردني في الضفة الغربية، الذي ظل قويا حتى منتصف السبعينات. فالطريق ممهدة الآن له لاستعادة ذاته. وهذا يعني أن الأصوات المفردة التي سمعناها ستتكاثر.

لكن مشكلة هذا الاتجاه أن تحولات كبيرة في الأردن تجعل من استعادة العلاقة معه أمرا صعبا جدا. فقد نما بقوة التيار الأردني الذي لا يريد حتى المواطنين الأردنيين من أصل فلسطيني، فكيف له أن يقبل بعودة علاقة ما مع الضفة الغربية.

أما بالنسبة للسلطة القائمة في رام الله، فهي حتى الآن لا ترى في الأمر تهديدا لها. فوق ذلك، فأغلب أعضاء نخبة السلطة يملكون جوازات سفر أردنية وبيوتا في عمان ومصالح كثيرة هناك. وفي النهاية لن يكون صعبا عليهم الاندماج في النظام الأردني. أي أن تتحول السلطة، أو أجزاء كبيرة منها، إلى فرع النظام الأردني في الضفة. الموظف الفلسطيني يصبح موظفا أردنيا والسلام. المشكلة تكمن في التناقضات الأردنية الداخلية أساسا. فهي التي تمنع حتى الآن جعل المشروع عمليا. بالتالي، فما لم تكن هناك ضغوط غربية ضخمة على النظام الأردني، وإغراءات كبيرة، ترافقها فوضى شاملة في الضفة، فلن يصبح المشروع مطروحا بشكل عملي.

غير أن هذا لن يمنع من تصاعد نسبة الداعين للعودة إلى الارتباط في الضفة وفي الأردن. فالحركة الوطنية الفلسطينية انهارت. لم تعد حركة وطنية. يعني لم تعد هناك قيادة للشعب الفلسطينية تثمل أهدافه الوطنية. أي لم يعد هناك من فارق إطلاقا، في أعين الناس، بين سياسة الأردن أيام الملك حسين والسياسة الرسمية الفلسطينية الحالية تجاه القضية الوطنية. عليه، لماذا سيعتقد الناس العاديون مثلا أن صائب عريقات أفضل من موظف أردني يطبق سياسة أردنية تدعو على الحل عبر التفاوض وتقديم التنازلات؟ لم يعد الناس قادرين على رؤية فرق جدي بينها وبين النظام الأردني بخصوص المسألة الوطنية. ومرة صرح حكمت المصري بعد دخول منظمة التحرير في دنيا التفاوض قائلا: "إذا كان الأمر أمر مفاوضات فيمكننا نحن أن نقوم بهذا العمل". يعني: لا حاجة لمنظمة التحرير في هذه الحالة، فنحن كنا نطرح المفاوضات منذ البدء. وكذا الأمر في ما يخص الاتجاه الأردني الذي بدأت بوادر عودته. فإذا كانت المسألة مسألة استجدا ومفاوضات، فنحن الأولى في هذه الحالة.

فوق هذا، فإن حركة حماس، مثلها مثل الإخوان المسلمين في الأردن، لن تجد غضاضة في ارتباط ما مع الأردن، وخاصة بعد أن قوي الإخوان المسلمون هناك، وصارت عندهم أحلام الوصول إلى الحكم. وهذا يعني أن تيار العودة إلى الارتباط له أرضية كبيرة.

وما لم يحصل تطور عاصف في فلسطين، في الضفة أو مناطق ال 48، أو ما لم تحصل حرب كبرى في المنطقة، فإن الأمور تسير باتجاه تفكك التمثيل الوطني الفلسطيني تفككا متواصلا، للأسف.

هكذا أرى الأمر، ولعلني متشائم أكثر مما يجب.

وآمل ان شيئا ما سيحصل، أن روحا حية وفتية سوف تنهض وتلغي هذا السيناريو المتشائم.

*زكريا محمد:كاتب فلسطيني.

*المقال مأخوذ عن الفيسبوك.

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن