دعا الرئيس الاميركي باراك اوباما مساء الاربعاء جميع الموظفين الفدراليين الذين انقطعوا عن اعمالهم بدون راتب بسبب عدم اقرار الميزانية للعودة الى العمل الخميس بعد ان صوت الكونغرس على قانون مالي مؤقت.
وقالت سيلفيا ماتيوس بورويل، مديرة مكتب الميزانية في البيت الابيض "الان وقد اقر القانون من قبل مجلسي الشيوخ والنواب، ينوي الرئيس توقيعه اعتبارا من هذا المساء ويجب ان يستعد جميع الموظفين (الفدراليين) للعودة الى العمل صباح الغد".
ورفع الكونغرس الاميركي الاربعاء سقف دين الولايات المتحدة حتى السابع من شباط/فبراير بعد تبني مجلس النواب على نص يستبعد خطر عدم الدفع وان الرئيس باراك اوباما سوف يوقعه.
وصوت اعضاء مجلس النواب باغلبية 285 صوتا مقابل 144 لصالح النص الذي تبناه قبل قليل مجلس الشيوخ والذي من شأنه ان يعيد ايضا فتح كامل الدولة الفدرالية التي اقفلت جزئيا منذ الاول من تشرين الاول/اكتوبر.
وقد اعلن باراك اوباما الاربعاء انه سيوقع النص فور التصويت عليه.
ودعم الديموقراطيون في مجلس النواب بالاجماع النص مع دعم من بعض الجمهوريين. وقد صوت مع ذلك حوالى ثلثي الجمهوريين ضد النص ما يشير الى عمق الخلافات داخل حزب رئيس المجلس جون بوينر.
لا منتصر في ازمة الدين الاميركي
وصلت الازمة السياسية الحادة التي هزت الولايات المتحدة الى تسوية لم يخرج منها اي فريق منتصرا، سواء الرئيس باراك اوباما او خصومه الجمهوريين او حتى الاميركيين انفسهم، برأي المحللين.
وفي المقابل فان الكارثة التي تفادتها واشنطن في اللحظة الاخيرة باقرار نص يبعد احتمال تعثرها في سداد مدفوعاتها ويعيد فتح الادارات الفدرالية المشلولة منذ اكثر من اسبوعين، تطرح سؤالا عمن هو الخاسر الاكبر في هذه الازمة.
وبعد 16 يوما من التعطيل صادق الكونغرس بمجلسيه مساء الاربعاء على تسوية للخروج من الازمة بتصويته على رفع سقف الدين ما ابعد خطر تخلف الاقتصاد الاول في العالم عن السداد واتاح اعادة فتح الادارات.
غير ان الهزيمة الاشد كانت على رئيس مجلس النواب جون باينر الذي اقر الاربعاء "لقد خضنا معركة من اجل قضية عادلة لكننا لم نربح".
وتحت ضغط كتلة حركة حزب الشاي المحافظة المتطرفة، تشدد باينر وطالب بتنازلات كبرى تتعلق باصلاح نظام الضمان الصحي الذي اقره اوباما والمعروف باسم "اوباماكير"، وهو الانجاز الاكبر في حصيلة اوباما الاجتماعية، لكن تبين ان هذه الاستراتيجية كانت فاشلة.
فالتسوية التي اقرت لم تمس بنظام "اوباماكير" بشكل جوهري في حين تراجعت نسبة تأييد الراي العام للجمهوريين بشكل حاد من شأنه ان يبعث الامل لدى الديموقراطيين باستعادة مجلس النواب في الانتخابات التشريعية الجزئية المقرر تنظيمها في تشرين الثاني/نوفمبر 2014 في منتصف الولاية الرئاسية، بحسب ما عكست بعض استطلاعات الرأي.
وقال باتريك غريفن استاذ العلوم السياسية في الجامعة الاميركية في واشنطن ان اعضاء حركة حزب الشاي الشعبوية "ربما فقدوا من هيبتهم" على الصعيد الوطني مع هذا الفشل "لكنهم جمعوا الكثير من الاموال وشعبيتهم لم تتراجع على الارجح في دوائرهم".
واعلن المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني الاربعاء ان "لا رابح في هذه القضية. هذا ما قلناه منذ البداية .. لان هذه هي الحقيقة".
لكن الواقع ان الرئيس الديموقراطي صمد بوجه الجمهوريين بعدما اقسم على عدم التنازل لخصومه الذين اتهمهم بطلب "فدية" سواء في قضية الميزانية او رفع سقف الدين.
وقال توماس مان من معهد بروكينغز ملخصا الوضع "لكان من العبثي التفاوض على رفع سقف الدين. ان التهديد بالتعثر في السداد كان اشبه بعمل ارهابي ولا يجوز التفاوض مع الارهابيين".
لكن بعد عام على اعادة انتخابه وما اثارته من امل في خفض حدة التوتر في واشنطن ما زالت حصيلة اوباما تفتقر الى اقرار عنصر واحد من برنامجه التشريعي.
وان كان كرر مساء الاربعاء دعوته الى انجاز اصلاح لنظام الهجرة، الا انه من غير المتوقع ان يقدم الجمهوريون على اي خطوة تدفع برنامجه بعد هذه الازمة الجديدة التي أضرت بمكانة الولايات المتحدة في العالم ولقيت تسوية موقتة تنذر بازمات اخرى مقبلة.
ولفت جيمس ثوربر المساعد السابق لاعضاء في الكونغرس والاستاذ في الجامعة الاميركية الى ان "الرئيس حصل على ما كان يريده واعتقد بالتالي انه رابح لكنه يجد نفسه ايضا امام مواجهة كبرى جديدة ستأتي في كانون الاول/ديسمبر" حين سيترتب خوض مفاوضات جديدة حول الميزانية.
وراى مان ان اوباما "اضعف الحزب الجمهوري لكنه عمليا لم يزد قدرته على دفع برنامجه".
كذلك تضررت نسبة شعبيته جراء الازمة فباتت تتراوح بين 43 و48 بالمئة بحسب معاهد الاستطلاعات، فيما سيستمر التقشف المالي المطبق منذ اذار/مارس بعد فشل مفاوضات سابقة حول الميزانية.
من جانب اخر فان هذه الازمة قد تزيد من اشمئزاز الاميركيين حيال ممثليهم، وليس الجمهوريين فحسب، برأي لارا براون خبيرة العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن.
وقالت متحدثة لتلفزيون فرانس برس ان "الشعور العام هو نفور من السلطة القائمة ورغبة في طرد جميع المسؤولين في واشنطن".
وقال كارني ان "الاميركيين دفعوا ثمن" هذه الازمة التي "لم تكن ضرورية على الاطلاق".
وان كان مئات الالاف من موظفي الدولة الفدرالية الذين وضعوا في اجازات غير مدفوعة سيتقاضون رواتبهم مع مفعول رجعي، الا ان الشلل ترك اثرا على النشاط الاقتصادي.
وقدرت وكالة ستاندارد اند بورز للتصنيف الائتماني الاربعاء الخسائر الاقتصادية ب24 مليار دولار تمثل 0,6 نقطة من النمو في الفصل الرابع من السنة، غداة توجيه وكالة فيتش انذارا حول الدين الاميركي، في وقت لا يزال الاقتصاد الاميركي يجد صعوبة في النهوض واستعادة ادائه الكامل بعد الانكماش والازمة المالية في فترة 2007-2009.