ديكتاتورية الجغرافيا السورية وأثرها على دول الجوار

تاريخ النشر: 12 سبتمبر 2011 - 11:29 GMT
خريطة توضح معالم الجمهورية العربية السورية
خريطة توضح معالم الجمهورية العربية السورية

*كتب: المحامي محمد احمد الروسان

اذا كان علم فن ادارة الأزمات, من العلوم التطبيقية حديثة النشأة والتطبيق, فانّ علم ما يسمى بالأنذار المبكر, من ذات العلوم الأستقرائية والبحثية حديثة النشأة, والأشتباك بتفاعل أيضاً, انّه علم الفن وفن العلم, ضمن الأستقرائيات لأي تداعيات أي حدث كان, وهو ليس أداة تجرح كما في علم الأستخبار.

انّه علم يركز بعمق على بؤرة الحدث أي حدث كان, ان بفعل البشر وان بفعل الطبيعة, ويسعى الى التعرف والتمحيص في مكونات تلك البؤرة, وعمل أدائها السلوكي ومفاعيله وتفاعلاته, ثم التقاط موجات واشارات البث المنبعثة والمنطلقة, من نقطة المركز, ومحاولات معرفة وقراءة وفك شيفرات هذه الموجات والأشارات, ليصار الى الوصول لمعرفة وسبر غور طبيعة وشكل السيناريو القادم, أو SCENARIO BUILDING EXERCISES , حيث تعد الأخيرة مجرد احتمال, وان كان الأخير في السياسة ليس يقيناً, لكن جل المسألة في علم الأنذار المبكر, يتيح ويسمح وضع الأستعدادات والترتيبات اللازمة, لعمليات احتواء المخاطر وتعزيز الفرص.

وتعد أجهزة الأستخبار والمخابرات المختلفة, من أكثر المؤسسات في المجتمعات المكونة للشق الديمغرافي للدول, استخداما لهذا النوع من العلم والمعرفة, وان كان أول من استخدم هذا المعرفة وعلى الفطرة في التاريخ البشري, (معرفة الأستخبار والرصد والأنذار المبكر), هو أحد ابني آدم عندما قام برصد تحركات شقيقه لقتله.

انّ لمفاعيل وتفاعلات الحدث الأحتجاجي السياسي السوري, ان لجهة العرضي منه, وان لجهة الرأسي منه, تداعيات عديدة عابرة ليس فقط لدول الجوار الأقليمي, بل للقارات التي تشكل المعمورة ككل.

وبالرغم من عمق سلّة الأحتجاجات السياسية السورية, ومرور وقتأ طويلاً على اندلاع شراراتها, فانّ النسق السياسي السوري ما زال متماسك, ان لجهة التماسك المؤسساتي الدولاتي للجيش, وقوى المخابرات والأمن الداخلي, وان لجهة تماسك الكتلة البشرية في دمشق – العاصمة السياسية, وفي حلب – عاصمة المال السوري, وهذا وفّر له القدرة الأكثر والأكبر والأقدر والأفعل, لجهة الأمساك بزمام المبادرة والسيطرة, ولجهة ضبط التفاعلات الداخلية وآثارها أيضأ.

باعتقادي وظني وتقديري, أنّ الأثر الأممي(العدوى كنتيجة) للحدث السوري, سيقود في نهاية المطاف, الى اعادة تشكل وتشكيل جل المشهد الدولي من جديد, والى عالم متعدد الأقطاب والنهج, في حين وبعد أن أخذت عدوى الحدث السوري, طابع اقليمي وعابر للحدود السياسية المصطنعة, ولحدود جغرافيا الطبيعة والتاريخ أيضاً, في تماثل محطاته وتساوقه, لجهة الماضي وعبر حاضرها, ومستقبلها, ونستولوجياها, فانّ الأمر كلّه بحاجة الى عمليات استقرائية شاملة وناجعة وناجزة, توفر لصانع القرار السياسي والأمني, في ساحات دول الجوار الأقليمي – السوري, لجهة الضعيفة منها ولجهة القويّة على حد سواء, توفير قاعدة بيانات ومعلومات في غاية الدقة والضرورة, من أجل أن تحسن التصرف والتعامل, مع جلّ المشهد.

للحدث السوري عقابيل اقليمية, عرضية ورأسية وضغوط متعددة, والتساؤلات التي تفرض نفسها بقوّة, عندّ اعمال العقل في الحدث السوري عديدة ولكن أهمها هي:- ما هي مدايات ومساحات, قدرة ساحات دول الجوار الأقليمي السوري, من تركيا وبغداد, الى عمّان وبيروت, في احتجاز وصد ضغوط هذه العقابيل الأقليمية, لذات ميكانيزمات الحدث السوري؟ ما أثر تلك العقابيل على ايران ذاتها, الدولة الأقليمية الجارة والتي تدخل في حالة صراع لا تنافس مع تركيا؟ والى أي مدى تستطيع الدولة العبرية - الكيان الصهيوني – احتجاز وصد, ضغوط ما يجري في الشام عن نفسها؟!.

لا شك أنّ القوام الجيو – سياسي السوري, يمارس ويتفاعل بقوّة على مجمل, مكونات الخارطة الجيو – سياسية الشرق الأوسطية, وكما تشير معطيات التاريخ والجغرافيا, الى أنّ تأثير العامل السوري, كعامل اقليمي حيوي في هذه المنطقة, تتطابق أليات عمله وتأثيره, مع مفهوم العامل الجغرافي الحيتمي, والذي تحدث عنه جميع خبراء علم الجيويولتيك, وعلم الجغرافيا الأستراتيجية, وعلم الجغرافيا الأقليمية, وحتّى علم الجغرافيا المناخية, حيث تؤكد معطيات العلم الأخير, بأنّ الطبيعة المناخية لدول الجوار الأقليمي السوري, لن تستطيع مطلقاً الأفلات من تأثيرات العامل المناخي الدمشقي.

وبناءً وتأسيساً, على معطيات وثوابت الجغرافيا السياسية- الأقليمية ومحركاتها, فانّ استمرار ما يجري في سوريا, من احتجاجات سياسية بالمعنى العرضي والرأسي, سوف تكون مخرجاته بالمزيد تلو المزيد من عمليات التعبئة السلبية الفاعلة, ان لجهة لبنان, وان لجهة الأردن, وان لجهة العراق المحتل, وان لجهة أنقرا نفسها, أضف الى ذلك الشمال الفلسطيني المحتل – الدولة العبرية حتّى اللحظة.

فعندما قدّمت عمّان - الرسمية بعض التنازلات, هدأت فعاليات الأحتجاجات السياسية الأردنية, و التي قادتها وأطلقت شرارتها الحركة الأسلامية الأردنية, ومعها الحراك الشعبي الأردني, ولكن وبفعل استمرار فعاليات ومفاعيل الحدث الأحتجاجي السوري, الذي يقع تحت سيطرة وبنديرة الأسلاميين السوريين, فانّ الحركة الأسلامية الأردنية, عادت وأشعلت الأحتجاجات السياسية الأردنية من جديد, وستصعد لاحقاً حسب جل المؤشرات التي يصار الى رصدها شعبياً ورسمياً, كي يتساوق ويتماثل الحال هنا مع الحال في سوريا, تساوق وتماثل المشهدين الأحتجاجيين السياسيين, السوري والأردني وما ورائهما من أهداف, مع الأختلاف في المشهد الأردني حيث لا عنف ولا عنف مضاد, لكن الحال المسالم استنزاف لطاقات الطرفين – الدولة والحراك.

سعت قوى 14 آذار اللبنانية – مثلث جعجع – الجميّل - الحريري, لجهة القيام بتقديم الدعم المالي, واللوجستي, والعسكري, لعناصر اشعال الأحتجاجات السورية, مع القيام بدور جسر العبور, للمساعدات الغربية وبعض العربية الخليجية, على أمل أن يؤدي ذلك, الى انهيار النسق السياسي السوري, وفي ذات الوقت يتيح تحقيق بنك, من الأرباح والمنافع الخاصة, لهذا المثلث اللبناني العميل, هذا وتعتقد ادراكاً قوى 14 اذار, بأنّ انهيار النسق السياسي السوري بالضرورة, سوف يؤدي الى انهيار معسكر حزب الله اللبناني, وحليفه التيار الوطني, وكل قوى 8 أذار الأخرى, ومع كل ذلك لم يتحقق هذا الشيء الى الآن, وصار اعتقادهم وهماً أعمى بصرهم وبصيرتهم, وكان وهماً افتراضياً, والأسباب تموضعت وذهبت الى الآتي:-

لأنّ الساحة السياسية اللبنانية, وتحديداً الرأي العام اللبناني, تعرض وبفعل تفاعلات ومفاعيل الحدث السوري, الى عمليات اصطفافات واستقطابات جديدة, فنتيجة ادراك المجتمع المسيحي السوري, لخطر التوجهات السلفية الوهابية المتطرفة, هو ادراك انتقلت عدواه بالضرورة للمجتمع المسيحي اللبناني, لقد التقط كل من مجتمع الموحدين الدروز اللبناني, ومعه المجتمع المسيحي اللبناني, الأشارات القادمة والمنبعثة, من امتداداتهم المجتمعية الموجودة في الديمغرافيا السورية على ذات الجغرافيا ودورها.

لقد قادت عملية التغذية العكسية, الى جعل تكتل وتمحور جعجع – الجميّل,  يخسر الكثير ويدفع أثمان باهضة, حيث قاد الأنف ذكره الرأي العام المسيحي اللبناني, ليقف الى جانب معسكر وتكتل وموقف, العماد عون زعيم التيّار الوطني الحر, الحليف لخط علاقات دمشق – حزب الله – فصائل المقاومة اللبنانية الوطنية, وبعبارة أخرى أكثر وضوحاً, كلما استمر دعم أطراف مثلث جعجع – الجميّل – سعدوه الحريري, لفعاليات الأحتجاجات السياسية السورية, ذات الطبيعة الوهّابية الأصولية المتشددة, كلما تراجعت وتآكلت قواعد الدعم الشعبوي اللبنانية, لأطراف مثلث قوى 14 أذار.

في المحطة العراقية نجد التالي: انطلقت وبشكل متزامن وسريعاً, فعاليات احتجاجات سياسية عراقية, استهدفت حكومة المالكي نوري أبو اسراء – في جزء منها, في حين استهدف البعض الآخر من فعاليات الأحتجاجات السياسية العراقية,  كل الوجود الأمريكي الأحتلالي للعراق, مع التنديد والأحتجاج والتأشير, على الدور السعودي الداعم لأستمرار الوجود الأمريكي الأحتلالي في العراق, كما ظهر وبان وعبر التصريحات الأعلامية المتلاحقة, في المشهد العراقي الشعبوي الأحتجاجي, وعلى سلّة خلفيات انخفاض وتائر شدّة الأحتجاجات السياسية العراقية, تزايدت عمليات العنف الهيكلي ذات وتائر مرتفعة الشدّة, بسبب تزايد الأنفجارات الأخيرة, وعمليات قنص واطلاق النيران المعادية والصديقة, والتي أسقطت فيما أسقطت الكثير من المدنيين العراقيين, أكثر مما أسقطت من الجنود الأمريكيين المحتلين.

بعبارة أكثر تجليّاً واستشرافاً للمخفي في المشهد العراقي, كمتلقي لتداعيات الحدث السوري السياسي الأحتجاجي, انّ الأيادي المخابراتية الشبح, سوف تعمل وتسعى بقوّة, الى استغلال عدوى فعاليات ومفاعيل الحدث السوري في الداخل العراقي, عبر اطلاق المزيد من عمليات العنف, بما يؤدي بالضرورة, الى توفير المزيد من الذرائع والمبررات, التي تقود وتدفع الى بقاء واستمرار, الوجود العسكري الأمريكي الأحتلالي في عراقنا المحتل.

أمّا بخصوص عقابيل تداعيات, وعدوى الحدث الأحتجاجي السوري, لجهة الجارة المسلمة الكبرى الدولة التركية, فانّها تتعدى ملفات الحراك الأنفصالي الكردستاني التركي, وجلّ الكتل الكردستانية الأربع, لجهة شمال غرب ايران – حيث بيجاك, وان لجهة شمال العراق المحتل, والذي يلعب فيه الموساد كيفما يشاء, حيث وكيل الأخير PKK , وان لجهة مناطق جنوب شرق تركيا, وان لجهة شمال شرق سوريا, فمكانة سوريا قلب الشرق العربي, مكانة ضرورية وهامة بالنسبة لمكانة تركيا, ومجلس الأمن القومي التركي, ومعه مؤسسات المخابرات التركية, بفروعها الخارجية والداخلية, وعبر حالات عصف ذهني مخابراتي, قادها الشاب هاكان فيدان مدير المخابرات التركي, توصلت الى قناعة راسخة, مثل شروق االشمس من الشرق, بأنّه لن تستطيع أنقرار ممارسة الدور الأقليمي, واكتساب المكانة التي تليق بها, عن طريق سياسة ومفهوم:- (ردع سوريا), فشرق المتوسط تغير, وهو الآن لم يعد كما كان في القرن الثامن والسابع والسادس عشر, وكذلك الحال بالنسبة لدمشق, فلم تعد الأخيرة كما كانت في القرون السادس والسابع والثامن عشر.

والحقائق التاريخية والطبيعية تتحدث عن نفسها, فالتاريخ التركي تلازم بعمق, بالجغرافيا السورية – قلب الشرق ومعطياتها, مقابل تلازم التاريخ السوري مع الجغرافيا التركية, فالسوريون الأمويون, استخدموا ووظفوا واستثمروا, الممر التركي كجغرافيا, ليصلوا الى مناطق القوقاز الشمالي وآسيا الوسطى, في حين نجد أنّ العثمانيين, وظفوا الممر السوري – الجغرافيا, ليصلوا الى مصر وشمال أفريقيا والجزيرة العربية, والمفارقة العجيبة في هذه المسألة تكمن, في استبدال حكومة حزب التنمية والعدالة التركي, قناعاتها التاريخية الصحيحة السابقة, بقناعات مستحدثة, تقوم على تجاوز سوريا, والذهاب مباشرةً الى شبه الجزيرة العربية, وشمال أفريقيا ومصر.

انّ الجغرافيا السورية, لها ديكتاتوريتها الخاصة, التي وهبها الله لها لجهة موقعها, دون أدنى تدخلات للأنسقة السياسية التي حكمتها, أو حتّى الحضارات التي تكالبت عليها, لذلك أبت وتأبى جغرافيا سوريا, بأنّها عصية على التجاوز والتخطي, أيّاً كان طراز الطائرات, أو السيّارات التي أقلّت وتقل, غول وأرودوغان وأوغلو احمد داوود, من تركيا الى السعودية وبالعكس.

في المشهد الدولي وكما قلنا في البداية, لعقابيل الحدث السوري أثار واثارات, تقود الى عالم متعدد الأقطاب, كون تلك العقابيل تتخطّى حدود الشرق الأوسط والشرق الأدنى, ولأنّ روسيا والصين تدركان ذلك جيداً, قادهم ذلك الى عمليات عرقلة  واعاقة, لأندفاعات زخم الأستهداف الأمريكي – الأوروبي – بعض العربي, لجهة سوريا ونسقها السياسي, وهذا ما لم تدركه أنقرا, بالرغم من وجود الأستراتيجيين الثلاثة في الحكم, غول, وأرودوغان, وأوغلوا احمد, في حين سعت وتسعى العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي, الى لملمة حلفائها وقدراتها, لجهة القيام باستغلال وتوظيف وتوليف فعاليات ومفاعيل, الحدث الأحتجاجي السوري, وأحسب أنّ خط علاقات واشنطن – تركيا, ازاء الحدث السوري تماماً هو كزواج مؤاتي MARRIGAGE OF CONVENIENCE .

 

*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية

 www.roussanlegal.0pi.com

mohd_ahamd2003@yahoo.com