المستوطنات تغير التركيبة السكانية والجغرافية للقدس

تاريخ النشر: 13 نوفمبر 2011 - 01:54 GMT
البوابة
البوابة

نشرت صحيفة "ذي انديبندنت" البريطانية مقالا للمحلل الصحافي دونالد ماكنتاير خصصه لما تشهده مدينة القدس الشرقية من تغييرات عمرانية وديموغرافية نتيجة امتداد المستوطنات اليهودية نحو الاراضي العربية بنسبة تقول انها "مذهلة". وفيما يلي نص المقال:

كان رد فعل عامر عقل، وهو محام، أثناء دخوله إلى بقالة في حي بيت صفافا يعكس رد فعله على أنباء قالت إن هذا الحي سيجد نفسه محشورا بجوار أول مستوطنة يهودية تبنى في القدس الشرقية العربية منذ 15 عاما. نعم، فموافقة الحكومة الاسرائيلية على المخطط كانت "غير منطقية". ونعم، فقد فهم أن للسياسة دخلا في ذلك. ولكن كمواطن عربي في اسرائيل ذي وجهات نظر معتدلة، فإن أكبر باعث على قلق عقل (46 عاما)، كان أن المستوطنة ستلتهم مساحة الأرض الوحيدة التي تبقت لتوسع بيت صفافا لتلبية التزايد الطبيعي واحتياجات سكانها الذين يتزايدون بسرعة.

وقال عقل: "علينا أن نجد حلا للذين يعيشون هنا، خصوصا الأزواج الشابة. إيجار البيت المكون من غرفتين يبلغ الف دولار شهريا، ثم ان من الصعب للغاية الحصول على رخصة بناء". ومنذ حرب 1948 التي تمخضت عن إقامة اسرائيل، أصبحت بيت صفافا الشمالية متاخمة مباشرة للقدس الغربية الاسرائيلية. والعلاقات بين السكان العرب - ونصفهم، وهو أمر غير عادي في القدس، مواطنون في اسرائيل - وجيرانهم اليهود حسنة، كما قال عقل، الذي أضاف :"كثير من الزبائن الذين يحضرون إلى هذا المتجر يهود. وقرار كهذا سيؤثر على ذلك الاندماج. وهذا هو السبب في حاجتنا إلى حل لمصلحة الجانبين".

مستوطنة "جبعات هماتوس"، التي صادقت لجنة التنظيم في الداخلية الاسرائيلية على بناء أول 2610 وحدات سكنية فيها، تتناقض مع حل كهذا- بالمفهومين المحلي والسياسي الأوسع. فبيت صفافا محاصرة من الغرب بمستوطنة "جيلو" اليهودية سريعة التوسع. وستؤدي "جبعات حماتوس" فعليا إلى إدخال بيت صفافا في جيب فلسطيني داخل منطقة ذات اغلبية يهودية.

ومن الناحية الجغرافية، فليست بيت صفافا- وهي واحدة من ضواحي القدس الخاصة بالطبقة الوسطى وكثير من سكانها، مثل عقل، مهاجرون من شمال اسرائيل- ليست في شرقي القدس، وإنما في جنوبها. ولكن من الناحية السياسية فالحي يقع بشكل واضح في الجانب الفلسطيني من "الخط الأخضر" الذي قسم المدينة خلال الفترة بين عامي 1948 و1967. وهذا يعني أن المخطط لبناء "جبعات حماتوس"، وهي مساحة واسعة من الارض الفضاء توجد فيها مجموعة من المباني مسبقة الصنع يقيم فيها عدد من اليهود الإثيوبيين، ليست فقط غير شرعية وفقا للقانون الدولي، لكنها أيضا "عمل استفزازي" تماما من النوع الذي حذرت منه الامم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في شهر أيلول (سبتمبر)، عندما حاولوا إحياء عملية السلام. وهو جزء من سياسة أشمل قد تفسر الإحباط الذي عبر عنه الرئيسان الأميركي اوباما والفرنسي ساركوزي تجاه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال اجتماع الدول العشرين الكبرى المتواصل حاليا.

وتصر بلدية القدس على أن ثلث الوحدات السكنية الجديدة ستكون للفلسطينيين. لكن هذا يعني أن حوالي 1700 بيت يهودي جديد على الارض المحتلة في معظمها - وهو عدد يزيد عن الألف وحدة التي ستقام في "غيلو"، والتي اثارت الموافقة على بنائها إدانة دولية. ولكن، وعلى أي حال، فإن سامي ارشيد، وهو مواطن آخر من بيت صفافا ومحام بارز يمثل الحي، يقول إن المخطط سينفذ في الحي العربي الحالي والمكتظ فعليا، وليس في نطاق مشروع تطويري جديد. وبدلا من الوحدات السكنية الست في كل دونم، ستقام 12 وحدة في الدونم. ويحتج ارشيد، الذي يذهب أبناؤه إلى المدرسة المختلطة الوحيدة بين العرب واليهود في المدينة، بأن الخدمات المحلية، بما فيها المياه، قريبة بالفعل من الحد الأقصى. ويضيف :"لا اعتقد أن البلدية ستستثمر في البنية التحتية (لتلبية النمو المخطط له)، وهي لم تفعل ذلك طيلة الأربعين عاما الماضية".

ورفضت الداخلية الاسرائيلية مطلب السكان بأن تصدر الأمر لسلطة أراضي اسرائيل، التي تسيطر حاليا على الأرض، بان تستفيد بيت صفافا من المخطط. واستطرد :"هذا جزء من مخطط كبير للحد من التطور الفلسطيني في القدس. و"جبعات هماتوس" هي المساحة الوحيدة المعقولة التي يمكن لبيت صفافا أن تتوسع فيها".

لكن "جبعات هماتوس" هي جزء من صورة أكبر بكثير. فانشغال العالم الحالي بإيران من شأنه أن يغطي على الخطوات العقابية التي قامت بها حكومة نتنياهو بعد نجاح الرئيس محمود عباس في الحصول على عضوية فلسطين في منظمة (يونيسكو). وعلى الإنسان أن يلاحظ عائدات الضرائب التي تجبيها اسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية - والتي هي تهدد بوقف مرتبات قوى الامن الفلسطينية التي تعتمد عليها اسرائيل في حفظ الأمن بالضفة الغربية. والإجراء الآخر هو تسريع البناء الاستيطاني في الاراضي المحتلة من خلال نشر عطاءات لبناء 1650 وحدة سكنية في القدس الشرقية وحدها.

ووسط غضب الفلسطينيين والاتحاد الاوروبي وواشنطن ادعى مكتب نتنياهو أن الوحدات السكنية الجديدة تقع في اماكن ستحصل عليها اسرائيل بموجب أي تسوية وفقا لحل الدولتين. وفي القدس، التي هي نواة محورية للخلاف حول الحدود المستقبلية للضفة الغربية فإن هذا الإدعاء غير واقعي. ولم يرد أي كلام رسمي عن الأمكنة التي ستبنى فيها الوحدات الجديدة، لكن العديد منها ستقام في جبل أبو غنيم (هار حوما)، وهي آخر مستوطنة أقيمت، وجنوبي القدس مثل "جبعات هماتوس". وخلال المفاوضات مع ايهود اولمرت - وهي التي توصل فيها الجانبان بسهولة أكثر من أي وقت مضى لاتفاق خلال عشر سنوات - اصر الفلسطينيون على أن مستوطنة جبل أبو غنيم تقع في فلسطين.

ونتيجة للبحث المضني المتعلق بمخطط الأنابيب الذي أجرته منظمة "سكان القدس" الاسرائيلية غير الحكومية، أصبح واضحا أن المدينة تعاني من تصاعد كبير في البناء الاستيطاني، غير المسبوق منذ اوائل السبعينات على الأقل. وينسجم هذا التصاعد مع إصرار نتنياهو- على العكس من المجتمع الدولي- بأن القدس ستظل عاصمة اسرائيل غير المقسمة. وهذا يشير إلى ان نتنياهو مقتنع الآن بأن إدارة اوباما غير راغبة بدعم احتجاجاتها الروتينية على مستوطنات القدس بفرض عقوبات على إسرائيل.

سلف نتنياهو، اولمرت، بدأ فعليا البناء والتخطيط لمستوطنات القدس بسرعة كبيرة، وتمكن من القيام بذلك تحت حصانة نسبية، لانه كان يتفاوض بحرارة مع الفلسطينيين. نتنياهو واصل البناء بنفس السرعة، بما في ذلك مرحلة التجميد على البناء الاستيطاني في الضفة الغربية- الذي اصر على أنه لا يشمل القدس الشرقية.

ومع هذا يتضح ايضا أنه بعد المواجهة المشهودة مع نائب الرئيس الأميركي جو بايدن حول مخطط توسيع مستوطنة "رامات شلومو" في آذار (مارس) 2010، بدا نتنياهو تجميدا غير معلن للبناء استمر سبعة شهور في القدس الشرقية، وانتهى التجميد مع انتهاء التجميد على التوسع في الضفة الغربية، ما يشير إلى أنه يستطيع إذا أراد، وقف البناء الاستيطاني في المدينة من دون ان يخاطر بتفكيك ائتلافه. وبالتالي فإن نتنياهو، كتلميذ خبير بالسياسات الأميركية، استنتج أن اوباما يمر بدورة انتخابية ولا يمتلك أي قدرة على ممارسة ضغوط في ما يتعلق بهذه القضية.

ويعتقد معظم الدبلوماسيين والخبراء الغربيين أن البرنامج الاستيطاني في القدس الشرقية- ناهيك عن مواصلة تكثيف الوجود الاستيطاني في الضفة الغربية - يمكن ان يهدد بشكل حاسم فرص سلام متفاوض عليه على المدى البعيد. وبحسب دانييل سيدمان، المحامي الاسرائيلي الذي يرأس منظمة "سكان القدس"فإن استمرار البناء بالسرعة الراهنة "سيؤدي إلى خريطة جغرافية وديموغرافية للقدس تكون مبلقنة إلى حد يهدد كل إمكانية لحل الدولتين".

وكما هي الحال في أماكن أخرى، يعاد رسم حدود جنوب مدينة القدس فعليا من خلال مستوطنات جبل أبو غنيم (هار حوما)، و"جيلو" والآن "جبعات هماتوس". ويقول سيدمان: "هذه المخططات تخلق كتلة كبرى من المستوطنات المتصلة التي ستغير تقريبا الحدود المحتملة بين اسرائيل وفلسطين. وستقطع التواصل بين القدس الشرقية وبيت لحم ومحيطها في الضفة الغربية، ما سيمثل ضربة قاتلة لحل الدولتين".

 

 

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن