"جسر القرم".. أطول جسور أوروبا وبناه بوتين لنقل القوات الروسية إلى جنوب أوكرانيا

تاريخ النشر: 08 أكتوبر 2022 - 11:27 GMT
تفجير جسر القرم
تفجير جسر القرم الذي يربط روسيا بشبه الجزيرة و مناطق جنوب أوكرانيا

على الرغم من القتال في أوكرانيا، إلا أن روسيا تمكنت من الحفاظ على أمان جسر شبه جزيرة القرم، كطريق إمداد لوجستي مهم يربط "القرم" بمناطق جنوب أوكرانيا، قبل أن يتعرض الجسر فجر اليوم السبت، لانفجار تسبب بأضرار كبيرة، واشتعال الحرائق في عربات سكك حديدية أعلى الجسر.

وأظهرت اللقطات التي نُشرت على قنوات تليغرام الروسية ووكالات الأنباء لحظة الانفجار شاحنة، إلى جانب سيارتين كانتا في وسط الانفجار، مما أدى إلى تدمير جزء من الجسر ووقوعه في البحر.

ما أهمية جسر القرم بالنسبة لروسيا؟

يعد جسر القرم أطول جسر بنته روسيا، وهو أطول جسور أوروبا، حيث تم بناؤه بأوامر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وافتُتح في عام 2018، ليكون رابطاً رئيسياً لنقل المعدات العسكرية للجنود الروس الذين يقاتلون في أوكرانيا، خاصة في الجنوب، وكذلك نقل القوات هناك.

ويمثل خط السكك الحديدية جزءاً من جسرين متوازيين، يعبران مضيق كيرتش الذي يربط بين كراسنودار في روسيا بشبه جزيرة القرم، الذي بنته روسيا بعد غزوها لشبه جزيرة القرم وضمها في عام 2014. وبطول يبلغ حوالي 19 كم، افتتح الرئيس بوتين الجسر البري في عام 2018، وافتتح جسر السكة الحديد الموازي له بعد ذلك بعامين.

يعتبر جسر القرم رمزاً كبيراً لروسيا وطريق إمداد لوجستي مهم في شبه جزيرة القرم ومناطق جنوب أوكرانيا التي ضمتها روسيا إليها مؤخراً. وحافظت روسيا على أمان الجسر، على الرغم من القتال في أوكرانيا، لكنها هدّدت كييف بالرد الانتقامي إذا تعرض الجسر للهجوم.

ضرر لوجستي

يقول محللون إن استهداف أوكرانيا لهذا الجسر يحمل رسالة كبيرة داخلياً وخارجياً، مفادها أن المناطق التي ضمتها روسيا إليها سابقاً أو لاحقاً ليست آمنة، ولا يستطيع الجيش الروسي حمايتها بأي شكل كان.

وتترك الأضرار التي لحقت بخط السكة الحديد الذي يسير على جسر القرم، على وجه الخصوص، القوات الروسية في جنوب أوكرانيا، مع خط إمداد واحد فقط للسكك الحديدية – بين كراسنودار وميليتوبول – وهو في نطاق هجمات أوكرانيا.

وقد يؤدي الانفجار إلى نقص في الوقود في شبه جزيرة القرم، ففي أعقاب الانفجار مباشرة، أفادت تقارير بأن سكان شبه الجزيرة هرعوا إلى محطات البنزين قلقين من نقص الوقود، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية.

من أصعب الجسور الخرسانية

من جهته، يقول المحلل العسكري والجنرال الأسترالي المتقاعد ميك رايان في سلسلة من التغريدات في تويتر، "إن إسقاط جسر مثل هذا يتطلب الكثير من المتفجرات وتصميم الجيد للهدم، وبصفتي خبيراً في المتفجرات، فإن ما حدث يحتاج لوقت طويل للتخطيط، لأنه من أصعب جسور الخرسانة المسلحة التي يمكن إسقاطها".

وخلال الحرب التي تستمر منذ 9 أشهر في أوكرانيا، افترضت روسيا أن القرم – بما في ذلك جسر كيرتش – كانت خارج نطاق استهداف القوات الأوكرانية. لكن في الشهرين الماضيين، ضربت سلسلة من الانفجارات مواقع في شبه جزيرة القرم، بما في ذلك قاعدة ساكي الجوية البحرية، وسط تزايد ثقة كييف بأنها تستطيع استعادة شبه جزيرة القرم من روسيا.

حاولت أوكرانيا بالفعل استهداف الجسر من قبل، ففي 19 أغسطس/آب الماضي، قال مسؤولون روس إن طائرة من دون طيار مفخخة حاولت استهداف الجسر، لكن أنظمة الدفاع المضادة للطائرات الروسية أسقطتها، في حين لم يصدر تعليق رسمي من الحكومة الأوكرانية على ذلك الحادث.

وفي 21 أبريل/نيسان الماضي، قال أوليكسي دانيلوف، قال أمين مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، عندما سئل عن احتمالات مهاجمة جسر كيرتش: "لو كانت لدينا القدرة العسكرية على القيام بذلك، لكنا فعلنا ذلك"، لكنه أضاف: "إذا كانت هناك فرصة لتحقيق هذه الغاية، فسنحققها بالتأكيد".

هياكل خرسانية وفولاذية ضخمة

وتقول مجلة Forbes الأمريكية في تقرير نشر في مايو/آيار الماضي، إن قطع جسر بهذا الحجم يمثل تحدياً كبيراً، فهو يمتلك دعامات من هياكل خرسانية وفولاذية ضخمة، وتظهر الهجمات على الجسور المماثلة لجسر القرم، أنه لا يمكن إسقاطها بأي شيء، سوى ضربة مباشرة برأس حربي ضخم.

وهناك سلاح مخصص لإسقاط مثل هذه الجسور يمتلكه سلاح الجو الأمريكي، وهو سلسلة من القنابل الموجهة التي يبلغ وزنها 2000 رطل، ومع ذلك فإن نجاح ذلك ليس مضموناً، كما اكتشف الطيارون الأمريكيون ذلك خلال حرب الخليج في عام 1991.

ضربة موجّهة لبوتين

يحمل جسر مضيق كيرتش رمزية كبيرة بالنسبة لروسيا وبوتين، فهو غاية في الأهمية على الصعيدين الاستراتيجي والسياسي. وقد تم تشييده بتكلفة تزيد على 3 مليارات دولار، بل بوتين قاد بنفسه شاحنة افتتاح الجسر في 15 مايو/آيار 2018.

وكان ربط جزيرة القرم الاستراتيجية بالبر الروسي حلماً قديماً من زمن القياصرة في روسيا، وأيضاً في زمن الاتحاد السوفييتي، وجاء بوتين ليحقق ذلك الحلم بنفسه، لذلك يُعد هذا المشروع، بشكل واضح، مشروعاً شخصياً للرئيس الروسي.

والقرم تمتلك أهمية استراتيجية كبيرة لدى روسيا، فهي تتموضع في البحر الأسود على مقربة من مضيقي البوسفور والدردنيل اللذين يربطانه بالبحر الأبيض المتوسط من جهة، والقوقاز، بما في ذلك شمال القوقاز الروسي، من جهة أخرى.

الحربين العالميتين الأولى والثانية

وعلى مدى التاريخ كانت القرم تعتبر ملتقى للمصالح الاستراتيجية لدول عدة، في مقدمتها روسيا وتركيا، والدول الأوروبية الكبرى. وسجّل الحربين العالميتين الأولى والثانية، وقوع معارك شرسة في مدينة سيفاستوبول، المقر التاريخي لقواعد أسطول البحر الأسود الروسية.

وتذكر المصادر التاريخية، أنه خلال الحرب العالمية الثانية، قامت ألمانيا ببناء طريق فوق مضيق كريتش، وتحديداً في العام 1943، حيث بدأ بناء طريق مشترك وجسر للسكك الحديدية في أبريل/نيسان 1943، ولكن قبل الانتهاء منه، فجّرت القوات الألمانية المنسحبة الأجزاء المكتملة من الجسر، ودمرت الطريق حتى لا تستفيد منه القوات السوفييتية.

وفي عام 1944، شيد الاتحاد السوفييتي 4.5 كيلومترات من جسر للسكك الحديدية عبر مضيق كيرتش. لكن ذلك الجسر، شوهته أخطاء التصميم والبناء، وقد سقط بسبب تدفق الجليد في فبراير/شباط من عام 1945، وسرعان ما تم رفض اقتراح لإصلاحه وتم تفكيك بقايا الجسر. ومنذ ذلك الحين وحتى انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، توالت المحاولات السوفييتية لبناء جسر فوق مضيق كيرتش، لكن باءت جميعها بالفشل بسبب نقص التمويل أو التخطيط غير الجيد.

وصل روسيا بالقرم

لكن منذ صعود الرئيس الروسي لسدة الحكم، وضع نصب عينيه إعادة وصل روسيا بالقرم كأهمية قصوى، وبدأت محاولات ذلك في عام 2010، حيث وقعت روسيا وأوكرانيا مذكرة تفاهم لبناء جسر عبر مضيق كيرتش، لكن تم تعليقها في عام 2013. وبعد ذلك عاد الطرفان للاتفاق على مشروع بناء للجسر يستمر الجسر على مدار 5 سنوات بتكلفة تتراوح بين 1.5 و3 مليارات دولار، في الأشهر التالية، ومع تدهور العلاقات، انهارت المفاوضات الثنائية حول الجسر.

لكن بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في مارس/آذار 2014 وسط تدهور حاد في العلاقات الأوكرانية الروسية، تحقق الحلم الروسي، وأصبح مشروع جسر مضيق كيرتش جزءاً أساسياً من الخطط الروسية لدمج الأراضي التي تم ضمها إلى روسيا، وهو ما حدث بعد سنوات قليلة بالفعل.

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن