خبر عاجل

تعرف على اشكال الحرب الأهلية في لبنان

تاريخ النشر: 20 أبريل 2015 - 08:35 GMT
البوابة
البوابة

يلفت في الكم الكبير من النصوص المتعلقة بالحرب الأهلية في لبنان، والمنشورة لمناسبة ذكرى اندلاعها في مثل هذه الأيام قبل أربعين عاما (كم هرمنا، نحن الجيل الذي افتتحت تلك الحرب شبابه!)، اشتراكها في إدانة تلك الحرب، حتى أن الشعار الأغلب الذي صاحب 'الاحتفال' بها هذا العام ينعاها بقوله 'أربعون الحرب الأهلية في لبنان'، والأربعون خاتمة تقبل التعازي بالميت في كل الأديان! وعلى هذا، هناك الجمل التي تقرر بصراحة وعادية انها ما زالت مستمرة، والأخرى التي تطلق شعارات من قبيل 'تنذكر ما تنعاد'، وقد حدثت فغدت 'نتذكر حتى لا تعاد'، وفي ذلك تطور، ليس فحسب بالخروج من العمومية شبه القدرية، وبتجنب تجهيل الفاعل، وإنما بإحاطة التذكر بوظيفة وإرادة.

كل ذلك يشي بحالة متناقضة يعيشها اللبنانيون بكثير التعود والإلفة، حيث يبدو الصراع الأهلي العنيف ماثلا اليوم، وإن لم يكن متفجرا عسكريا، بينما يتنصل منه رسميا الجميع، فيظهر يتيما، بلا أبوين علنيين على الأقل. وأما الميزة الأخرى المذكورة بتكرار فملاحظة انتشار الحروب الأهلية حولنا، بدءا بتلك السورية والعراقية، ووصولا لليمنية علاوة على الليبية... وقد تبرع بعض اللبنانيين (طالما فايسبوك أعطى الجميع فرصة التعبير عن الرأي بحيث لم يعد الكلام وقفا على الصحافيين أو الكتاب المكرسين) بنصيحة إخوانهم من أبناء الشعوب التي تطحنها تلك الحروب بعدم الإقدام على ما ارتكبوه هم من جنون.

من هم دون الخامسة والعشرين (لو اعتبرنا اتفاق الطائف كحد) أو حتى الثلاثين (وهم غالبية السكان في بلداننا) يعرفون أهوال الحرب الأهلية مما يرويه أهلهم لهم، بخاصة منهم أولئك الذين أصيبوا بخسائر فادحة في أحبائهم (سواء من قضى أو المفقودين ممن لم يتضح مصيرهم، وهذا أفظع من الموت الصريح)، وفي أملاكهم وسكنهم، أو يعرفونها من القراءات (والإنتاج في ما يخص تلك الحرب قليل بالمناسبة)، أو من بعض الاشتباكات المسلحة أو السيارات المفخخة التي ما زالت تقع اليوم ويفترضون أنها عينة بسيطة من ذلك الهول. صفة التناول الأخلاقي تحديدا تبدو طاغية عموما عند الشباب وحتى عند من هم أكبر سنا حين يقاربون الأمر. وقد يظهر بداية أن في ذلك نوع من تشديد الإدانة، بينما هو في الواقع تكريس للنفاق أو للسطحية.

فثمة فارق كبير بين المستويين الأخلاقي والمبدئي. فهما ليسا أبدا شيئا واحدا. وما يميز بينهما هو تحديدا ما ينقص هذه الاستعادة الجارية على قدم وساق للحرب الأهلية اللبنانية: أن تتأسس ثقافة فكرية وسياسية ترفض اللجوء إلى العنف المسلح كوسيلة لحل الخلافات، مهما استعصت. ونحن نتكلم هنا عن انشقاق أهلي داخل مجتمع ما، يسعى فيه كل طرف إلى تحقيق غلبته على الآخر. قد تصاحب الانتفاضات أو الثورات لحظات من العنف الشديد أو المسلح، بمواجهة قمع السلطة القائمة واستشراسها. وقد تراق دماء كثيرة في السياق، وهو مثلا ما حصل إبان الثورة الفرنسية التي تميزت بعنفها الشديد ودمويتها. لكنها لم تكن حربا أهلية، بينما سمى ماركس الظروف المحيطة بقمع كومونة باريس حربا أهلية. كما يمكن لحروب التحرر الوطني ومجابهة الاستعمار أن تكون في غاية العنف والدموية، من جهة المستعمر كما من جهة من يتوق إلى الإنعتاق من ربقته. وأما خاصية الحرب الأهلية الأساس فهي اصطدام أبناء المجتمع المنقسم على نفسه في ما بينهم، واتجاه كل فريق لتحقيق الغلبة على الآخر، وإخضاعه. وفي ذلك بالضرورة قدر من 'تصفية' الخصم عبر تهجيره سعيا لمناطق متجانسة (أو يفترض بها أن تكون كذلك، إلا أنها غالبا ما تنقسم على نفسها وتدخل في صراعات أخرى على السيطرة حين تحقق الهدف الأول). ويتم هذا ليس فحسب عبر العمليات القتالية (بينما الجبهات هي في الواقع 'خطوط تماس')، بل بارتكاب أفعال يقصد منها أن تكون مرعبة، كالتفنن في القتل على الهوية واغتصاب النساء الخ... وقد تؤدي الحروب الأهلية إلى تقسيم البلد الذي تدور فيه، وقد لا يحدث ذلك فيستمر أبناء المكونات المتصارعة في العيش معا بعد انتهاء تلك الحروب.

يسود في لبنان اليوم استقطاب سياسي - مذهبي يقسم المجتمع عموديا قسمين كبيرين ومتوازيين، ما لا يلغي وجود تشققات داخل كل شطر وتحالفات 'انتهازية' (لا تغير من طبيعة الانقسام - الاستقطاب الرئيسي في شيء). وتمارس بناء على هذا الانشطار 'حرب أهلية' (من دون اللجوء إلى السلاح) خاصيتها انغلاق كل جهة على روايتها للواقع والاحداث، وعلى قدر عال من الاستنفار حول أدنى التفاصيل، بما يلغي تماما احتمال التوافق على مواضيع ومجالات ليست سياسية بالمعنى المباشر، وقد تكون مطلبية أو اجتماعية. ويمكن ملاحظة استعداد أبناء كل شطر للتخلي عن مصالحهم في تلك المجالات كرمى لتعزيز الاستقطاب والتزاما به. كما يمكن ملاحظة انحدار الانقسام إلى تفاصيل لا تخطر على بال، ككراهية اللون الأزرق في البيئات الشيعية مقابل نبذ اللون الأصفر في البيئات السنية، وفقا لألوان أعلام فريقي المستقبل و'حزب الله'... فتتجنب محلات الألبسة مثلا اقتناء اللون المكروه لأنه 'سيبور'. ويبدأ كل واحد في البلاد كلامه بتأكيد أنه ليس طائفيا (الانقسام المسلم ـ المسيحي) ولا هو مذهبي (الانقسام السني - الشيعي) مرفقة فورا ب'ولكن'، وهي بيت القصيد. وتصلح كل الحجج في تضخيم 'لكن' تلك وابتلاعها لكل ما عداها، وصولا إلى ألوان الملبوسات ومقاطعة صاحب دكان صدف أن حظه العاثر وضعه في أحد الأماكن المغايرة لطائفته أو مذهبه. نعم انتهت الحرب الأهلية، ولكن بأي مقدار؟

وعززت الحالة السائدة في المنطقة براهين كل طرف. فلو تركنا لبنان وشأنه، لصدمنا بالاستقطاب المذهبي الشرس السائد في بلدانها، وللحق بنا اللبنانيون ليتباهوا بأنهم صدروا بنية نظامهم السياسي (المأزوم تعريفا) إلى العراق حين احتله الأميركيون، فسمي هناك بالمحاصصة، والى الصيغ التفاوضية في اليمن قبل اندلاع حربها الراهنة (بعض هندسة مخرجات الحوار الوطني)، وإلى ما يجري التفاوض عليه بخصوص ليبيا الخ... وكأن في هذا الانحدار إلى التقاتل والتشرذم برهانا على صحة ما اتبعوه!

اقرأ أيضا:

 
 

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن