القوات المسلحه وارادة القتال

تاريخ النشر: 17 سبتمبر 2015 - 08:53 GMT
هل ادركت واشنطن ان سياساتها الاخيرة قد سببت انحسارا كبيرا لنفوذها في المنطقة؟
هل ادركت واشنطن ان سياساتها الاخيرة قد سببت انحسارا كبيرا لنفوذها في المنطقة؟

 بقلم هشام العلي*

ونحن نحاول دراسة وضع القوات المسلحة لا نريد الخوض في تفاصيل التسلح ودراسة التقنيات الحربية للجيش العراقي بقدر ما نريد ان نتناول ابرز المشاكل التي يعاني منها الجيش والتي تناولنا

بعضها سابقا لكننا مضطرين اليوم لتكرار التحدث عنها لكونها يجب ان تدرج ضمن هذا البحث باعتبارها تشكل المشاكل الرئيسية التي تواجه القوات المسلحه ... يجب الاعتراف بانمن اهم مشاكل القوات المسلحة العراقية هي (فقدان ارادة القتال) وهي مسالة نفسية يجب دراستها من زاوية اجتماعية .. ونحننعتقد ان من اهم اسباب فقدان ارادة القتال لدى الجندي العراقي هو التناقض الحاصل بين مفهوم الحرب الحديثةمن جهة وضروف الحرب البدائية في المعارك الدائرة والمحتملة من جهة اخرى , حيث ان التطور في التقنيات العسكريةالحديثة لدى الدول المتقدمه قد ساهم كثيرا في التقليل من اشراك العنصر البشري في الاشتباك المسلح ما زاد من فرص بقاء المقاتل على قيد الحياة على اساس ان متطلبات الحرب البدائيه كانت تعتمد على الجندي في مسائل الكشف والمعالجة والرمي في الحين الذي اصبحت هذه المسائل اليوم منوطة بالجهد الالي والتقني بعد ان اصبح الاشتباك يعتمد على الرادار والبعد الكهرومغناطيسي والمقذوفات الذكية فيما اصبح التسلل من خلال الدروع المتطورة والمسنودة جويا سمة للحرب الحديثه ليصبح الاعتماد على جندي المشاة مقتصرا على المناطق الجبلية الوعرة والحضرية والتي تصعب حركة الدروع فيها على ان يسبق ذلك ويرافقه استخدام القوة الجوية والمدفعيه لتهيئة مستلزمات السلامة لجندي المشاة ناهيك عن الدور الفعال في الاستطلاع والهجوم الذي تتمتع به السمتيات الحديثة بقدرتها على الحركة وقابليتها النارية ما يسمح للقتال بالعمق وخلف خطوط المواجهة من دون الحاجه الى اقحام الجنود في هذه الاعمال الخطرة , كل هذه الامور كانت قد سمحت بالتقليل من كثافة العنصر البشري وعديد عناصر الجيوش في المعركة الحديثة ما يعني ان الدول المتقدمة قد نجحت الى حد كبير في جعل البعد الانساني يختفي من ساحات الاشتباك الى اقصى درجة لكونها تدرك جيدا ان ( الحرب يحددها العنصر الانساني من اجل اخضاع عقل العدو بارادة خصمه ) كما انها تدرك جيدا ان ساحات الحرب تدخل فيها الصور والتصورات لتحديد الهدف والمعالجة بديلا عن الحقيقة المادية ما يدعوها الى الاعتماد على التقنيات الحديثة في الاستطلاع والمتابعة كبديل للعنصر البشري الذي يغلب على عقله ظاهرة الاستنتاجات الغامضة والمدفوعه بالقلق والاضطرابات والجوانب العاطفية ! كما انه من عناصر الحرب البديهيه هو توقع مخاطر الموت والعوق وقبول التضحية دفاعا عن الزعامات والايدلوجيات والاجندات والتي تصطبغ دائما بصبغتي الرب والوطن كشعاراتلاقناع المقاتل بضرورة مواصلة القتال والقبول بالتضحيه بحياته وراحته من اجل المفاهيم التي تصنعها ظواهر الترف المادي والسياسي .. وهذه من الاسباب التيتجعل الجندي المعاصر غير مؤهل نفسيا للاشتباك المسلح خصوصا في الدول التي تؤمن مجتمعاتها بالايدلوجيا الناعمة والتي وصلت الى مستوى من الترف تجعل وجود المقاتل في وحدته العسكرية امرا لا يطاق حتى في السلم الا اذا تحققت له امورا تجعل حياته العسكرية مقاربة لنمط الحياة المدنية التي اعتادها , يضاف الى ذلك ان ثورة المعلومات قد منحت المقاتل فرصة كبيرة لفهم الحقائق والاختلافات في وجهات النظروبالتالي منحته مجالا اوسع لفهم تناقضات قياداتهما جعله غير مستعد للموت في سبيل من يراهم غير مستحقين .. ولذلك فهو غير مستعد نفسيا وعاطفيا لاقتحام حلبات الاشتباك المسلح خوفا من الموت والعوق الذين لا مبرر لهما في نظره .. كما ان الانسان المنغمس في تعدد الثقافات والتواصل الاجتماعي لا يرى في ساحات المعارك الا ظواهر مرعبة لا يمكن مقاومة نوبات الرهاب التي تتخللها لما فيها من جو يختلف عن الاجواء التي اعتادها بين عائلته ومجتمعه .. ومن حسن حظ الدول المتقدمة والغنية انها استطاعت ان تخطوا خطوات جبارة نحو امتلاك عناصر الحرب الحديثة ما جعل مقاتليها في مامن من ضرورة المواجهة الفعلية ليقتصر اغلب عملهم على تشغيل واستخدام المعدات التي تمنحهم خدمة القتال عن بعد , هذا التقدم في التقنيات الحربيه للدول المتقدمة جاء موازيا لاختفاء العاطفه العقائدية لدى مقاتليها كنتيجة طبيعية للترف والانفتاح كما نوهنا اعلاه ما جعل التغير السيكولوجي الحاصل في صفات جنودهالا يحمل اي ضرر لكونهم في مامن من الاشتباك الذي يعتمد على خاصية الجرأه والاندفاع اكثر من اية خصائص اخرى , بعض الدول الراديكالية تعي هذا الموضوع جيدا ما جعلها تفرض قيودا على شبكات التواصل الاجتماعي بل وحتى شبكات الانترنت ومعدات تلقي البث التلفزيوني المتطوره وفي مقدمة هذه الدول ايران والصين وكوريا الشمالية ... من خلال هذا الموجز نستطيع ان نسلط الضوء على مأزق المقاتل العراقي وهو يعيش في بلد تتقدم فيه وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي بشكل كبير ما يجعل الكثير من افراده يؤمنون بالايدلوجيا الناعمة وبالتالي يصبحون غير مؤهلين للاشتباك المسلح الفعلي ولا يمكنهم القتال الا ضمن ظروف الحرب الحديثه والتي نوهنا اليها اعلاه , لا ننكر ان اغلب عناصر الجيش هم من الطبقات الفقيرة والتي تنتمي الى مجتمعات تعيش تحت خط التخلف ما يجعلها مفعمه بالصفه العقائدية والتي كان من الممكن الاستفاده منها في تاسيس قوات لا تقل في اندفاعها وحماسها عن الفصائل السلفيه المتشدده التي تواجهها خصوصا وان اغلب افراد الجيش هم اصلا من الفصائل المسلحه الشيعيةوالتي انضوت تحت قياداته في اجراءات حكومية مثيرة للجدل , هذه العناصر بالذات كان من المفترض ان توازي في جرأتها الجرأة الجنونية التي يتمتع بها المسلحين السلفيين لكن افة الفساد المستشرية في جميع مفاصل المؤسسة العسكرية وانعدام التخطيط للاستباق والردع والاسناد اضافة الى انعدام الاهتمام بالجانب التدريبي كلها قد ساهمت بشكل كبير في جعل عامة عناصر الجيش يشكون من فقدان الثقة بالنفس والقيادات وعدم التوافق نفسيا ما ادى الى الكارثة الاخيرة كما ادى الى عجز القيادات العسكرية عن احراز اي تقدم يذكر على المستوى العملياتي في الحين الذي يتطلب الوضع اجراءات سريعة لتغيير الموقف الميداني والسوقيليضطر المختصون والباحثون اخيرا الى الاعلان وبمراره عن ان القوات المسلحة العراقية غير مؤهلة لخوض اية حرب او درئ الخطر عن البلد خلال الحروب الاقليمية المحتملة ! نعتقد انه وللاسباب التي نوهنا اليها اعلاه اصبح المقاتل العراقي اليوم غير مؤهل للاشتباك الفعلي ولا يصلح الا للعمل في ضروف الحرب الحديثة وللاسف هي غير متوفره لعدة اسباب من اهمها الازمة الاقتصاديه ومشاكل التسلح وتحفظات بعض الاوساط الاقليمية والمحلية على تسليح الجيش العراقيلذلك فان اي حديث عن تغيير مجرى العمليات الحالية بصورة حاسمه او وصول القوات الى مرحلة تؤهلها الى ان تكون مصدر ثقة لدرئ الاخطار الخارجية والتعامل مع سيناريوهات الحروب المحتملة هو ضرب من الاحلام ... من اجل تحقيق التوافق النفسي للقوات المسلحة العراقية تحتاج الوحدات الى تحقيق تفوق تقني يعوض العنصر البشري بالدروع في التعرض والموانع في الدفاع اضافة الى تركيز الاعتماد على التفوق الجويوهذا اكثر ما يمكن فعله من قبل القيادات العسكرية لكون التفكير في الحصول على المقذوفات الذكية والموجهه بالليزر واستخدامها هي غاية لا يمكن تحقيقها لاسباب كثيرة , الحرب تبدأ نفسيا وتنتهينفسيا ومن يريد تغيير مجرى المعاركفعليه ان يغير موازين الحرب النفسيه وهذا لن يتحقق الا بعدة امور من اهمها ادخال التقنيات التي تساهم في التقليل من اشراك العنصر البشري في الاشتباك الفعلي اي التحول من ضروف الحرب البدائية الى الحرب الحديثة وهذا الامر لا يمكن تحقيقهحاليا وهنا تكمن مأساة الجندي العراقي المعاصر حيث يقحم في الحرب البدائيه بالرغم من انه غير مؤهل لان يكون مقاتلا عقائديا مقتنعا بايدلوجيا قياداته !المستجدات الاخيرة في المنطقة الملتهبة من الممكن ان يكون لها اثر يتفاعل مع مشاكل التسلح لدى القوات العراقية وبالتالي على التوافق النفسي لتلك القوات لكن ذلك يجب ان يمر بعدة اسئلة ملحه من بينها :

1- قد يكون لاقتحام روسيا لميدان المعارك السورية اخيرا عاملا يصب في صالح القوات العراقية من ناحية التسلح وامتلاك عناصر الحرب الحديثه لكن الى اي مدى سوف تستفيد بغداد من الموقف الروسي الاخير ومن التحالف بين طهران وموسكو من اجل دعم وتسليح الجيش العراقي بالاسلحة والمعدات الحديثة اللازمة لتغيير مجرى المعارك وما هو تاثير ذلك على التوافق النفسي لدى القوات المسلحة العراقيه ؟..
2- الى اي مدى سوف يؤثر التنسيق بين موسكو وبغداد في مجال التسلح ودعم القوات العراقية على العلاقة بين بغداد وواشنطن الممتعضة اصلا من العلاقات بين بغداد وطهران ؟..
3- ما هو تاثير الدعم الروسي المحتمل لبغداد على حجم ونوع الدعم الغربي في مواجهة مقاتلي ما يعرف بالدولة الاسلامية في غرب العراقوما هو التاثير النفسي في ظل احتمال وقف الدعم الغربي للجيش العراقي في الحرب الدائرة واقتصاره على دعم الاكراد ؟..
4- هل يعتبر دخول روسيا في حلبة الحرب السلفية الشيعية ومن ورائها الحرب الغربية الايرانية ايذانا باقحام العراق في تحالفات طارئة مع دول الصراع الشرقية وما هو تاثير ذلك على المجتمع العراقي المنقسم اصلا تجاه المواقف الاقليمية والدولية وبالتالي ما هو تاثيره على التوافق النفسي لدى القوات المسلحه ؟..
5- هل ادركت واشنطن ان سياساتها الاخيرة قد سببت انحسارا كبيرا لنفوذها في المنطقة ما ادى الى ان يقفز الدب الروسي وبجرأة غير متوقعه ليصبح وجوده في سوريا مقدمة لوصول ايران وحلفائها الى مستوى من القوة والخطورة تجعل الغرب اكثر عجزا في التعامل مع ملفات ايران النوويه وغيرها ؟ والى اي مدى سوف تحاول واشنطن تدارك الموقف الجديد لاعادة ترتيب اوراقها مع دول المنطقة وما تاثير ذلك على دعمها لبغدادوالقوات العراقيه ؟..
6- هل سيؤدي تدخل موسكو في حلبة الصراع السلفي الشيعي الى زيادة وتيرة المساعدات العسكرية الامريكية والغربية والخليجية للعشائر السنية في العراق وبمعزل عن حكومة بغداد ؟.. وما تاثير ذلك على الموقف الميداني العام وبالتالي على التوافق النفسي للقوات المسلحة العراقية ؟..
قد تستطيع الكثير من الاطراف ان تجيب على هذه التساؤلات الا بغداد التي فقدت الارادة السياسية بعد ان فقد الجيش العراقي نسبة كبيرة من ارادة القتال ....

*باحث في شؤون الدفاع والتسلح

عن المركز العربي الاوربي

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن