أثار تقرير منظمة العفو الدولية (امنستي) الذي يدين اسرائيل بارتكاب جريمة الفصل العنصري بحق الفلسطينيين، ردود فعل هستيرية في الدولة العبرية، والتي ذهبت كل مذهب في اتهاماتها للمنظمة، وليس أقلها الكذب والتلفيق ومعاداة السامية!.
ووصل الامر بإسرائيل حد اعتبار مطالبة امنستي بإنهاء نظام الفصل العنصري (الابارتهايد) بمثابة دعوة الى نزع الشرعية عنها وتفكيكها كدولة وضوء أخضر لقتل اليهود حول العالم.
رد الفعل الاسرائيلي لانفعالي والهستيري كما يتضح، جاء سابقا للتقرير الذي نشر الثلاثاء (لا يُعرف كيف اطلعت عليه؟)، حيث اصدرت وزارة الخارجية الاسرائيلية الاثنين بيانا يعتبر مضمون تقرير امنستي "منحازا وكاذبا ومعاد للسامية".
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد في البيان ان منظمة العفو "ليست منظمة لحقوق الإنسان، ولكنها مجرد منظمة راديكالية أخرى تردد صدى الدعاية دون دراسة جدية".
واتهم لبيد المنظمة الدولية بأنها تنفي حق إسرائيل بالوجود، كدولة يهودية.
وسرعان ما انضم إلى انتقاد التقرير قبل نشره مكتب الإعلام الوطني الإسرائيلي والناطق باسم الجيش الإسرائيلي ومنظمات يهودية.
ووصف موشيه كانتور، رئيس المؤتمر اليهودي الأوروبي، التقرير بأنه "غير مهني ومعيب وخبيث"
وقال كانتور: "لا يوجد شيء جديد في الاكتشاف المفاجئ من قبل منظمة العفو الدولية لمصطلح الفصل العنصري فيما يتعلق بإسرائيل".
وتابع يقول إن "المنظمة تتماشى مع النشطاء المناهضين لإسرائيل والمعادين للسامية". وتابع حديثه "بسبب هذه الأكاذيب الشائنة فإن الهجمات على اليهود متوقعة في جميع أنحاء العالم".
ودعا كانتور أفرع منظمة العفو في البلدان المختلفة إلى النأي بأنفسها عن التقرير.
ترحيب فلسطيني بتقرير امنستي
وفي المقابل، رحّبت السلطة الفلسطينية، وحركتا حماس والجهاد الإسلامي بتقرير منظمة العفو الدولية.
ووصفت وزارة الخارجية الفلسطينية التقرير بانه "إثبات إضافي بأن إسرائيل دولة فصل عنصري ويجب مساءلتها".
وأضافت أن "هذا الواقع البغيض للإجرام والإفلات من العقاب، لا يمكن أن يتم تجاهله أو نكرانه من المجتمع الدولي".
وطالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، بإخضاع "إسرائيل للمساءلة والمحاسبة". كما دعت المحكمة الجنائية الدولية إلى "اتخاذ الإجراءات اللازمة، ودون مماطلة، ليشمل تحقيقها رسميا، ارتكاب إسرائيل لجريمة الفصل العنصري كجريمة ضد الإنسانية".
بدورها، أشادت حركة "حماس"، بتقرير المنظّمة الدولية، واصفة إياه بـ"المهنيّ" و"يضع الحقائق في نصابها".
كما رحبت به حركة الجهاد الإسلامي، بالتقرير، داعية إلى "اتخاذ موقف دولي بوقف دعم الاحتلال".
نظام "تفوّق يهوديّ"
وعلى صعيدها، قالت منظمة "بتسيلم" الحقوقية إن إسرائيل تدير نظام "تفوّق يهودي"، وذلك في سياق ترحيبها بتقرير امنستي.

وقالت "بتسيلم" إنّ "هذا التقرير، الذي يُضيف لَبِنة مهمّة إلى العديد من التقارير السّابقة حول الموضوع، هو بمثابة مؤشّر على إجماع جديد يتوافق على حقيقة أن إسرائيل تُدير نظام تفوّق يهودي، في المنطقة الممتدّة بين النهر والبحر"، في إشارة لأراضي فلسطين التاريخية.
وأضافت: "إنها مرحلة مهمة في النضال لأجل تغيير هذا الواقع وُصولا إلى مستقبل يتمتع فيه جميع القاطنين هنا بالعدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان".
ورفضت المنظمة الحقوقية الإسرائيلية، الاتهامات التي وجهها لابيد ضد منظمة العفو الدولية، قائلة إنّ "المخاوف التي عبّر عنها .. وكذلك مزاعم شتّى منظّمات الترويج والدّعاية من أنّ هذه محاولة لنفي حقّ دولة إسرائيل في الوُجود، تكشف أنّهم يعتبرون نظام التفوق اليهودي مبرَّر وينبغي أن يدوم".
وأضافت: "من تهدّده المطالبة بالمُساواة والحفاظ على حقوق الإنسان، يكشف أنّه يُعارض هذه القيَم، ومن يقول أن هذه المطالب تمس به، يُعلن عمليّاً في أيّ طرف يقف".
جريمة ضد الانسانية
جريمة الفصل العنصري التي اتهمت امنستي اسرائيل بارتكابها بحق الفلسطينيين، تعني تاريخيا نظام الفصل بين الأعراق في جنوب إفريقيا، والذي صنفته الأمم المتحدة في ما بعد جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي.
⚠️ نظام الفصل العنصري في #إسرائيل واستراتيجياته القاسية وطويلة الأمد يعمل عمدًا ضد مصلحة #الفلسطينيين أينما عاشوا.
— منظمة العفو الدولية (@AmnestyAR) February 1, 2022
فلنرفع أصواتنا ضد الفصل العنصري الإسرائيلي. شاهدوا هذا الفيديو وشاركوه لنسلط الضوء على هذه الانتهاكات#أنهوا_الفصل_العنصري_الإسرائيلي https://t.co/Hak8l1gApi
وقالت المنظمة ان تقريرها ”يكشف النطاق الفعلي لنظام الفصل العنصري في إسرائيل. وسواء كان الفلسطينيون يعيشون في غزة، أو القدس الشرقية، أو الخليل، أو إسرائيل نفسها، فهم يُعامَلون كجماعة عرقية دونية، ويُحرمون من حقوقهم على نحو ممنهج“.
وفي التقرير الضخم، برّرت أمنستي هذا الوصف بقولها أنّ "سياسات التفرقة ونزع الملكية والإقصاء القاسية المتبعة في جميع الأراضي الخاضعة لسيطرة إسرائيل تصل بوضوح إلى حدّ الفصل العنصري ومن واجب المجتمع الدولي التصرف“.
وأشارت إلى أن إسرائيل تعتبر الفلسطينيين ”تهديدا ديموغرافيا“.
قبل سنة على ذلك، كانت ”هيومن رايتس ووتش“ أول منظمة غير حكومية ناشطة في الدفاع عن حقوق الإنسان تستخدم كلمة ”الفصل العنصري“ (أبارتيد)، لوصف سياسة إسرائيل حيال عرب إسرائيل وفلسطينيي الأراضي الفلسطينية المحتلة، لتنضم بذلك إلى منظمات غير حكومية فلسطينية وإسرائيلية.
ونددت ”هيومن رايتس“ يومها بارتكاب إسرائيل ”جريمتين ضد الإنسانية“ عبر اتّباعها سياسة ”الفصل العنصري“ و“الاضطهاد“ بحق عرب إسرائيل والفلسطينيين.
من جنوب إفريقيا الى إسرائيل
الفصل العنصري أو أبارتهايد، (التطور المنفصل للأعراق باللغة الأفريكانية)، نظام كرّسه البيض في قوانين جنوب إفريقيا بين العامين 1948 و1991.

وهيمنت الأقلية البيضاء على الحياة السياسية في هذا البلد حتى أول انتخابات متعددة الأعراق العام 1994، وفاز بها نلسون مانديلا زعيم النضال ضد نظام الفصل العنصري.
وبموجب هذا النظام، كان مواطنو جنوب إفريقيا يصنفون منذ ولادتهم في أربع فئات، هي: البيض والسود والخلاسيون والهنود، حيث يحتلّ البيض المكانة الأعلى ويتمتعون بامتيازات خاصة، في حين يقبع السود في أسفل السلم الاجتماعي.
وسُنّت قوانين فصل تغطي كل جوانب الحياة تقريبا، من العمل والزواج والتعليم والإسكان والسفر، فضمنت الأقلية البيضاء تفوّقها الكامل على أية فئة أخرى.
وكانت ”قوانين المرور“ التي فرضت قيودا صارمة على تحرّك السود أكثر الجوانب البغيضة في نظام الفصل العنصري هذا.
وكان الجزء الأكبر (87 %) من أراضي جنوب إفريقيا مخصصا للبيض، في حين كان السود يقيمون في أحياء مخصصة لهم (تاونشيب)، وفي محميات عرقية (بانتسوتان).
وحتى العام 1986، كان ينبغي عليهم التنقّل وهم يحملون بطاقة هوية تحدّد الأماكن التي يمكنهم التوجه إليها، مع احتمال فرض عقوبة السجن أو غرامات عليهم في حال المخالفة.
الأمم المتحدة تجرّم الأبارتهايد
بدأت الأمم المتحدة اعتبارا من عام 1966 بتعريف الفصل العنصري جريمة ضد الإنسانية. لكنها لم تصنفه رسميا كذلك حتى عام 1973، بموجب اﻻتفاقية اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻟﻘﻤﻊ ﺟﺮﻳﻤﺔ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﻌﻨﺼﺮي واﻟمعاقبة ﻋﻠيها.

وكان الهدف من الاتفاقية التي دخلت حيز التنفيذ بعد ثلاث سنوات، ليس فقط التعامل مع التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، إنما مع حالات مماثلة في أماكن أخرى من العالم.
ومع ذلك، لم يتم إنشاء محكمة خاصة بهذه الجريمة، رغم أن هذا الأمر نوقش العام 1980، لكن تُرك للدول أمر إجراء ملاحقات على أساس القانون الدولي.
ولم تقم أي دولة ولا حتى جنوب أفريقيا نفسها بتوجيه تهم بجريمة ارتكاب الفصل العنصري.
وعام 2002، عرّفت المحكمة الجنائية الدولية جريمة الفصل العنصري بموجب نظام روما الأساسي، وعارضته إسرائيل بشدة منذ ذلك الحين.
واعتبرت المحكمة الجنائية الفصل العنصري جريمة ضدّ الإنسانية ”ترتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة، إزاء أي جماعة أو جماعات عرقية أخرى، وترتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام“. لكنها لم توجه اتهاما إلى أي شخص أو دولة بهذه الجريمة حتى يومنا هذا.