تواصل القتال في الفلوجة بين قوات الاحتلال ورجال المقاومة المدافعين عن المدينة رغم الهدنة والمفاوضات وقد دفعت قوات الاحتلال بتعزيزات جديدة للمدينة المحاصرة التي باتت تعيش كارثة انسانية وسط صمت عربي رسمي مطبق وغليان شعبي.
تعزيزات جديدة
اكد مساعد قائد العمليات في قوات التحالف في العراق الجنرال مارك كيميت اليوم السبت انه تم ارسال كتيبتين اضافيتين الى مدينة الفلوجة المحاصرة غرب بغداد. وتضم الكتيبتان عسكريين عراقيين. كما اعلن أن مشاة البحرية الاميركية تحتجز خمسة مقاتلين أجانب شاركوا في أعمال المقاومة بالمدينة.
وقال كيميت "هناك كتيبة ثالثة وكتيبة رابعة تضم عناصر من قوات الدفاع المدني العراقية" توجهتا الى الفلوجة حيث اعلنت قوات التحالف وقفا لاطلاق النار من جانب واحد ظهر اليوم (8،00 ت غ) لكن لم يسر مفعوله.
وبدأت قوات المارينز بمهاجمة الفلوجة الاثنين بكتيبتين واحدة دخلت المدينة من الجنوب والثانية من الشمال، بحثا عن منفذي هجوم قتل فيه اربعة حراس امن اميركيين وتم التمثيل بجثتي اثنين منهم في المدينة. واكد كيميت ان المتمردين لا يلتزمون بوقف اطلاق النار الذي اقترحه التحالف ولا يزال العسكريون الاميركيون يتعرضون لاطلاق نار في الفلوجة.
وأفاد مراسل لوكالة فرانس في الفلوجة ان اصوات رمايات بالاسلحة الرشاشة ودوي انفجارات كانت تسمع ظهر اليوم السبت في مدينة الفلوجة السنية حيث استمرت المعارك على الرغم من العرض الاميركي لوقف اطلاق النار.
وذكر المراسل ان سحابة من الدخان الاسود كانت تغطي المدينة على بعد 50 كلم الى الغرب من بغداد فيما حلقت فوقها مروحيات ومقاتلة من طراز اي سي-130 وهي طائرة مزودة برشاشات عديدة وتملك قدرة نارية فائقة.
وقال السرجنت شون هيلي الذي تنتشر وحدته في المنطقة الصناعية من الفلوجة "الرمايات مستمرة بالكثافة نفسها كما في الايام السابقة. المتمردون لا يصدقون ان هناك وقفا لاطلاق النار".
وكان مسؤولو الائتلاف عرضوا صباحا وقفا لاطلاق النار يبدا عند الساعة الثانية عشرة ظهرا (00،8 ت غ) تمهيدا لبدء عملية تفاوض.
وقد سمح عناصر مشاة البحرية الاميركية المتمركزون على مدخل المدينة بمرور وحدات الدم للمستشفيات والادوية والمؤن الغذائية.
وقال مصور فرنسي اتصلت به وكالة فرانس برس ان القوات الاميركية تسيطر على ما يبدو على الطريق السريع المؤدي الى الفلوجة حيث يشاهد حطام صهاريج محترقة منقلبة.
واعلن ضابط اميركي ان وفدا من مجلس الحكم العراقي دخل الى الفلوجة للتفاوض على وقف القتال.
وقال الكابتن ويل ديكنز على احد الحواجز الاميركية التي مر الوفد العراقي عبرها "ان اعضاء مجلس الحكم توجهوا الى احد المساجد" مشيرا الى ان 35 شخصا وصلوا ضمن قافلة من العربات.
وفي بغداد سقط صاروخان او قذيفتا هاون داخل المنطقة التي يوجد فيها مقر سلطة الائتلاف المؤقتة والمحصن في المجمع الاداري في بغداد بعد ظهر اليوم السبت.
وارتفعت اعمدة الدخان من موقعين قرب القصر الجمهوري السابق داخل المجمع وسط بغداد.
وقال متحدث باسم سلطة الائتلاف "نحاول التأكد اذا ما كانت تلك عمليات تفجير مقررة" للذخيرة تقوم بها عادة قوات التحالف.
واعلن الجيش الاميركي لاحقا في بيان ان احد رجال سلاح الجو قتل وجرح اثنان آخران في هجوم بالمورتر على قاعدة جوية أميركية شمالي بغداد السبت.
الفلوجة تواجه كارثة انسانية
وتواجه المدينة كارثة انسانية بسبب الحصار وتزايد اعداد الضحايا وعدم توفر التجهيزات الطبية الكافية ويرقد الاطفال الجرحى في مستشفى متنقل في الفلوجة تلطخهم الدماء بعد سقوطهم خلال القتال الدائر منذ أيام في شوارع المدينة بين القوات الاميركية والمقاومين من السنة.
وقتل المئات في القتال وفشلت حتى الان محاولات التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار لوضع حد لاراقة الدماء.
والقتلى والجرحى أكثر مما يستطيع العاملون بالمستشفى في المدينة المحاصرة التعامل معهم. وتظهر مشاهد التقطتها عدسات تلفزيون رويترز خارج مستشفى ميداني نصب على عجل الجثث في الشارع ملفوفة بملاءات تلطخها الدماء.
ومن بين القتلى أطفال ونساء ورجال كبار السن ورضيع حديث الولادة. وبجوار الجثث توجد كومة اشلاء لم يجد أحد وقتا للتعامل معها.
ويقول الجيش الاميركي ان عملياته دقيقة وانه لا يستهدف المدنيين والنساء والاطفال.
وقال أحد الاطباء "نحن هنا في مستشفى صغير ولا يمكننا التعامل مع كل هؤلاء الضحايا. المهم الان هو محاولة علاج الجرحى واخراجهم" من المستشفى.
وأعلن الجيش الاميركي وقفا من جانب واحد لاطلاق النار في الفلوجة يوم الجمعة للسماح بدخول مساعدات انسانية الى المدينة الكائنة غربي بغداد ولتسهيل محادثات سلام. ولم يتوقف القتال.
وعرضت الولايات المتحدة يوم السبت وقفا متبادلا لاطلاق النار لكن القتال تواصل مرة اخرى. ويقول جنود مشاة البحرية انهم يردون فقط النيران عند تعرضهم لهجوم ولا يستهدفون النساء والاطفال لكن المستشفى الصغير ما زال مكتظا بالمدنيين الجرحى.
ومن الصعب على الصحفيين دخول الفلوجة التي تحاصرها القوات الاميركية التي بدأت الاسبوع الماضي حملة على المقاومين في البلدة. وهناك عدد قليل من التقديرات المستقلة لحجم الاضرار.
وقال تقدير لخمس منظمات دولية غير حكومية يوم الجمعة ان 470 شخصا قتلوا في الفلوجة. وأشار الى أن 243 امرأة و200 طفل بين 1200 جريح. وقالت المنظمات ان تقديراتها ربما تكون متحفظة.
وقال بيان أصدرته المنظمات غير الحكومية "جثث القتلى في الشوارع. سيارات الاسعاف تتعرض لنيران القناصة. أوقفت القوات الامريكية المعونات الطبية والامدادات."
وأضاف البيان ان "الاف الاسر التي ما زالت محتجزة في الفلوجة تنفد احتياجاتها الضرورية من غذاء ومياه للشرب. المستشفيات والعاملون فيها .. يتوسلون من أجل الحصول على دماء وأكسجين ومطهرات."
وفي لحظات الهدوء وسط الاشتباكات يخرج الاطفال للهو قليلا في شوارع الفلوجة شبه الخاوية.
وقالت طفلة صغيرة "كنا في السيارة وجرحنا .. أنا جرحت في الكتف وهي في الرأس وهي في اليد" فيما تشير الى أطفال جرحى يجلسون حولها في المستشفى.
وأضافت "لماذا يفعلون بنا ذلك .. نحن اسرة واحدة .. لا يجب أن يعاملوننا بهذا الاسلوب."
ويقول السكان ان جنود مشاة البحرية يطلقون النار دون الاهتمام بما يستهدفون. وأشار طبيب الى سيارة اسعاف تقف خارج المستشفى وقد تحطم زجاجها الامامي وجانبها مملوء باثار طلقات رصاص.
صمت عربي رسمي
وفيما يتزايد تأييد الشارع العربي للمسلحين السنة والشيعة الذين يقاتلون القوات الاميركية في العراق، تمتنع الحكومات العربية عن توجيه الانتقادات العلنية للعمليات العسكرية الاميركية في البلد الذي تمزقه الحرب.
ورغم ان بعض المحللين يقولون ان السبب وراء موقف الانظمة العربية ازاء ما يجري في العراق هو الخوف من استعداء واشنطن، يقول اخرون ان المسؤولين العرب يخشون ان تكون ايران وراء تمرد انصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.
واشارت المحطات التلفزيونية الفضائية العربية الى انه لم يصدر عن معظم الحكومات العربية اي رد فعل على الهجوم الدامي الذي تشنه الولايات المتحدة على مدينة الفلوجة، معقل السنة، او على الاشتباكات بين قوات التحالف وانصار مقتدى الصدر جنوب العاصمة العراقية.
وحتى الدول العربية التي صدر عنها ردود فعل، كانت لهجتها اخف بكثير من لهجة روسيا مثلا التي دعت الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة الجمعة الى الامتناع عن "الاستخدام المفرط" للقوة ووقف هجومها العسكري.
وقال مصطفى كامل السعيد المحاضر في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة ان "الحكومات العربية حريصة على اقامة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة".
واضاف ان "بعض الحكومات العربية تعتمد على المساعدات المالية الاميركية بينما تعاني بعضها الاخر من مشاكل مع واشنطن وترغب في تحسين علاقاتها معها".
وتابع السعيد "نظرا الى ان معظم الانظمة العربية غير ديمقراطية" فانها تشعر بالتهديد بسبب ما يسمى "مبادرة الشرق الاوسط الكبير" التي صاغتها واشنطن بهدف نشر الديمقراطية والتحرر الاقتصادي في المنطقة.
الا ان وحيد عبدالمجيد نائب مدير مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية لا يوافق على هذا الرأي موضحا ان العديد من الدول العربية، بينها تلك الحليفة للولايات المتحدة مثل مصر، عارضت الغزو الذي شنته الولايات المتحدة على العراق قبل عام.
وقال "ما يحدث في العراق الان يؤخر تسليم السلطة الى العراقيين" كما هو مقرر في 30 حزيران/يونيو بموجب جدول زمني تمت الموافقة عليه من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة وسياسيين عراقيين وصادقت عليها الامم المتحدة.
واضاف عبد المجيد ان العديد من الدول العربية تعتبر "ان ايران حرضت على حركة مقتدى الصدر" بهدف انتزاع السيطرة على بعد المدن الجنوبية من يد القوات البلغارية والسفادورية والاسبانية والاوكرانية.
واكد ان المحافظين المتشددين الذين اطاحوا بالاصلاحيين في الانتخابات الايرانية المثيرة للجدل في شباط/فبراير الماضي "يرغبون في جر القوات الاميركية في العراق الى مستنقع لمنع واشنطن من التحول ضد ايران".
واوضح انه "من التبسيط البالغ القول ان ما يحدث في العراق حاليا هو مقاومة للاحتلال فالامر اكثر تعقيدا من ذلك".
وفيما خرج فلسطينيون وسوريون ومصريون للتظاهر خلال الايام الماضية احتجاجا على ما يجري في العراق، كان الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى المسؤول الوحيد الذي قال الخميس ان "موضوع العراق وصل الى درجة خطرة جدا ونحن جميعا لا نتقبل هذا الموقف بصرف النظر عن اسبابه" مضيفا ان "لا بد من حماية المدنيين في العراق".
ووجه قادة ومسؤولون عرب اخرون دعوة عامة الى انهاء العنف دون القاء اللوم على اية جهة، بعكس الاراء التي اعربت عنها الصحف العربية.
ودعا عبد الرحمن العطية الامين العام لمجلس التعاون الخليجي، على سبيل المثال، الخميس "جميع الاطراف المعنية" بوقف "فوري لاعمال العنف المتصاعدة في العراق" و "تغليب مصلحة الوطن على اية مصلحة اخرى".
الا ان الصحف العربية قارنت السبت بين العمليات الاميركية في العراق وبين القمع الاسرائيلي للانتفاضة الفلسطينية.
وقارنت صحيفة "الجزيرة" السعودية بين الهجوم الاميركية على مدينة الفلوجة معقل السنة وبين التوغل الاسرائيلي الدامي لمخيم جنين في الضفة الغربية في نيسان/ابريل 2002.
وقالت "في الاسبوع الاول من نيسان/ابريل من عام 2002 نفذ جنود الاحتلال الاسرائيلي مجزرة بشعة في جنين في فلسطين. وفي الاسبوع الاول من نيسان/ابريل هذا العام 2004 ينفذ جنود الاحتلال الاميركي في مدينة الفلوجة في العراق مجزرة بشرية لا تزال فصولها تجري".
وقد خلفت العمليات القتالية التي تجري في الفلوجة منذ ستة ايام اكثر من 400 قتيل والف جريح. وكان حوالى 53 فلسطينيا و 23 جنديا اسرائيليا قتلوا خلال عمليات القتال العنيفة في مخيم جنين في نيسان/ابريل 2002.
ومن جهتها حذرت صحيفة تشرين السورية من ان "الغضب يتصاعد في الشارع العربي على حماة الحرية ودعاة الديموقراطية الذين يقتلون شعب العراق باسم حرية العراق ويحاولون بدباباتهم كم الافواه واخماد المقاومة لها".
ودعت الصحيفة القادة العرب الى "الوقوف ضد الهجمة الشرسة التي تستهدف كل العرب" اثناء قمتهم التي ستعقد الشهر المقبل في تونس—(البوابة)—(مصادر متعددة)