نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية مقالا تحليليا بعثت به الصحافية هارييت شيروود من قرية الزبابدة القريبة من مدينة نابلس، اشتمل على مراجعة لكتاب اعده الدبلوماسي الهولندي ستيفن شيبيزي، ليكون دليل الجوال في الضفة الغربية، وكان عمله هذا ثمرة مشروع استغرق اربع سنوات قام خلالها بـ25 جولة. وفيما يلي ترجمة للمقال:
قام محمد عطاري باعادة الحجر الى موضعه، وقد طلي باللونين الاحمر والابيض للدلالة على طريق بطول سبعة اميال عبر حقول القمح واشجار الزيتون والتلال الحجرية في شمال الضفة الغربية. وقال: "عندما بدأنا بوضع علامات للدلالة على مسارات التجوال مشيا على الاقدام، بدأت الشكوك تدب في قلوب الناس. فقد توجسوا خيفة من ان تكون علامات لاقامة مستوطنة اسرائيلية جديدة او منطقة عسكرية".
والمشي بهدف الفسحة مفهوم لم يستقر بعد في اذهان معظم الفلسطينيين. الا ان السنوات الخمس الماضية شهدت جوالة – معظهم من الدبلوماسيين الاجانب وعمال الاغاثة والصحافيين، بل والمحليين ايضا – واصبح المشهد شائعا في الضفة الغربية. وتراوحت جولاتهم ما بين التلال الناعمة والوديان في الشمال الى الاراضي المنبسطة والصحارى في الجنوب.
وقد صدر هذا الاسبوع كتاب بعنوان "التجوال على الاقدام في فلسطين"، وهو دليل يضم 25 رحلة، نتيجة مشروع استغرق اربع سنوات قام به الدبلوماسي الهولندي ستيفن شيبيزي. ويشرح بالتفصيل المسارات والممرات والطرق الرملية، كما يحمل خرائط ومعلومات عن المواقع التاريخية والحياة البرية والمنتجعات الطبيعية، كما يوفر تفصيلات عملية تتعلق بالتوجيه المحلي ومواقف السيارات والنقليات العامة والمطاعم واماكن الاقامة.
بدأ شيبيزي مسيرة المشي في الضفة الغربية فور وصوله الى عمله في مكتب الاتحاد الاوروبي. وفي وقت لاحق انتقل للعمل في رباعية الشرق الاوسط. وكانت المسيرة قد بدأت في الاصل هربا من الكثافة السكانية في القدس، ولكن ايضا بناء على الرغبة في التعرف على الفلسطينيين وبلادهم باسلوب اكثر مودة مما يمكن ان يحصل عليه في مقر البعثة الدبلوماسية.
بدأ استكشاف الوديان والتلال مع اربعة من الاصدقاء. وقد ارتفع عدد المجموعة الان الى 235 عضوا، وتنظم رحلات مشيا على الاقدام في نهاية كل اسبوع. وقال اثناء جولة على الطريق الى جلقموس، في شمال شرق نابلس، ان "من بين الدوافع للسير هو مقابلة الناس". وفي اغلب الاحيان تتسبب أعمال الضيافة بابطاء المسيرة بشكل ملحوظ، الا انني "لم آسف قط لقبولي ارتشاف فنجان شاي او قهوة. فهذه اللقاءات غير المتوقعة رائعة للغاية".
تتحاشى المسيرات في الكتاب المستوطنات الاسرائيلية، لاسباب اهمها وجود الاسوار التي تحيط بها وتعتبر عائقا امام المشاة، وبسبب التوترات الموسمية.
وفي مقدمة الكتاب، يقول الكاتب والجوال الفلسطيني رجاء شحادة ان "اماكن كثيرة تمتاز بجمال رائع تعرضت للدمار بسبب اعمال البناء الاستيطانية العاجلة التي تقف كبناء اصطناعي فوق خصائص رقيقة وتضاريس هذه الارض العتيقة".
ويبدأ المسار من "حداد" على مقربة من معلم استدلال غير عادي: عجلة كبيرة عند منتجع سياحي فلسطيني قرب مدينة جنين بني على نفقة رجال الاعمال ابرهيم حداد، اضافة الى متنزه، وفي الوسط حوض سباحة، ومدرج مسرحي، فندق ومطعم، ويحتوي معظمها على اشغال حديدية مصنوعة يدويا من مسبك معادن يملكه. ورغم كل المعوقات، فان المنتجع حقق نجاحا ملحوظا.
وتنطلق المسيرة عبر اشجار الزيتون واللوز والتوت، وحقول من الحنطة المثمرة. وفي الربيع تنتشر الزهور البرية في المنطقة: من شقائق النعمان والمريمية والسوسن والخردل. وتستخدم معظم الخضروات في المأكولات الفلسطينية اضافة الى الاستفادة منها كعلاج ضد الامراض، حسب قول عطاري، وتكتسب اسماء محلية مثل ذنب الثعلب وعين الضبع.
ومن اعلى نقطة للمسيرة عند جبل الكرمل الذي يطل على البحر الابيض المتوسط، تشاهد مدينة الناصرة القديمة عبر الخط الاخضر في اسرائيل، والجدار الحاجز في الضفة الغربية، الذي يقطع التلال والحقول بطريقة بشعة.
تحولنا عن هذا المسار الى طريق آخر، متوجهين من خلال حقول جرى حصادها في انتظار زراعتها بالتبغ في نهاية فصل الشتاء الى قرية الزبابدة. حيث تعيش فيها جالية مسيحية-مسلمة مشتركة، وفيها اربع كنائس ومسجدان، وفي نهاية المسيرة مطعم السلطان ابراهيم الذي يقدم الاطباق الفلسطينية التقليدية.
ويقول شيبيزي انه "عندما يتحدث الناس عن الضفة الغربية، فان ما يطرأ على بالهم هو الاحتلال والصراع. وهو كله حقيقة واقعة، الا ان هناك حقيقة اخرى لا تجد لها مكانا هناك. انهم الناس الذين يحاولون الافادة منها على افضل وجه. وما يميز المشي على الاقدام في الضفة الغربية ويجعله يرتدي حلة خاصة هو ادراك المرء للصراع بصورة افضل، فانت ترى الجراح على الاراضي، ولكنك تجد ايضا الوجه الاخر لفلسطين".
ويكتب في مقدمة الكتاب "بكل بساطة، هناك فلسطين اخرى من تلك التي تمتلئ بها شاشات التلفزيون".
ويمثل عطاري هذه الفلسطين الاخرى، فهو يبلغ من العمر 34 عاما، وقد حصل على درجة جامعية في علم الاثار، وباشر اعمال الدلالة بعد ان تبين له انه ليست هناك فرص عمل كافية في الحقل الذي اختار دراسته. "صحيح ان هناك نزاعا، الا انني لا اريد ان اكون الضحية. فالناس يحتاجون لمعرفة كل شيء: الاشياء السيئة والاشياء الحسنة أيضا".